فتحي غانم
السياســة: حــرب الطرابيش والعمم
سنة أولى روزاليوسف
هذه هى بعض ملامح الحياة فى مصر فى السنة الأولى التي صدرت فيها مجلة روزاليوسف، وهى ملامح لحياة مختلفة تمامًا عن حياتنا اليوم.. وقد نجد فى متابعتها متعة وطرافة، ولكننا نجد فيها أيضًا بدايات لبعض ما انتهت إليه حياتنا المعاصرة بما فيها من جوانب طيبة أو مشاكل ومتاعب مازلنا نعانى منها .
ولسوف أدخل ذلك العالم القديم مباشرة وبلا استئذان أو مقدمات، فلسنا فى حاجة إلى شيء من هذا، مادمنا نتحدث عن بيتنا القديم، روزاليوسف التي صدرت فى أكتوبر عام 1925.. كمجلة فنية أدبية، ثم أعلنت بعد نصف عام من صدورها أسبوعيًا، أنها حصلت على رخصة من وزارة الداخلية بإصدار جريدة سياسية أسبوعية تحمل اسم روزاليوسف، وقالت لقرائها إن «صيغة المجلة الفنية الأدبية باقية كما هى... والقسم السياسى لا يؤثر بحال من الأحوال على أبواب المجلة ولونها الحالى».
وكانت مصر فى تلك الأيام خاضعة للاحتلال البريطانى، وكان المندوب السامى الإنجليزى هو أقوى سلطة فى البلاد، وكان ملك مصر يقف فى استقبال المندوب السامى «جورج لويد» فى ذلك الوقت، فى الحفلات العامة، وتصف روزاليوسف مباراة كرة القدم الدولية التي أقيمت على ملعب النادى الأهلى بين منتخب القاهرة وفريق نادى «الهاجدوك» اليوغوسلافى، بعد ظهر الجمعة 25 ديسمبر 1925... يوم الكريسماس الذي يحتفل فيه المسيحيون الغربيون بعيد ميلاد السيد المسيح - وفى الساعة الواحدة كانت الجماهير الزاخرة قد احتشدت فى النادى «يدفعهم الأمل الذي كان وطيدًا فى الفوز على أبطال يوغوسلافيا، وكان أعضاء لجنة اتحاد الكرة قد بكروا بالحضور وهم جعفر والى باشا ومحمد محمود باشا وسيف الله يسرى باشا.. وفى الساعة الثالثة تمامًا «شرف مندوب جلالة الملك فحيته الموسيقى بالسلام الملكى» وبعد ذلك شرف اللورد «جورج لويد» حتى يقف له مندوب الملك، وحتى لا يقف اللورد الإنجليزى تحية للسلام الملكى المصري، وبالمناسبة فاز الهاجدوك 4-2.
وكان الفريق المصري مكونًا من عسكر للمرمى وشميس ويكن وعبدالسلام والحسنى ورزق وعلى رياض ومختار الكبير وحجازى ومختار الصغير والزبير.

وكانت مصر تعانى داخليًا من صراع بين تيارين، أحدهما يوافق على موقف تركيا من إلغاء الخلافة الإسلامية، وإصدارها قوانين تدمغ المجتمع التركى بطابع أوروبى، وتيار آخر لا يوافق على هذا الاتجاه ويرفضه بشدة، وكان أشد هجوم يوجهه إلى تركيا أنها أصدرت قانونًا يسمح للفتاة المسلمة أن تتزوج من غير المسلم.
واهتمت روزاليوسف بمتابعة ما وصفته بحرب الطرابيش، أو المعركة بين «العمة والطربوش».. وقالت «أليست مصر الآن على أبواب ثورة فى كل شيء؟.. السيدات يطلبن السفور والخروج عن دائرة الحريم، ويطالبن بحق الانتخاب، وأخيرًا أعلن طلبة كلية دار العلوم الحرب على العمم ولا ندرى إن كان ذلك من تأثير قانون تركيا الجديد.
الطلبة المعممون يقولون إن العمة وما يتبعها من جبة وقفطان تعوقهم عن الاشتراك مع الطربوش وما يتمتع به صاحبه.. أما وزارة المعارف فإنها تتشدد فى وجوب بقاء العمة.. والمعركة ما زالت مستمرة... ولا نعرف معنى لتشبث وزارة المعارف.. ألست ترى أننا فى عهد غريب تقفل فيه أبواب العلم فى وجوه الطلبة لا لشيء إلا لأنهم يريدون التجديد؟.
