محمد عبد الرحمن
محاكمة طه دسوقي
قبل افتتاح مهرجان الجونة السينمائي بأيام قليلة ذهبت الفنانة حنان مطاوع إلى مول مصر بصحبة ابنتها "أماليا"، تزامنا مع عرض خاص لأحد الأفلام ففوجئت بجحافل من حاملي الهواتف المحمولة يصوبون أجهزتهم نحو ابنتها لتحاول إقناعهم - دون جدوى- أنها ليست في المول من أجل الفيلم، مثل هؤلاء لا يعرفون شيئا عن "الخصوصية".
في اليوم الثالث من الدورة الثامنة لمهرجان الجونة تعرضت الفنانة إلهام شاهين لموقف محرج بسبب رياح قوية رفعت جزءا من فستانها لأقل من لحظة، أحد الموجودين لتصوير مرور النجوم على الريد كاربت اليومية للمهرجان لم يجد غضاضة في إرسال الفيديو لصفحة فيس بوك تدر أرباحا على صاحبها، مثل هؤلاء لا يعرفون شيئا عن "الأخلاق".
بين ابنة حنان وفستان إلهام، قدم الممثل الصاعد طه دسوقى فقرة كوميدية ضمن فقرات حفل افتتاح مهرجان الجونة تحدث فيها عن تحوله من ستاند آب كوميدي إلى ممثل معروف وتوابع هذا التحول وأهمها فقدانه لحرية إبداء رأيه، وحرية الحركة في الشارع بسبب عناوين الفيديوهات التي ترافق نشر تلك المقاطع على صفحات فيس بوك جميعها بلا استثناء هادف للربح.
دسوقي استخدم عنوانين فقط كنموذج للعناوين أو "الكبشنات" الغريبة التي لا تعتمد على منطق مهني وتستهدف جذب المستخدمين لمتابعة الفيديوهات وبالتالي تحقق نسب مشاهدة عالية ترفع أرباح الصفحة شهريا.
دسوقي أكمل الفقرة بوصف بديع لكواليس تصوير مشهد في فيلم، مجسدا بمفرده كل أفراد طاقم التصوير خلف وأمام الكاميرا ما يعكس موهبته التمثيلية التي لم تعد محل شك أو سؤال.
بين طه وبعض الصحفيين سوء تفاهم مسبق بسبب انتقاداته مع آخرين لأسلوب تغطية جنازات المشاهير، بالتالي كانت ردة الفعل الجديدة محملة بتراكمات سابقة من بينها اتهام طه بعدم الحماس للإدلاء بتصريحات صحفية في مناسبات عدة، ومن هنا انطلقت محاكمة لطه دسوقي شابها العديد من المغالطات المنطقية والتداخلات التي تعكس أزمات أعمق تمر بها المهنة من جهة، وتعانيها العلاقة بين الصحفيين والفنانين من جهة أخرى في عصر السوشيال ميديا.
تكمن المغالطات التي طالت النقاش حول ما ذكره طه دسوقي في أمور عدة، يمكن أن نبدأ بأنه لم يهاجم الصحافة والصحفيين، هو تحدث فقط عن طبيعة عناوين لأخبار وفيديوهات اعتبرها غير مفهومة بالنسبة لممثل شاب يسير أولى خطواته نحو نجومية مستقرة، بالتالي كان من المفترض أن يخرج الغضب فقط من أصحاب تلك العناوين ويدافعون هم عن أنفسهم، لكن من يعرفهم، كل هذه الصفحات أصحابها مجهولون، فلماذا غضب محررون محسوبون على جرائد معروفة ومسجلة في النقابة، الإجابة عن هذا السؤال هي مربط الفرس ومنبع الأسى.
لو فرضنا أن تغطية أخبار الفنانين عبر السوشيال ميديا تمر في مسارات عدة فيمكن تلخيصها في الآتي، منصات حديثة محبوبة من الفنانين لأنها تقدم محتوى ترفيهيا وألعابا بدون أي أسئلة صحفية تصنف بالساخنة أو المحرجة، المنصات الصحفية التقليدية وقليلها معروف لدى الفنانين خصوصا من الأجيال الأقدم ويكون الصراع دائما بين الطرفين كيف يسأل الصحفي دون أن يغضب الفنان، وتعاني معظم هذه المنصات من تراجع ثقافة الجيل الجديد من المراسلين، المسار الثالث والأخطر هي المنصات مجهولة المالك والتي نجح أصحابها في تفعيل الأرباح من فيس بوك بالتالي باتت تدر الكثير بشرط تحقيق أكبر قدر ممكن من المشاهدات، وهي الأخطر ليس فقط لأنها هادفة للربح دون قيود مهنية، بل لأن بعضا من العاملين في المسار الثاني بات يتعامل بوجهين، ينشر الفيديوهات المسموح بها مهنيا في المنصة الأم، ويرسل الباقي للمنصات مجهولة المالك، ومن هنا أخذت المعضلة منعطفا آخر خارج عن السيطرة.
في كواليس مهرجان الجونة تردد بقوة أن من نشر فيديو فستان إلهام شاهين هو أحد المحررين المسجلين رسميا في المهرجان تابع لوسيلة إعلام مرموقة، في المهرجان أيضا كانت هناك صفحات أصحابها ليسوا على أرض الجونة لكن فيديوهات النجوم تصل لهم أولا بأول لأن هناك من يعمل معهم مقابل 100 و200 جنيه في كل فيديو، هو سوق كبير إذن بدأ بعشوائية ومستمر بها دون أي قواعد حقيقية، ووقت الجد عندما يدافع الفنان عن خصوصيته يتمسح هؤلاء بمهنة الصحافة التي لا يوجد بها أصلا مسمى لما يقدمون.
نعم نعم، البابارتزي موجود منذ الأزل، لكنهم كانو يقفون بعيدا يصوبون عدساتهم لالتقاط صور فوتوغرافيا تكشف قصة حب سرية، لم يضعوا أبدا عدساتهم في وجوه أطفال النجوم، لم يتعمدوا كتابة عناوين مبتذلة من أجل الريتش، قبل فترة قصيرة كنت شخصيا أظن أن الجهل فقط يقف وراء "الكبشنات" العجيبة والمبتذلة مثل تلك التي تزوج فنانا من ابنته، لكن اتضح سريعا أنها متعمدة بهدف أن يعلق الناس ويسبون الأدمن ويقولون "دي بنته مش مراته" وهو المستفيد، تعليقات أكثر، مشاهدات أعلى، أرباحا أوفر.
الذين حاكموا طه دسوقي، بعضهم لم يستمع جيدا لما قال، ومنهم من يعاني من البطالة فأراد تسجيل موقف، وهناك من يعرف أن الجمهور عادة ينحاز ضد الفنان فاستغل الفرصة، وبينهم من يتعامل سرا مع هذه الصفحات فادعى أن المهنة مستهدفة، قليلون فقط من ناقشوا خطورة العلاقة الملتبسة بين النجوم والصحافة وضرورة أن يعود النجوم من جديد للثقة في الصحفيين دون وسيط، لكن أي صحفيين؟
إذا لم تٌطهر المهنة نفسها وتحاكم من أساءوا إليها من داخلها، فسنظل نحن من يقف في قفص الاتهام، نتكلم ونثرثر وندعم الباطل بحجة حماية المهنة فيما الأجيال التالية من الفنانين سيدخلون البلاتوهات وقد رأوا ما حدث لفنانة بحجم إلهام شاهين ونجم واعد مثل طه دسوقى وطفلة ليس لها ذنب سوى أنها ابنة حنان مطاوع.
















