"إسلام بلا أحزاب" للراحل رجاء النقاش... جديد كتاب ماسبيرو
يعد كتاب "إسلام بلا أحزاب" للكاتب الكبير الراحل رجاء النقاش، بداية لعودة الروح الثقافية لماسبيرو، فقد أعاد رئيس الهيئة الوطنية للإعلام أحمد السلماني، لها الحياة بعد ١٤ عاما من التوقف، بعد أن أصدرت في السابق 90 كتابا وتوقفت بعد عام 2011.
ويتكامل عودة الروح لهذه النوعية من الإصدارات للكتب ذات القيمة الوطنية والفكر العميق المستنير، مع الرسالة الثقافية التنويرية للإذاعة والتلفزيون المصري ومع الكتاب المقروء، كما أنه عاد ليستكمل سلسلة تهدف إلى تعزيز الدور الثقافي لماسبيرو في تعظيم القوة الناعمة المصرية، ويضم مجموعة من المقالات التي تم نشرها في تسعينات القرن الماضي، ومن المقرر أن يُطرح الكتاب خلال مشاركه ماسبيرو في معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير المقبل.
ولد الكاتب الكبير رجاء النقاش في 3 سبتمبر عام 1934 في مركز أجا محافظة الدقهلية، وقد بدأ رحلة ثرية من كلية اللغة العربية جامعة القاهرة إلى صحف الأهرام وأخبار اليوم والراية القطرية إلى روز اليوسف والكواكب والمصور والهلال وغيرها، وحاز النقاش على جائزة الدولة التقديرية وجوائز أخرى، وشارك في تقديم أسماء بارزة من كبار المبدعين العرب، منهم الطيب صالح الكاتب السوداني ومحمود درويش الشاعر الفلسطيني، ويولي اهتماما خاصا في الكتاب بالإمام محمد عبده وتلميذه عبد العزيز جاويش.
وفي كتابه "إسلام بلا أحزاب" ، يدعو النقاش، إلى الحوار الذي كان سائدا في مصر قبل عقود طويلة، خاصة وأن الإسلام تهدده جبهتان، واحدة متطرفة تلحق به أشد الضرر، وأخرى معادية تكيد وتتآمر عليه، وهنا تبرز أهمية الحوار، ولا يقف الكاتب عند نقد المتطرفين وأعداء الحوار وحملة السلاح، ولكنه يعرض أيضا جوانب من قيم الإسلام وفضل حضارته على العالم.
ويتناول الكتاب في فصله الأول الفكر الإسلامي في النصف الأول من القرن العشرين، الذي يناقض معنى الإسلام الذي يستعد الغرب لمواجهته في القرن الحادي والعشرين، ومعناه الذي نحمله في عقولنا لنواجه به التحديات الصعبة في المستقبل القريب، مستعرضا بعض فتاوى رائد العقل الإسلامي في العصر الحديث الشيخ محمد عبده الذي توفي عام 1905، لتصحيح بعض المفاهيم التي تلبس رداء الدين، مؤكدا أن محمد عبده هو إمام عصري حقيقي للعقل الإسلامي المتحرر الذ ينزع عن الأفكار السلاسل والأغلال متخذا الشجاعة منطلقا له.
ويشدد هذا الفصل على أن جرأة محمد عبد النادرة وأفكاره كانت فاتحة خير أمام الفكر الإسلامي الجديد الحر، ليظهر بعد ذلك الكثير من تلاميذه ليتحدثوا عن الإسلام بلغو قوية وفهم صحيح، ويقدم نماذج مضيئة من أفكار المسلمين الواعية الجريئة في النصف الأول من القرن العشرين.
ويتبنى الفصل الثاني من الكتاب تساؤلا مهما، "لماذا نصادر ولا نحاور؟"، فقد أثار كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي" عام 1926، جدلا وضجة كبيرة لما تضمنه من آراء عن الدين الإسلامي الحنيف، والتي واجهت نقدا علميا واسعا في كتب عدة جائت في إطار إيمان الرأي الثقافي العام في مصر آنذاك بأن العلاج الصحيح لأي خطأ فكري هو الرد عليه بالفكر وحده، وكانت تلك هي طريقة المواجهة في حياتنا الثقافية منذ عشرات السنين، وبالحوار والمناقضة تراجع طه حسين عن بعض ما وقع فيه من آراء خاطئة.
ويؤكد الكتاب أن المناخ الفكري الحر وحده هو وحده ما كان يعالج جميع القضايا المشابهة، ولولا الحوار لما ظهرت العديد من الدراسات المهمة التي أغنت الفكر العربي وأضافت إليه إضافات بالغة القيمة والأهمية.
ويقر الفصل الثالث من الكتاب بأهمية الحرية ككل لا يتجزأ والتي تتطلب مناخا عاما سليما يسمح لكل المتحررين بإبداء آرائهم، موضحا أن الحرية الفكرية في ظل الاستعمار والفساد في أواخر القرن العشرين، كانت حرية انتزعها العقل المصري انتزاعا من براثن أعداء الوطن.
وانتقد الكتاب فكرة قيام الأحزاب الدينية لأن الإسلام لا يصح أبدأ أن يتجزأ ويتفتت، مفندا ما أثاره الإخوان كحزب ديني من شعارات لا تصلح لحزب واحد في بلد إسلامي، فهي شعارات ينبغي أن يؤمن بها كل مسلم، كما أن مبادئهم تبين عدم إيمانهم بالحزبية ورغبتهم في أن يصبحوا الحزب الوحيد في الحياة السياسية.
وأوضح أن الحزب الديني لا يمكن أن يكون ديموقراطيا على الإطلاق، لأن عدم التوافق مع أفكاره تعني الاعتراض على الدين والتكفير، وهذا هو السبب في أن الأحزاب الدينية عندما تصل إلى السلطة تستبيح دماء إخوانهم في الإسلام المعارضين لحزبهم تحت حجة "الارتداد"، وتلك هي أحد مبررات التوجه إلى العنف والتفرقة في الحقوق، مشددا على الدين ثابت والسياسات متغيره والواقع الاجتماعي ينتقل من حال إلى حال، وليس من مصلحة الإسلام والمسلمين أن نفرض على الإسلام الدخول في ميادين السياسة العملية والعلوم التطبيقية وما إلى ذلك.
ويقتبس الكتاب أجزاء من ما كتبه العقاد عن التسامح والاعتدال التي تتسم بها السلوك والمعاملات إضافة إلى العقيدة الإسلامية، وخاصة معنى الدولة والعلاقة بين الحاكمين والمحكومين في الدول الإسلامية، وكذلك العلاقات الدولية ومعاهدات السلم والصلح والمتاركة بين الأعداء والمختلفين في العقائد والعناصر واللغات، فالإسلام أباح لأتباعه معاهدة المشركين والذميين وأهل الكتاب والإخوان في الدين، فهو دين للحياة الكريمة والتعامل الإنساني بين البشر جميعا.
ويؤكد الكتاب على أن حالة الوحدة الكاملة التي يعيشها الشعب المصري ترجع إلى ثلاثة عناصر قوية، وهي اللغة الواحدة والثقافة الواحدة التي يتكون منها عقل مصر، ثم المصالح المشتركة في الزراعة والصناعة وغيرها من شؤون الحياة، وهي ما جعلت شعبنا وحدا لا شعبين، فقد فهم المصريون الإسلام على وجهه الصحيح بما يتضمنه من تسامح ورحمة واتساع صدر وعقل تحت مبدأ من أسمى المبادئ "لا إكراه في الدين".



