الجلسة العلمية الخامسة بالندوة الدولية للإفتاء تبحث دور الفتوى الشرعية في الدفاع عن القضية الفلسطينية
شهدت الندوة الدولية الثانية التي تنظمها الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم انعقاد الجلسة العلمية الخامسة، بحضور دولي واسع من كبار المفتين وعلماء الشريعة والمتخصصين، تحت عنوان: «الفتوى والقضية الفلسطينية: بين البيان الشرعي والواجب الإنساني»، حيث ناقش المشاركون الدور المحوري للفتوى في حماية عدالة القضية الفلسطينية وترسيخ بعدها الإنساني والشرعي.
وفي مستهل الجلسة، أكد الدكتور محمد أحمد محمد علي العزازي، أستاذ ورئيس قسم أصول الفقه بكلية البنات الأزهرية بالعاشر من رمضان، أن الفتوى تمثل مرجعية دينية وأخلاقية تجمع بين أحكام الشريعة والقيم الإنسانية، وتؤكد شرعية مقاومة الاحتلال، ووجوب مناصرة الشعب الفلسطيني ماديًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا ومعنويًّا. وشدد على أن التطبيع الذي يقرُّ بالاحتلال ويُمكِّن له يُعد محرَّمًا شرعًا.
وأوضح العزازي، في بحثه المعنون «الفتوى الشرعية والقضية الفلسطينية بين البيان الشرعي والواجب الإنساني»، أن الفتوى قادرة على تشكيل وعي الأمة وترسيخ البُعد الأخلاقي للقضية الفلسطينية، إلا أنها تواجه تحديات معاصرة أبرزها التوظيف السياسي والضغط الإعلامي وتباين الاجتهادات، ما يجعل استقلالية الإفتاء ورفع الوعي المجتمعي ضرورة حتمية للحفاظ على عدالة القضية وعمقها الإنساني. وتناول البحث الأساس الشرعي لمكانة فلسطين، ووجوب مقاومة المحتل ونصرة المظلوم، ودور القواعد الأصولية في توجيه الفتوى بما يوازن بين البيان الشرعي ومتطلبات الواجب الإنساني.
وأكد الدكتور أحمد محمد إبراهيم الصاوي، مدرس العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، أن القضية الفلسطينية لا تسقط بالتقادم، نظرًا لمكانة القدس الدينية والحضارية عبر التاريخ، معتبرًا إياها امتحانًا حقيقيًّا للمجتمع الدولي وأصحاب الضمائر الحيَّة. وشدد على أن وقف العدوان على أهل فلسطين والحفاظ على أرواح المدنيين واجب ديني وشرعي وضرورة إنسانية، وأن التخاذل عن ذلك ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
وفي بحثه المعنون «جهود المؤسسات الدينية المصرية في خدمة القضية الفلسطينية: دار الإفتاء المصرية أنموذجًا»، أوضح الصاوي أن القضية الفلسطينية تمثل قضية وطنية فلسطينية، وعربية، وإسلامية في آنٍ واحد، لارتباطها بمقدسات دينية ومكانة حضارية تهم مئات الملايين حول العالم. وأشاد بالدور الذي تضطلع به الدولة المصرية في هذا الملف انطلاقًا من مسؤوليتها التاريخية والإقليمية والدينية، داعيًا إلى دعم المؤسسات الدينية، وعلى رأسها دار الإفتاء المصرية، وتعزيز دور المؤسسات التعليمية والإعلامية والمجتمع المدني في ترسيخ الوعي بالقضية الفلسطينية لدى الأجيال الجديدة.
وقدّمت الدكتورة رنا إبراهيم مصطفى عبد الرحمن، المدرس المساعد للعقيدة والفلسفة بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بكفر الشيخ – جامعة الأزهر، بحثًا بعنوان «توظيف الدين في الخطاب اليهودي المعاصر: حول أرض الميعاد»، تناولت فيه آليات إعادة تشكيل الخطاب الديني اليهودي سياسيًّا بما يخدم المشروع الصهيوني، عبر توظيف مفاهيم دينية وتأويلات أيديولوجية لتبرير الاستيطان والاستيلاء على الأرض.
وقدمت الباحثة قراءة نقدية مقارنة كشفت عن الفوارق بين التصورات الدينية الأصلية في التراث اليهودي والتوظيف السياسي المعاصر، مبيّنة أن فكرة «الوعد الإلهي» تمثل شرعية زائفة تعلو على القانون الدولي، وتقوم على بناء عقل جمعي يخلط بين الديني والقومي لتبرير العدوان وتجاوز القيم الإنسانية. وشددت على ضرورة بيان الموقف الإسلامي من هذه الادعاءات، والتأكيد على عدم شرعيتها، وفضح ما تنطوي عليه من ظلم وعدوان صارخ يتنافى مع مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
وأكد المشاركون في ختام الجلسة أن الفتوى الشرعية الرشيدة تمثل خط دفاع أساسي عن القضية الفلسطينية، وأداة فاعلة في مواجهة محاولات التزييف الديني والتطبيع مع الاحتلال، بما يعزز العدالة ويصون الحقوق الإنسانية للشعب الفلسطيني.



