عاجل
الأحد 7 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي

تاريخ بريطانيا الأسود خارج المناهج

تاريخ بريطانيا الأسود خارج المناهج
تاريخ بريطانيا الأسود خارج المناهج

كتب - مصطفى سيف

تاريخ استعماري طويل؛ معروف للجميع مخفي عن الأحفاد - أغلب الظن- وإن أنكروا ذلك، فالتاريخ لا يُزيّف مهما طال الزمان، والاحتلال إلى زوال مهما استعرض من قوة بالبطش، هكذا كان تاريخ بريطانيا الاستعماري، او الامبراطورية التي كان يظن الجميع ان شمسها لن تغرب ابدا.



فالغموض البريطاني عن الماضي الإمبراطوري في البلاد يعكس التاريخ الذي يُدرس في المدارس والجامعات، وتؤكد ذلك المناهج القياسية على التاريخ السياسي البريطاني وتطوير الديمقراطية البرلمانية، أما بالنسبة لما فعلته الامبراطورية علات البريطانية مع بقية دول العالم، لا يعلم الطلاب عنها شيئًا سوى الحروب ضد نابليون بونابرت وأدولف هتلر التي انتصرت فيهما بريطانيا، فحتى القليل عن الإمبراطورية الاستعمارية مَخْفِيٌّ عن عمدٍ في المناهج.

مذابح في الهند

 

 

وربما يعاني المسئولون  البريطانيون من "زهايمر" فيما يتعلق بالتاريخ، ويتناسون أو ينسون الفظائع التي ارتكبتها إمبراطوريتهم في البلدان العربية التي استعمروها واحتلوها، حسبما قال الدكتور شاشي ثارور، وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة.

وأضاف، حسبما نقلت عنه صحيفة "اندبندنت" البريطانية: "نظام التعليم البريطاني لا يروي قصة الإمبراطورية الحقيقية"، مضيفًا: "ليس هناك وعي حقيقي بالفظائع، فالإمبراطورية البريطانية حكمت خمس سكان العالم وربع إجمالي مساحة الأرض ".

مؤيدي الإمبراطورية البريطانية يقولون إنّها جلبت الازدهار والاقتصاد للدول التي سيطرت عليها إلا هناك انتقادات تشير إلى أنَّ المذابح والمجاعات واستخدام معسكرات الاعتقال البريطانية لم تُذكر أبدًا في الكُتُب التي تُدرّس للتلاميذ في المستوى الأول.

 

فمثلًا من أفظع خمس جرائم ارتكبتها الإمبراطورية البريطانية كانت في الهند، حين تحدى المتظاهرون النظام الحكومي الموالي للاستعمار  في أمريتسار بالهند، في 13 أبريل 1919، جُمعوا داخل إحدى الحدائق، وأطلق عليهم الجنود البريطانيون النار، مما أسفر عن مقتل حوالي 100 شخص، وإصابة 1100 آخرين خلال 10 دقائق فقط.

 

 

 

نأسف لهذا التاريح 

 

 

 البعض يرى أنَّ المؤيدين لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنَّها من خلال ذلك تستطيع أن تستعيد مجدها السابق من خلال رسم مسار مستقل للعمل، وهو ما يظهر أنَّ تمجيد الإمبراطورية البريطانية السابقة يفتقد لكثير من "المنطق".

العجرفة البريطانية تظهر جلية وواضحة من خلال قول رئيس الوزراء البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، "من الخطأ العودة للتاريخ والاعتذار عن إساءة الاستعمار البريطاني، خاصة وأنَّ التمجيد في الإمبراطورية الاستعمارية انتشر في الرأي العام البريطاني، من خلال استطلاع رأي أجراه موقع "يوجوف" البريطاني أجرى استطلاعًا للرأي 44% من البريطانيين فخورين بتاريخهم الاستعماري، مقابل 21% فقط يأسفون لهذا التاريخ.

لذلك يبدو أن الاستعمار البريطاني في معظم أنحاء العالم النامي الذي كان تحت تأثير بريطانيا، يمكن نسيانه بسهولة، و "سياسات التقسيم والحكم" واستغلالها الراسخ قد أفسد الدمار في أنحاء كثيرة أخرى من العالم، وهذه الآراء مفهومة لأن نظام التعليم البريطاني أيضًا لا يركز كثيرًا على التاريخ الاستعماري.

 

عنصرية في كل مكان

 

 

 

لا يُخفى على احد أنَّ تقدُّم بريطانيا كان من خلال استعمار لكثير من البلدان، واستنزاف طاقتها والزعم بأنَّها تُعمِّر هذه البلدان، إلا أنَّ ما حدث كان العكس تمامًا، فهي قادت التخريب والتدمير في هذه البلدان، بحسب "ثارور".

بريطانيا زرعت البذور لأكثر أنظمة عنصرية واستبدادية في العالم؛ وتدُّخل البريطانيين في كثير من دول العالم جعلها أكثر دمارًا، والسبب معروف هو استنزاف موارد البلاد الاقتصادية  خاصة الموارد الطبيعية الخام منها ثم نقلها إلى بريطانيا، والتي على أنقاضها قامت الثورة الصناعية.

ويعتبر نظام الأبارتيد (نظام الفصل العنصري) الذي بدأ في جنوب أفريقيا كان بسبب الإرث الاستعماري الذي تركته بريطانيا في الدولة التي تقع في القارة السمراء، خاصة أنَّ بداية استعمالها كان للفصل بين الأقلية الحاكمة المهيمنة في جنوب أفريقيا وبين السود الأصليين سُكّان البلد.

في 1885، أخرجت بريطانيا إلى العالم أول رشاش آلي محمول، والذي كان يطلق آلاف الطلقات خلال نصف ساعة فقط، حيث إنّه يمكن من إطلاق 500 طلقة في الدقيقة الواحدة، وفي العام التالي، اشترت ألمانيا والنمسا، وإيطاليا، وروسيا نفس البندقية، مما تسبب في سباق التسلح في القارة الأوروبية، ومنذ إدخاله، تسبب المدفع الرشاش في عدد لا يحصى من الوفيات في جميع أنحاء العالم، وأودى بحياة الكثير في غضون فترة زمنية قصيرة جدًا.

 

منذ ثمانينات القرن التاسع عشر بدأ الاهتمام الاستعماري البريطاني بالاتجاه نحو أفريقيا، وبدأ تدعيم الجماعات العرقية، وبمجرد تأمين السيطرة على مصر وأفريقيا، وكانت بريطانيا تحتل الدول الغنية أكثر بالمعادن لذلك اتجهت إلى أفريقيا.

علاوة على كل هذا أضِف الصراع المستمر إلى الآن المبني على وعد من لا يملك لمن لا يستحق وعد بلفور، الذي دخلت بسببه المنطقة العربية في صراعات لا حد لها، والذي تسبب في إقامة الكيان الصهيوني على أرض عربية.

لكن مع كل هذا يبدو أنَّ الاستفتاءات الأخيرة في بريطانيا، والحديث هنا عن استفتاء استكلندا، يبدو أنَّ الأمر يتعلق بما يمكن أن نطلق عليه "الإفاقة من الغيبوبة" الاستعمارية، والبحث عن الهوية خارج حدود المملكة البريطانية، ورغبة في التخلص من الماضي.

إلا أنَّ الممثلون الرسميون لبريطانيا يبدو أنَّهم في غيبة من أمرهم فليس هناك أي إشارات للإمبراطورية، فالسياسة التي تنتهجها بريطانيا  من خلال التعليم سياسة غير رسمية من نسيان مريح، أو الاستغناء بشكل متعمد، عن المخلفات المخزية للاستعمار.

 

خيانة b b c

 

 

على رأس وسائل الإعلام البريطانية التي تتجاهل الحديث عن فظائع الإمبراطورية البريطانية "بي بي سي" ويكشف ذلك امتلاك الحكومة البريطانية لها، إلا أنَّ هذه الهيئة التي وصلت إلى العالمية تخون القارئ والمتابع لها.

حيث إنَّه جاء في البنود العامة المنصوص عليها في الميثاق الملكي البريطاني لتأسيس هذه الإذاعة: "تعزيز التعليم والتعلم" إلا أنَّها لا تفعل ذلك خاصة وأنَّها لا تتحدث عن جرائم بريطانيا في حق الدول الأخرى.

وظهر ذلك جليًّا أيضًا من خلال دعوة أستاذ جامعة أكسفورد نايجل بيجار البريطانيين لإعادة تقييم الإمبراطورية وتدريسها في المدارس البريطانية، الأمر الذي أثار قلق النخبة السياسية في بريطانيا، وسجّلت بعض الانتقادات العنيفة ضد البروفسير، وتجاهلت وسائل الإعلام القضايا التي طرها "بيجار".

ويقول البروفسير جيمس مكدوجال أستاذ التاريخ الحديث في جامعة أكسفورد إنَّ بريطانيا، مثل فرنسا والولايات المتحدة وهولندا واليابان وروسيا وألمانيا وإيطاليا، تحتاج إلى نقاش عام حول حقائق وموروث الماضي الإمبراطوري.

وأضاف خلال مقال له على صحيفة "الجارديان": "نحن بحاجة إلى فهم عام أكثر عمقًا لما كانت عليه الإمبراطورية البريطانية، وكيف أثرت آثارها على مجتمع بريطانيا متعدد الأعراق ومتعدد الطوائف، وأوجه عدم المساواة والظلم، فضلا عن القواسم المشتركة والفرص".

في وقتٍ سابق قالت رئيس وزراء بريطانيا الحالية، تيريزا ماي إنها ستنظر في تغيير التاريخ الذي يُدرّس في بريطانيا، ولكن يبدو أنَّ الأزمات الغارقة فيها "ماي" سيجعلها تتجاهل تاريخ الإمبراطورية السيء وعدم تقديم اعتذار عن كل الكوارث التي صنعتها الإمبراطورية البريطانية في الدول التي استعمرتها.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز