عاجل
السبت 1 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
مصر للبترول
مختارات من الاصدارات احتفال مئوية روزاليوسف
البنك الاهلي
البحث عن المواطنة

روزاليوسف والأقباط..

البحث عن المواطنة

لم يكن اهتمام «روزاليوسف» بقضايا الأقباط سوى استمرار لنهجها ومسيرتها فى بحثها الدائم عن ترسيخ المواطنة فى المجتمع المصري والدفاع عن الدولة المدنية، مثل تبنّى قضايا حقوق المرأة وحقوق الفقراء والمهمّشين، كان الجميع يتعامل مع القضايا المسيحية بحذر وخوف، وفى الغالب يتم الاعتماد على حوارات مع البابا فى المناسبات الدينية والوطنية أو عند وقوع حادث يتطلب تعليقه وكلامه، أو ما يصدر من المؤسَّسة الدينية أو قياداتها من الأساقفة والكهنة المشهورين.



 

 

 

 

 

كان هناك دائمًا تخوُّف من الاقتراب من المشاكل التي يعانى منها المسيحيون والتي تتماس مع كنيستهم، وكان التفسير؛ خصوصًا فى التسعينيات من القرن الماضى بأنه يكفى ما يعانيه الأقباط من استهداف من الجماعات الإرهابية المتدثرة بعباءة الإسلام، وقتها تصاعَدَت الهجمات؛ وبخاصة فى الصعيد على الكنائس، وزاد استهداف الكهنة والقساوسة وسرقة ونهب محلات الذهب، ولم ينجُ منها المواطن المسيحى العادى، الذي كان يجد تضييقًا عليه فى أمور غير قليلة وفى مؤسّسات كثيرة، كان لصعود الجماعات الإسلامية وتأثيرها على الشارع، أثرٌ كبيرٌ فى تراجُع الاهتمام الصحفى بمشاكل الأقباط الاجتماعية والأسرية والدينية، وانحصر الأمرُ فى الدفاع عنهم فى مواجهة الإرهاب، ولكننا فى «روزاليوسف» رأينا أن المواطن المصري يجب الاهتمام بكل قضاياه، وأن المواطنة الحقيقية تتطلب أن نتعامل مع المسيحى كمواطن كامل الأهلية، بدلاً من التعامل معه كمولود غير مكتمل النمو يجب أن يوضع فى حضانة لحمايته حتى يشتد عوده، وقرّرنا أن نتعامل مع الأقباط كمواطنين كاملى المواطنة لهم مشاكلهم وقضاياهم ومتاعبهم مثل المواطنين المسلمين، نعم كان الدفاع عن الأقباط فى مواجهة الإرهاب واجبًا ولكن أيضًا التعامل معهم كمواطنين وليسوا رعايا واجبًا أيضًا، وهذا ما قمنا به، فلا توجد مواطنة دون أن يعرف المسلم ما يدور فى الكنيسة كما يعرف المسيحى ما يدور فى الأزهر والمساجد، ولما كانت القضايا المتعلقة بالمؤسّسات الإسلامية والمشايخ مُثارة على صفحات الصحف والمجلات وتُنَاقش بكل علانية ويشارك فيها الجميع؛ خصوصًا ما يتعلق بتطوير الخطاب الدينى والتصدى للتكفير والدفاع عن حرية التفكير والاجتهاد؛ فقد كان لزامًا أن يحدث نفس الأمر مع الأقباط، وهو ما سيؤدى فى النهاية إلى طرح القضايا القبطية على المجتمع ومناقشتها والتفاعل معها مثل القضايا الإسلامية، فلا فرق بين القبطى والمسلم، وكلاهما مواطن مصري يجب معرفة ما يشغله وما هى متاعبه؟، ومن هنا قرّرنا مناقشة ما يدور داخل جدران الكاتدرائية والكنائس والأديرة، ومع نشر أول الموضوعات وكان صادمًا لأنه يتحدث عن المعارضة فى الكنيسة وأن هناك من يختلف مع البابا شنودة، وكانت شعبيته طاغية وهو يستحق ذلك بالفعل، ولكننا تعامَلنا معه كبَشر يخطئ ويصيب، وهو أمرٌ لا يقلل من مكانته الكبيرة وشخصيته المتفردة، وكانت الصدمة كبيرة واحتار القراء والصحفيون وتساءلوا ماذا يحدث؟ ولماذا؟ وتوالت الموضوعات المتنوعة وازدادت الأسئلة والحيرة، ولأن نظرية المؤامرة غالبة على الذهن المصري فقد قال البعض أننا نخلق توازنًا بين الهجوم على الإرهاب والتطرف الإسلامى، وبين الهجوم على الكنيسة، ولم نكن نهاجم الكنيسة ولكننا كنا ندافع عنها ضد مَن يحاول أن يمسَسْها بسوء، وكنا أيضًا مع حق المواطن القبطى فى معرفة ما يدور داخل جدران كنيسته، واكتشفنا أن كثيرًا من المسلمين لا يعرفون شيئًا عن المسيحيين، وكان واجبًا علينا أن نُعرِّفه ونُعلِّمه وأن نبعد عن ذهنه الأساطير والأكاذيب التي يروجها المتطرفون، مثلاً كان بعض المسلمين ينظرون إلى الأديرة كقلاع وأن أسوارها تخفى وراءها أشياءً مرعبة ومخازن للسلاح وغيرها، فنقلنا للقارئ ما يدور فى الأديرة وعرّفناه مَن هم الرهبان وكيف يتم اختيارهم؟، وما هى أديرة الراهبات وكيف يترهبن؟، وقد كان ذلك أمرًا مجهولاً للمسلم البسيط، ومثلما يعرف المسيحى كيف يصلى ويصوم المسلم؛ شرحنا للمسلم صلاة المسيحيين وصيامهم، وما هى أسرار الكنيسة السبعة وعلى رأسها سر الاعتراف التي تدور حوله كثير من الأكاذيب روّجها الجهلة والمتطرفون، كما نشرنا موضوعات كانت موضع اهتمام المسلمين قبل الأقباط مثل كم طائفة مسيحية فى مصر؟ وكم عدد أتباعها ومَن أشهرهم، وأين توجد كنائسها؟ وكتبنا أيضًا عن المجلات الكنسية التي تصدر ودورها فى الحياة الكنسية؛ بل ناقشنا لائحة اختيار البابا وهل يمكن تغييرها؟ ومَن مِن حقه الترشح؟، ومَن لهم حق الانتخاب؟ ولماذا يجب تغيير هذه اللائحة؟ وهو ما تم بالفعل بعد انتخاب البابا تواضروس، وكانت أموال الكنيسة ومراقبتها من الموضوعات التي أثارت نقاشًا كبيرًا فى الأوساط القبطية ومعها مصير الأوقاف القبطية، ودور المجلس الملى وضرورة تطويره وتغيير لائحته ليمثل جميع الأقباط، والمثير أنه بعد رحيل البابا شنودة لم تجرَ انتخابات هذا المجلس وتم تجميده حتى الآن، ولم نترك الكتب التي كانت تمنعها الكنيسة وبعضها لشخصيات مسيحية كبيرة مثل الأب متّى المسكين وناقشناها مثلما كنا نناقش الكتب التي منعها الأزهر، وخضنا أيضًا فى ملف المحاكمات الكنسية والتي كان بعض القساوسة يشكون منها ومن إجراءاتها، وكشفنا عن الشخصيات المسيحية الدينية والعلمانية المبعدة والتي لا تحظى برضاء البابا لاختلاف الأفكار والمواقف، ولكن أكثر الموضوعات التي كان لها زخم كبير ما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسيحيين ووجود آلاف المطلقين والعالقين دون زواج وفى انتظار الحصول على تصريح زواج ثانٍ من الكنيسة بعد حصولهم على الطلاق من المحاكم المدنية؟ وهو أمرٌ كانت الكنيسة لها وجهة نظر فيه؛ فقد كانت لا تعطى تصريحًا إلا للطرف الذي تراه مظلومًا، وكان هذا الملف قد تضخم والأعداد تزايدت بعد أن أوقف البابا شنودة العمل بلائحة 1938 داخل الكنيسة والتي كانت تحدد 9 أسباب للطلاق، وقصرها على سبب واحد هو الزنى قائلاً «لا طلاق إلا لعلة الزنى»، فى الوقت الذي استمر فيه العمل بهذه اللائحة فى المحاكم المدنية، ونظرا لتعذر الطلاق فقد لجأ عدد غير قليل من الراغبين فى الطلاق إلى تغيير الطائفة لكى تُتبطق عليهم الشريعة الإسلامية التي تجيز الطلاق، إذ كان القانون ينص على تطبيق الشريعة الإسلامية على مختلفى الملة والطائفة، ونتج عن ذلك مشكلة كبيرة فقد كان الطلاق يتم فى المحاكم المدنية وترفض الكنيسة الاعتراف به دينيا وتمنع من حصل عليه من الزواج كنسيا للمرة الثانية، وشكا كثيرون من تعنت القائمين على ملف الأحوال الشخصية فى الكنيسة، وأنه أحيانا تمنح التصاريح بالمحسوبية، ونادينا وقتها بضرورة عمل قانون موحد للطوائف المسيحية للأحوال الشخصية ييسر الحياة على المسيحيين، وهو ما لم يتم حتى الآن إذ إن القانون تم الانتهاء منه لكنه مازال حبيس الأدراج ولم ير النور، وكان من أهم الملفات التي تصدينا لها خطف الفتيات المسيحيات وأسلمة القاصرات، ونشرنا فتوى لشيخ الأزهر وقتها تمنع إسلام القاصر ولو بإرادتها، وأنه لا يجوز الاعتداد بإسلامها إلا عند بلوغها سن الرشد، ولم نتجاهل الكاثوليك والإنجيليين وقضاياهم ودافعنا عنهم عندما هاجمهم بعض الكهنة الأرثوذكس رافضين معموديتهم والزواج منهم، ولم نترك ملف أقباط المهجر ونشرنا أطروحاتهم وآراءهم عندما وجدنا ذلك فى مصلحة الكنيسة والوطن وهاجمنا تصرفات بعضهم عندما كانت تتجاوز هذه المصلحة وتكون ضارة ومسيئة، وكان الدفاع عن الكنيسة كبيرا وفى كل ما يمسها ولذلك واجهنا عمر عبدالكافى عندما تعرض للمسيحيين فى خطبه وشرائط الكاسيت التي كانت منتشرة فى ذلك الوقت طالبا عدم التعامل معهم أو حتى إلقاء تحية الصباح عليهم،وأسفرت هذه المواجهة عن تراجعه وذهابه إلى البابا بصحبة وزير الأوقاف وقتها محمد على محجوب للتهنئة بعيد الميلاد، ما يعنى اعتذاره عما قاله، وكان نجاحا مهما للمجلة، ووقفنا مع البابا شنودة فى قراره بمنع سفر الأقباط إلى القدس نظرا لاستيلاء إسرائيل على دير السلطان الذي تملكه الكنيسة المصرية ومنحه للأحباش دون وجه حق، وكان الأمر الوحيد الذي تحفظنا عليه فى هذا الشأن هو أمر البابا من سافروا بالاعتذار فى إعلانات مدفوعات الأجر فى الصحف ما يعنى فضحهم وتجريسهم، وقلنا يكفى ندمهم واعترافهم بالخطأ وعدم تكراره، بجانب أن القرار لم يكن يُطبق على الأقباط فى المهجر، وكتبنا عن ضرورة حصول الأقباط على حقوقهم وعدم استبعادهم من وظائف بعينها، وهاجمنا الكليات والجامعات التي كانت تحدد امتحاناتها يوم عيدى الميلاد والقيامة وعدم تعيين معيدين فى أقسام معينة بكليات الطب وعلى رأسها قسم النساء والتوليد، ودافعنا عن حرية الاعتقاد، وحق الإنسان فى اختيار عقيدته، وفتحنا صفحات المجلة أمام شخصيات مسيحية علمانين ورجال دين من كل الطوائف للكتابة فى جميع القضايا المسيحية والعامة بكل حرية، وللتاريخ، كان للأستاذ عادل حمودة نائب رئيس التحرير وقتها والمشرف على المجلة دور كبير فى استمرار النشر فى هذا الملف.

 

لقد كان دفاعنا عن الكنيسة ورفضنا تكفير المسيحيين سببا فى زيادة عداء التيارات المتطرفة لنا، ولكن التصدى لكل ما يمس الكنيسة والمسيحية والمسيحيين واجبا وفرض عين، لنا الشرف أننا بدأنا هذه الملف وسارت على نفس النهج باقى الصحف والمجلات بعد أن زالت عنهم الدهشة وأدركوا ضرورة أن يكون المسيحى مواطنا مثله مثل المسلم له قضايا ومشاكل وأمور يجب مناقشتها ومطلوب خروجها إلى النور بعيدا عن أسوار الكنائس، وكم سعدنا عندما أصبح فى كل مطبوعة صحفى متخصص فى الشأن القبطى، والأكثر سعادة أن عددا كبيرا منهم مسلم الديانة، كنا نبحث فى كل ذلك عن ترسيخ المواطنة وقد نجحنا فى ذلك إلى حد ما، ومازلنا نسير على نفس الطريق حتى نصل إلى هدفنا وهو المواطنة الكاملة ومدنية الدولة.

 

(نقلا عن مجلة روز اليوسف)العدد المئوى

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز