
وائل قدور: قناة السويس جذبت سفن الحاويات الكبيرة من قناة بنما في الفترة الأخيرة

حوار - مصطفى سيف
- الأنشطة البحرية في مصر تساهم بنسبة 2.5% من الناتج القومي
- الفلبينيون يحولون 10 مليار دولار سنويًا من العمالة البحرية
- مصر لا تمتلك رؤية للاستفادة من الاقتصاد البحري
- مصر رقم 9 في العالم في المزارع السمكية
قال المهندس وائل قدور، الخبير البحري وعضو مجلس إدارة هيئة قناة السويس الأسبق، إن قناة السويس جذبت حصة كبيرة من سفن الحاويات من قناة بنما في الفترة الماضية، وهو ما ينفي تأثير قناة بنما على قناة السويس، وأشار في حوار خاص لـ«بوابة روزاليوسف»، إلى أن الصناعات والأنشطة البحرية تساهم بنسبة ضئيلة جدًا في الناتج القومي حيث لا تتجاوز 2.5%، وإلى نص الحوار:-
في البداية؛ صف لنا حال مصر في الصناعات البحرية وتأثيرها على الاقتصاد؟
تمتلك مصر إمكانيات كبيرة في الصناعات والأنشطة البحرية، إلا أن كل هذه الإمكانيات لا تساهم في الناتج القومي إلا بنسبة ضئيلة جدًا، لا تتجاوز 2.5%؛ في حين أنها تستطيع أن تساهم في الاقتصاد بنسب أعلى، مثل فيتنام التي تساهم بنسبة 30% من الناتج القومي، ماليزيا 22%، الصين 10% في عام 2014، سنغافورة 7%.
فمصر تمتلك 2450 كيلو شواطئ على البحرين الأبيض والأحمر، إلى جانب السواحل والمناطق الاقتصادية الخاصة المرتبطة بالساحل، وهذه المناطق يوجد بها ثروات، مثل حقل الغاز الضخم الذي تم اكتشافه، بالإضافة إلى أن 32% من بترول العالم تم استخراجه من آبار بحرية، أيضًا التطور الذي يحدث في الأدوية لمقاومة الأمراض المستعصية، بالإضافة إلى زيادة أعداد سكان العالم، والشُح الموجود في المياه الحلوة، لذلك لا بد من اللجوء لتحلية مياه البحر، فكلها مصادر قوة لمصر.
إلى جانب السياحة البحرية والشاطئية التي تمثل جزءًا كبيرًا، مليار و300 مليون سائح على مستوى العالم، فلا بد أن يلعب الاقتصاد البحري دورًا أساسيًا في الاقتصاد المصري لكي يتخطى الأزمة الاقتصادية الحرجة التي يمر بها.
كم تضع مصر للصناعات البحرية في خطة الموازنة؟
هناك استراتيجية وُضعت لتنمية بعض الصناعات البحرية مثل بناء السفن، فعلى سبيل المثال الترسانات الرئيسية في مصر ناتجها لا يتجاوز 160 مليون دولار، إذا طبقنا الاستراتيجية الموضوعة سيصبح الناتج 8.6 مليار دولار خلال 15 عام، فمثلًا مصر معظم بضائعها 96% تُنقل على مراكب أجنبية، يُدفع فيها تقريبًا 7.6 مليار دولار «بالعملة الصعبة»، فإذا امتلكت أسطولًا بحريًا؛ سيوفر كل تلك المبالغ، بالإضافة إلى توفير فرص عمل.
وبإلقاء النظر على الأسطول العالمي، سنجد أنه لديه عجر في الأطقم البحرية تُقدّر بـ200 ألف وظيفة، ويملأ هذه الوظائف الفليبين والهنود، فكل مركب في العالم يوجد بحّار فليبيني بين كل أربع بحارة، يحولون للفيليبين 10 مليار دولار ما يساوي دخل قناة السويس مرتين تقريبًا، فإذا كنت تمتلك استراتيجية واضحة، ستوفر أكثر من ذلك.
على رغم من أن مصر تمتلك 60 ميناء و2450 كيلو من الشواطئ البحرية، لماذا ليست مصر على الخريطة العالمية في الاقتصاد البحري؟
مصر لا تمتلك رؤية للاستفادة من الاقتصاد البحري، فقطاع مثل صيد السمك يدخل في الاحصائيات المصرية ضمن قطاع الزراعة، وقطاع الزراعة كله ساهم بـ14.5% العام الماضي من الناتج القومي، أمّا صيد السمك فلم يساهم بشيء، فلا بد من منظومة تحدد من خلالها نقط الضعف، والإمكانيات التي يمكن التطوير من خلالها، فمثلًا 75% من السياح يأتون للشواطئ، ليس عندك حصر بهم، 75% من هذه السياحة اقتصاد بحري، المنتجعات البحرية، مثل الساحل الشمالي، المغلق طوال العام ولا نستغله، فلا بد أولًا معرفة امكانيتك، ثم إلى أين تريد أن تصل.
سياسة «الاقتصاد الأزرق» التي تعتمد على المياه والبحار فقط.. متى ستنجح مصر في أن تكون إحدى الدول التي يعتمد اقتصادها على هذه السياسة؟
لا بد أن يكون هناك إيمان وإرادة أنه المنقذ لاقتصادك، وأن يكون هناك توجه للدولة، فحين كانت الدولة تتجه للسياحة، كانت تقوم بعمل تسهيلات للأشخاص من خلال القروض وتبيع المتر بدولار، فلا بد أيضًا أن تسهل لهم امتلاك الأساطيل والسفن وهكذا، إذن هي سياسة للدولة ككل تتبناها فتحدث النهضة في الأنشطة البحرية ككل.
فأكبر ثروة أعطاك الله إياها في الغاز من البحار، فلا بد من استغلالها وتشكيل شركات وطنية، وعمل صناعة لوحدات التنقيب عن البترول والغاز، يبقى دي مرتبطة بصناعة بناء السفن، فبالتالي سيكون تصنيع الأرصفة محليًا، فصناعة بناء السفن ستنهض و«بدل ما بتجبلك 160 مليون هتجبلك 8.6 مليار، وهكذا، إذن هي رؤية شاملة في جميع المجالات».
حاليًا أنت رقم 9 في العالم في المزارع السمكية، فهل تتصور أن دولة مثل تايلاند تصدر بـ8.6 مليار دولار سمك، فأنت إذا توسعت في هذا ستتخطى تايلاند، فمصر تستورد 250 ألف طن ونصدّر 5200 طن، فالاستيراد أكبر من التصدير، فما بالك إذا توسعت في المزارع وأصبحت تصدر أكثر مما تستورد.
هل هناك خطة لأن نصبح من مصدري السمك؟
لا يوجد هناك رؤية لتنمية الاقتصاد البحري عمومًا، هناك مجهودات تُبذل متفرقة، لا يجمعها شيء، فمثلًا وزارة النقل البحري تطوّر الموانئ ولكن ليست في إطار رؤية شاملة.
ألا ترى أن قطاع النقل البحري عبء على وزير النقل؟
لا، أنا أحتاج إلى رؤية وسياسة واستراتيجية، من يشرف عليها لا يهمني، ولكن يجب أن يكون هناك اتفاق على أن هذه سياسات نحققها ونتابعها بصفة دورية.
هل بدأت هذه الرؤية بالفعل؟
الخطوة رقم واحد تنمية محور قناة السويس، ولا بد أن يلعب الاقتصاد البحري فيها جزء أساسي، يجب عليك تطوير الموانئ وإنشاء موانئ جديدة، فمثلًا كل موانئ مصر أدخلت لمصر 1.5 مليار جنيه أي «150 مليون دولار»، كل الأنشطة والتوكيلات البحرية، 102 مليون دولار.
مشكلة الأتوبيسات النهرية، تمثل عبئًا كبيرًا على الدولة، ما هي الخطة لتطويرها والاستفادة منها؟
الأتوبيسات النهرية في النيل يعود تصميمها منذ الستينيات، أي أنه مر عليها 50 عامًا، اليوم تستطيع إنشاء أسطول للنقل النهري للركاب بسرعات أعلى من الموجودة حاليًا، وتساهم في حل الأزمة، إلى جانب انشاء أسطول نقل نهري للبضائع وتخفيف الضغط على الطرق البرية، فالستينيات كنت تمتلك أسطول وتستورد من رومانيا إلى آخره ولكن اليوم لا يوجد ذلك.
افتتاح قناة شرق بورسعيد هل سيساهم في تطوير النقل البحري؟
أتمنى كانطلاقة أن تبدأ من محور قناة السويس، وأن يلعب النقل البحري والاقتصاد البحري دورًا أساسيًا في هذا المحور، أمّا بالنسبة لافتتاح قناة اقتراب لميناء شرق بورسعيد عظيم جدًا، فأنت تمتلك ميناء بموقع متميز إنما لم تكن تستغلها الاستغلال الأمثل، لأن المراكب التي تمر من هذا الميناء تمر عبر طريق المجرى الملاحي لقناة السويس فهي مرتبطة بنظام الملاحة والقوافل في القناة، فالفترة التي ليس بها قوافل تستطيع العبور من الميناء وبالتالي فهذا قيد على الميناء، اليوم أنت أنشأت قناة ملاحية خاصة لها، فالميناء يستطيع العمل 24 ساعة في اليوم.
وفي البحر المتوسط يتم تداول 42.3 مليون حاوية يتنافس عليها 16 ميناء، وأنتَ ترتبيك رقم 4 «أنا عايز أبقى رقم واحد»، نستطيع تقسيم البحر الأبيض جزء شرقي، ميناء شرق بورسعيد بالقناة الجديدة ستصبح رقم واحد، والقسم الغربي في إسبانيا ميناء «الجسيرة» هو رقم واحد، فأنت تدخل في منافسة عالمية تتفوق على ميناء «بيريه» اليوناني، الذي استحوذت عليه شركة كوسكو العالمية الصينية التي ضخت فيه صناعات ومراكز لوجيسيتة، فأنت بهذه القناة بالصناعات اللوجيستية التي تبنيها ستكون في منافسة عالمية.
قناة السويس وقناة بنما، ما الذي يميز القناتين وهل «بنما» تؤثر على قناة السويس؟
بلا شك قناة بنما تخدم أمريكا الشمالية والجنوبية، والتجارة من الساحل الشرقي والغربي التي تأتيها من الصين ودول آسيا، أمّا قناة السويس في الفترة الماضية أخذت حصة كبيرة من قناة بنما من سفن الحاويات، بمعنى أن سفن الحاويات أصبحت كبيرة، ولا يمكنها العبور من قناة بنما، لذلك سفن كثيرة اتجهت لقناة السويس لتصل إلى الساحل الغربي أو الشرقي لأمريكا.
بينما طوّرت قناة بنما من أهوستها، لتستطيع مراكب الحاويات في العبور، ومنتظر الربع الثاني من هذا العام للتشغيل، بعد تأخير عام ونصف عن البرنامج الزمني المقرر لتشغيلها.
أمّا حاليًا فهناك مراكب حاويات لا تستطيع العبور من قناة بنما، لذلك ستظل هذه الميزة لقناة السويس، في حين أن قناة بنما تمتلك مراكز خدمة ولوجيسيتية على طول القناة وهذه هي الميزة عن قناة السويس، وهو ما نسعى لعمله في الفترة المقبلة.
اتفاقية الرورو؟ ماذا عنها؟ وماذا عن أنباء إعادة تفعيلها مع مصر؟
هذه الاتفاقية ميزة لتركيا وليس لمصر، فلولا هذه الاتفاقية، البضاعة التركية ستكون مجبرة على المرور في قناة السويس، فاتفاقية الرورو «كانت تسمح بتنزيل البضائع في بورسعيد أو دمياط، ثم بريًا إلى السويس ثم الشحن إلى الخليج والدول العربية»، فبالتالي المستفيد هي تركيا، و«كل واحد بيدّور على مصلحته»، ولا أعتقد أن مصر تريد إعادة هذه الاتفاقية.
نموذج سنغافورة في النقل البحري كيف يمكن تحقيقه في مصر؟
نستطيع تحقيق أفضل منه، ولكن سنغافورة لم تصعد مرة واحدة، بل من 1960 بدأت نهضتها، وبدأت في إنشاء صناعات وبناء الأسطول والأنشطة البحرية وإنشاء الموانئ، فوصلت إلى أن أصبحت رقم واحد في مناطق إعادة توزيع البضائع، سنغافورة تستورد بأكثر من ناتجها القومي، وتصدر بأكثر من ناتجها القومي، نتيجة موقعها على مضيق ملقة ملتقى التجارة من الشرق إلى الغرب، فاليوم تمتلك أسطول بحري، وهيئة تفتيش وتسجيل عالمية، وتستطيع مصر التفوق على سنغافورة من خلال رؤيتها واستراتيجيتها إذا كانت تمتلكها.
هل إسرائيل تنافس مصر في البحر الأحمر.. وماذا إذا أرادت إنشاء قناة هل سيؤثر على قناة السويس؟
إذا تستطيع إسرائيل بناء قناة لربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض لفعلت، ولكن ما الذي يمنعها؟، طبيعة تضاريس الأرض هناك فرق ارتفاعات 385 مترًا، لا تستطيع بناء قناة لهذه التضاريس، ولا يمكن عمل «أهوسة»، والتكلفة ستكون مرعبة، وإنما كيف فكّرت إسرائيل، تمتلك واجهة محدودة على ميناء العقبة، وتمتلك ميناء إيلات، أنشأت قناة في الأرض طولها 10 كيلو تنتهي بدائرة دوران كبيرة جديدة «ميناء إيلات الجديد»، ثم بعد ذلك ربطت «إيلات» بسكك حديد سريعة بـ«أشدود» على البحر الأبيض، والصين هي التي موّلته، لماذا فعلت ذلك، لأن الواقع لديها واضح وجدت أنها حاليًا أكثر من 25% بضاعتها تأتي من آسيا، ميناء إيلات لا يستطيع استقبالها، ولذلك فكانت تلتزم بعبور قناة السويس وتروح حيفا أو أشدود، تستفيد منها قناة السويس ووجدت أنه في المستقبل 25% ستصبح 50% لذلك فكّرت في استغلال هذه الوجهة المحدود وعمل نقل سكة حديد سريع.
معنى كلامك أن إسرائيل تهدد مصر؟
لا «إسرائيل لا تهدد مصر»، ولكن هي نظرة أخرى، فهي تنظر إذا أُغلقت قناة السويس لأي سبب ما، لا بد من وجود بديل لها للأسطول الأمريكي لإمداده في حالة دخل في حرب بالخليج أو أفغانستان، فـ«كل واحد بيفكّر يدور إيه مصلحته».
كيف تتوسع مصر في الخدمات اللوجيستية؟
حاليًا هناك مشروع تنمية محور قناة السويس، ويجب أن يكون جزء كبير من الأنشطة اللوجيستية في كل الموانئ ومراكز التصنيع، وكلما ارتفعتْ بمستوى الإدارة والمعلومات وشبكة المعلومات في مستوى البنية الأساسية التي تُنشئها، ستضع قدمك على المستوى العالمي، فلا أستطيع بناء بنية على المستوى المحلي وأقول أنا بنافس العالمية.
ما هي المشاريع التي تحتاجها مصر لتطوير النقل البحري؟
مصر تحتاج مشاريع كثيرة جدًا، أولًا تطوّر ترسانتها، ثم تبني أسطول نقل بحري، وأسطول صيد سمك في أعالي البحار وليس ساحليًا فقط، تطوّر صناعات بناء السفن والإصلاح فيها، الخدمات التي تقدم للسفن نفسها، تموين السفن، أطقم السفن، إمدادها بقطع الغيار والإصلاحات.
تأثير اتجاه مصر على النقل البحري على التوازنات الجيوسياسية بالمنطقة؟
العالم كله يتنافس، ويتحكم فيه الشركات المتعددة الجنسية، البضاعة المنقولة في البحر كلها تعدت 10 آلاف مليون طن 2014، فأنت تحتاج اليوم أن تصبح جزء من سلسلسة الإمدادات الكونية هذه، فهناك 11 شرط تحتاجها لذلك، أحدهما الموقع فموقع مصر ممتاز، ولكن لا يكفي، فمثلًا دبي موقعها ليس متميز، وإنما بقية الـ11 متوفرين، عندها بنية أساسيةحديثة جدًا، قوى عاملة ومدرّبة، استقرار سياسي، استقرار تشريعي، نظم ومعلومات، إذن لو أنت تمتلك نظام قضاء سريع وعاجل، مناخ استثمار جيد، إذا كنت لا تمتلك كل ذلك، «المستثمر معندوش وقت يضيّعه فأنت لازم تتغير وتتماشى مع كل المناخ العالمي للاستثمار عشان تبقى جاذب».
هل مصر تمتلك العنصر البشري الكفء؟
ثروتك العنصر البشري، ولكن طوّر تعليمها وتدريبها طبقًا للمستويات العالمية، فـ«لو أنا عندي مركز أو مدرسة تنمية تُخرّج لحّام، لو اللحام ده مبياخدش تعليم على المستوى العالمي وشهادة العالم يعترف بها ليستطيع العمل في أمريكا والصين وأي دولة، إنما إنت مبتعملش كده»، فإذا لم تتطور منظومة التعليم طبقًا للمستوى العالمي، فأنا لا أخترع شيء المناهج والأساليب موجودة ونحن يجب علينا التطبيق فقط.
فهناك بلدان اهتمت بالتعليم البحري وكانت أكثر منا ظروف صعبة، مثل الفلبين، فهي الآن منتشرة في كل أنحاء العالم، والأساطيل البحرية.
مصر ومنظمة البحرية العالمية؟
مصر من الدول المؤسسة للمنظمة، وأعتقد أنك إذا تبنيت سياسات واستراتيجيات من الممكن أن تصل إلى رئيس المنظمة، ولكن هذا يتوقف عليك متى ستبدأ ومدى المعدل للتطور الذي ستُحدثه.
«وأتمنى أشوف مصر في مقدمة الدول التي يعتمد اقتصادها البحري على سياسة الـ«بلو إيكونومي»، وقتها ستجد أن أغلب مشاكلنا بدأت في الحل، وحالة الرضا من الشعب المصري ارتفع وهكذا؟».