وكان موعد حرب الطرابيش هو يوم بدء الدراسة الجديد.. فلقد ذهب طلبة دار العلوم فى ثيابهم الجديدة وعلى رؤوسهم الطرابيش التي تمثل العصر الذي يعيشون فيه فماذا وجدوا؟.. الوزارة جندت الجنود واستعدت أقسام البوليس والضباط وصف الضباط وبلوك الخفر فى تعبئة عامة.. ولماذ؟!.. للحرب... لقهر العدو العظيم اللدود.. الطرابيش، أما الطلبة فكنا نظن أنهم جميعًا على اتفاق تام فى لبس الطرابيش، ولكن بينهم بقية تعتقد أن العمة جزء من الدين.
وكانت حرب الطرابيش تشغل الصحف بالمقالات، وكان التساؤل، هل الدين ضد الطربوش؟ لقد كنا ندعو فى جوامعنا لخليفة النبى ﷺ وإمام المسلمين، وكان هذا الخليفة يلبس الطربوش والبدلة.. إن المقاومة آتية من شيوخنا المعممين المخضرمين.. يرون العالم يسير إلى الأمام ويودون هم الوقوف... لا يخافون الله بقدر ما يخافون حركة التجديد لأن فيها ما ينذر بالقضاء على الأسس التي قام عليها ذلك النظام الفاسد العتيق الذي عاشوا عليه.. «الطربوش آية من آيات تحرير الفكر»!!
وتطورت المعركة إلى مناقشة الفرق بين الطربوش والقبعة، وكتبت روزاليوسف تقول «أحس ميلًا إجراميًا إلى صفع أقفية حضرات المحترمين الذين يجرجرون الدين فى كل شيء..
ما دخل الدين فى القبعة والطربوش؟!
التصوير الفوتولرافي
ولكن الذين كانوا يفتون باسم الدين، كانوا يزعمون أن التصوير الفوتوغرافى حرام، وحدثت أزمة عندما رفض عضو مجلس إدارة نقابة الموظفين حمل بطاقة العضوية لأن البطاقة تشترط وجود صورته، وهو يرفض التصوير لأنه حرام.
ولو كان هذا التصور قد استمر لما كانت هناك جوازات سفر أو بطاقات شخصية أو عائلية بدعوى أن أية صورة هى رجس من عمل الشيطان !
وكان الذي يسيطر على التعليم، وعقلية الطلبة مستشارين إنجليز حتى الأناشيد الوطنية التي يتعلمها وينشدها التلاميذ كانت تحت إشراف الإنجليز «ألفت وزارة المعارف لجنة لوضع الأناشيد الوطنية والأغانى القومية مؤلفة من حضرات مستر ستيوارت رئيسًا ومستر دن عضوًا ومعه الأستاذان الشاعران محمد الهراوى أفندى وأحمد أفندى رامى».
وكتبت روزاليوسف.. «أنا لا أفهم معنى لتعيين إنجليزيين وأحدهما رئيس فى لجنة تكونت لوضع الأناشيد القومية باللغة العربية، اللهم إلا أن تكون الأغانى والأناشيد القومية من النقط الأربع المحتفظ بها»..
وكان الإنجليز قد صرحوا فى عام 1923 باعترافهم باستقلال مصر مع تحفظات أربعة.. وهى بقاء الاحتلال، وبقاؤهم فى السودان وسيطرتهم على قنال السويس وبقاء الامتيازات للأجانب فى مصر. وكانت روزاليوسف تنقد المندوب السامى بأسلوب ساخر ولكنه غير مباشر.. مثل القصة التي نشرتها «قصة رجل منحوس فى كل مكان يذهب إليه.. ما بال الأحزاب المؤتلفة لاهية عن هذا الرجل، ألم يخطر لها أن تسعى جهدها لتلحقه فى أى وظيفة كانت بدار المندوب السامى.. لعل الخير يكون على يديه»!!
وكانت هناك مناقشات حول خلافة المسلمين.. ولقد تنازل المتوكل على الله آخر الخلفاء العباسيين فى القاهرة.. عن حقوقه فى الخلافة للسلطان سليم الأول العثمانى.. ولكن المناقشات كانت تدور حول شرعية انتقال الخلافة للعثمانيين بعد أن ألغت تركيا الخلافة.
وكانت السياسة - على حد تعبير روزاليوسف- «تكية الأدباء» أين الزعيم العقاد وأين صادق عنبر والمازنى وهيكل وابن هلال والههياوى.. ابتلعتهم السياسة... فى أوروبا يفرقون بين السياسة والأدب.. أما هنا فنحن نجعل الأدب سُلّمًا إلى السياسة!.. إذا ما ظهر بيننا كاتب وبلغ مكانة ما فى الأدب كان همه أن يعرف بين الناس ككاتب سياسى وأن يشغل منصب محرر فى جريدة سياسية.. لماذا ؟ لأن سوق الأدب عندنا كاسدة وسوق السياسة دائمًا فى رواج.
وكان أغنياء مصر يتعرضون لحملات من روزاليوسف تكشف عن مواقفهم.... وحدث أن أعلن المليونير الأمريكى «روكفلر» أنه يريد أن يقدم منحة لمصر قدرها 10 ملايين دولار. ولكنه تكتم الخبر حتى يتم الاتفاق بينه وبين الحكومة.. ولم يذكر شيئًا عن مناسبة هذا الاتفاق.. ولكن روزاليوسف انتهزت فرصة انتشار الخبر - أو الإشاعة- وقالت «لنحلق فى عالم الأحلام ونفرض أن البدراوى باشا عاشور أو كامل باشا جلال أصابته ضربة شمس أثرت فى عقله فقام وتبرع لمشروع التعليم الأولى مثلًا بمائة ألف جنيه!
فماذا تكون طلباته وشروطه؟
أولًا: أن ينعم عليه بالوشاح الأكبر من نيشان محمد على ونيشان إسماعيل ونيشان النيل!
ثانيًا: أن يُعَيَّن وزيرًا مدى الحياة.
ثالثًا: أن يقام له تمثال بدلًا من تمثال نهضة مصر.
رابعًا: أن تحييه أورطة من الجند إذا سافر أو حضر.
ولا تظنوا أنى أسخر. أؤكد لكم أن هذا أقل ما يطلبه!
الشرق عليل تشفيه الصناعة
ولكن من ناحية أخرى كان الاهتمام بالصناعة والتصنيع قد انتشر... بمناسبة افتتاح المعرض الزراعي الصناعي الذي كان يعاد افتتاحه بعد ثلاثة عشر عامًا..
قالت روزاليوسف إن المعرض سيظهر.. ما بلغ إليه الصانع المصري من تقدم.. وأهم أقسام المعرض ستخصص ولاشك للزراعة وهى غرض الجمعية الأساسى الذي من أجله تقيم المعرض.

وفى يوم زيارة الرئيس الجليل- سعد باشا زغلول - للمعرض بلغ عدد الزوار سبعين ألفًا واضطرت إدارة المعرض أن تطلب من سعد باشا تأجيل زيارته خوفًا عليه من شدة الزحام - فى الظاهر- وفى الواقع خوفًا من حدوث مظاهرة فيبور المعرض.. وفى قسم الفنون كانت هناك يافطة مكتوب عليها «الشرق عليل تشفيه الصناعة».. وتمنت روزاليوسف لو كانت هذه الكلمة مكتوبة بحروف من نور على باب المعرض الكبير.
وكانت تعجب من إقبال السيدات على المعرض مع ظاهرة جديدة عجيبة هى لبس الشباشب والأحذية الكاوتش «ولا أدرى الحكمة من ذلك»!

وكان المثقفون يعانون من أزمة الاهتمام بالثقافة وكتب محمد لطفى جمعة المحامى فى روزاليوسف يصف حالة الثقافة فى مصر فقال: «لا يوجد فى مصر أكثر من واحد فى الألف يستطيع إدراك العلم والسياسة والأدب والتاريخ والجغرافيا والفلسفة.. إن الأساس العلمى الضرورى لكل فرد وكل جماعة غير موجود بتاتًا فى عقولنا المصرية فجهلنا بتاريخ بلادنا أمر لا مثيل له فى وقت فيه الأجانب على علم بكل صغيرة وكبيرة.. أما عن جهلنا بتاريخ العالم أجمع فحدث ولا حرج.. وإن ذكرنا الفلسفة فهيهات أن يوجد بيننا عشرة رجال واقفين على مجموع تاريخ الفلسفة.
هذا الفزع من الجهل الكبير الذي كنا نعيش فيه لم تكن هناك محاولات لإلغائه إلا من خلال عمليات إذاعة الثقافة فى المجلات والجرائد.
نادي الموسيقى الشرقي
وكان عالم الفن يواجه مشاكل القديم والجديد فنادى الموسيقى الشرقى كان يتعرض لانتقادات حادة لأنه يقوم بترقيع القديم.
وفى النادى حزبان أحدهما يدعو إلى التجديد وتلقيح الموسيقى الشرقية بالموسيقى الغربية، والآخر يتمسك بالقديم.. ولكن النصر حتى اليوم.. 1925-1926 ما زال للمحافظين..
وكان مصطفى بك رضا رئيس نادى الموسيقى الشرقى.. صافى البشرة، أرستقراطى المظهر والخلقة، على محياه سيماء الطيبة وسلامة القلب.. لم يكن فى مصر ناد للموسيقى الشرقية يلم شتاتها ويحفظ قديمها ويجدد بهاءها. فقام مصطفى رضا ونفر من أصحابه قبل الحرب الكبرى واجتمعوا فى غرفة ضيقة وفى حى متوسط الحال. وهناك غرسوا البذرة الأولى فلم تمض سنوات لا تزيد كثيرًا على عدد أصابع اليدين حتى قام نادى الموسيقى الشرقى الفخم.
صناعة الطقاطيق
وفى عالم الغناء والطقاطيق كان محل كالدرون فى شارع عماد الدين يعرض نوتة قطعة موسيقية عنوانها «رنة خلخالى يا أمه» وعلى غلاف النوتة صورتان إحداهما صورة حلمى بك الطقطاق الكبير والأخرى صورة صفر بك الملخى الشهير. وكان حلمى بك مشغولًا فى تلك الفترة بوضع رسالة اسمها صناعة الطقاطيق وأثرها فى نهضة الأمم.
أما منيرة المهدية فكانت تتربع على عرش الغناء وكانت تتشبه بالوزراء عندما يمرضون مرضًا سياسيًا، فإذا مثلت رواية غنائية جديدة ولم تلاق نجاحًا أذاعت إدارة الفرقة فى الصحف أن الرواية أوقف تمثيلها لتوعك أصاب مزاج السيدة منيرة.
أما محمد عبدالوهاب فكان نجمًا صاعدًا قل أن يمر أسبوع دون أن تقرأ فى إحدى الصحف عنه وترى صورته، وفاز ولم يبلغ العشرين من عمره بشهرة واسعة، وهو ينحو فى تلحينه نحوًا خاصًا لا يجارى فيه عليه طابع خاص من روح الشباب الذي يميل إلى الخيال والأحلام وكان آخر فوز له فى رواية قنصل الوز التي لحن فيها المفردات التي تغنيها السيدة فتحية أحمد.

وكتب إبراهيم عبدالقادر فى روزاليوسف «أمتعنا عبدالوهاب.. كانت كلها سحرًا، ولولا أن يُعد ذلك جحودًا لتجاوزت عن ذكر اسمه فإنه أجدى عندى وأوقع فى نفسى أن أجرد غناءه من صورته الآدمية على حسنها النرجسى، وأن أتصوره أبدًا هوى سابحًا وروحًا هائمًا وصوتًا هافيًا يشرب بالأذن صرفًا.
مباراة في التمثيل
وكانت هناك مباراة فى التمثيل فحصل على درجة الامتياز روزاليوسف ومنيرة المهدية وجورج أبيض ويوسف وهبى.
وفازت بالدرجة الأولى السيد زينب صدقى والآنسة أمينة رزق والسيدة دولت أبيض والآنسة فردوس حسن والثلاث من ممثلات فرقة رمسيس ما عدا دولت أبيض فهى من فرقة جورج أبيض.
وكان الشاب الثرى محمد زكى رستم قد التحق بفرقة جورج أبيض، ثم انتقل إلى فرقة رمسيس. وكانت فاطمة رشدى تمثل دور فونتين فى رواية البؤساء على مسرح رمسيس. وكانت دار الأوبرا تقدم أوبرا بترفلاى. أما موسم الكوميدى فرانسيز على دار الأوبرا فقد قدمه مدام سيمون ومسيو لوبارجى فى رواية موليير الشهيرة «تارتيف» المعروفة فى مصر «بالشيخ متلوف» كما قدمت الفرقة مسرحية خليل النساء لديماس الصغير، ونصف العالم لنفس المؤلف. والعذراء المفتونة لهنرى باثاى وكساء العراة للكاتب الإيطالى لويجى بيراند للو..
ولا مزاح مع الحب لألفريد دى موسيه، والباريسيه لهنرى بك، ومسرحيات السارق وأنس والزوبعة لهنرى برنستين، وفارس كولومب لفرانسوا بورشيه والماركيز بريولا لهنرى لافدان.
وكان الإقبال على فرقة زكى عكاشة بحديقة الأزبكية ضعيفًا.
وتأسست شركة تحت رياسة صاحب السعادة شكور باشا لتشييد مسرح خاص لجورج أبيض، وقامت فرقة تمثيلية جديدة باتفاق بين نقابة موظفى الحكومة ولفيف من أنصار فن التمثيل الموظفين وتشرف النقابة على الفرقة..
وكان نادى التجارة العليا يقم مسرحية يوليوس قيصر. أما زكى طليمات فسافر إلى فرنسا ليدرس فن التمثيل على نفقة الحكومة فى أول بعثة من نوعها.
أما يوسف وهبى ابن المرحوم عبدالله باشا وهبى، فكان قد هرب من أسرته إلى إيطاليا حيث اشتغل بالتمثيل تحت إشراف الممثل الإيطالى الكبير كيانتونى ثم عاد إلى مصر وانضم إلى شركة للسينما ومثل دورًا فى فيلم سينمائى اسمه أعين الثعبان، وتوفى والده، فأنشأ مسرح رمسيس مع المخرج عزيز عيد الذي كان مديرًا فنيًا للمسرح.

وكان صاحب العزة كشكش بك - نجيب الريحانى - قد عاد مع زوجته السيدة بديعة مصابنى من رحلتهما الطويلة فى أمريكا.
واتخذا لهما محلًا مختارًا بحانة أورسينى بشارع عماد الدين، يلتف حولهما حلقة من الأدباء وعشاق التمثيل.
وكشكش بك هى الشخصية التي خلقها الريحانى وخلدها، بدأ عمله فى أول سنوات الحرب العالمية الأولى بنوع جديد من الفن المسرحى لم تعرفه مصر من قبل فى أيام كانت فيه أعصاب الناس متوترة، تبحث عن كل ما يدخل السرور عليها، فكان طبيعيًا أن يلاقى الريحانى نجاحًا منقطع النظير، رغم اتهام رواياته أول الأمر بخروجها على العرف والآداب.
وصبر الريحانى حتى زادت الاتهامات فذهب إلى المحكمة وبرأته. ثم هدأت العاصفة وأخذت السماء تمطر الريحانى ذهبًا فبلغ صافى إيراده 1300 جنيه فى الشهر من رواية 1918 - 1920 التي مثلت ثلاث شهور متوالية.
أما بديعة فهى ممثلة رشيقة صوتها رخيم فيه دلع، وهى الوحيدة فى مصر التي جمعت فى رقصها بين الرقة الغربية والخلاعة الشرقية.
إن حديث الذكريات لا ينتهى، ولا بد من وقفة، ولقد اخترت لها، ذلك الخبر الذي نشرته روزاليوسف، المجلة التي كان ثمنها خمسة مليمات، تعلن فيه أن إبراهيم الكاتب أو فترة من حياة، هو اسم رواية يبدأ ظهورها مسلسلة تحكى قصة فتاة اسمها شوشو يقول لك جسمها أنها ناهزت السابعة عشرة، ويشهد حديثها وحركاتها أنها لم تتجاوز الرابعة عشرة. وكاتب الرواية هو الأديب إبراهيم المازنى..
روايتي الأولى
إن هذا الخبر يشدنى إلى روزاليوسف، التي نشرت لى أول رواياتى، الجبل، وكان إحسان عبدالقدوس، قد استأنف تقليد نشر الرواية المسلسلة برواياته الأدبية السياسية، التي فاجأت الكثير من القراء وهزتهم بعنف فى تقاليدهم ونظرتهم للحياة، ثم كان له فضل الترحيب بنشر روايتى الأولى. وهكذا تكون الحياة مستمرة ومثمرة من أدب إلى أدب ومن جيل إلى جيل.
نشر في العدد 2999 بتاريخ 2 ديسمبر 1985
نقلاً عن مجلة روزاليوسف
















