عاجل
الأحد 14 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
هند.. حين يتحول الحب إلى فخ!

هند.. حين يتحول الحب إلى فخ!

كانت آخر صفحة في كشكول المدرسة قديمًا أو كما نطلق عليها "الجلدة"، تحتوي على العديد من الحكم والأمثال المهمة التي شكلت وجدان وثقافة العديد من جيل الثمانينيات أمثالي، وكان من أبرز الحكم مقولة "ليس كل ما يلمع ذهبًا"، والحكمة هنا تشير إلى أنه ليس شرطا أن كل شيء يصدر منه بريق يكون ذهبًا حقيقيًا، فهذه "اللمعة" ما هي إلا سراب، مجرد قشرة خارجية ستزول مع الاستخدام المتكرر ليظهر المعدن الحقيقي للشيء اللامع، وهكذا الحال في العلاقات فليس كل شخص مثاليًا تمامًا كما يبدو، فقد يكون ممثلا بارعا، مخادعا واثقا، وكاذبا مغوارا، لدرجة لن يصدقها عقل أو يقبل بها أي منطق، وهنا يتجسد معنى الحكاية الرابعة من مسلسل "ما تراه ليس كما يبدو"، والتي جاءت باسم "هند".



 

"ما تراه ليس كما يبدو".. مسلسل من إنتاج كريم أبو ذكرى، ومكوّن من 35 حلقة بواقع 7 حكايات كل حكاية من 5 حلقات تعرض على مدار الأسبوع، وتقدم بفرق عمل مختلفة، بما يشمل أبطالها، مؤلفيها، ومخرجيها، ويقدم من خلالها نوعية دراما متعددة ومتنوعة تجمع بين الاجتماعي، التشويق، والإنساني ومن بين قصصها هند المستوحاة من أحداث حقيقية لمؤلفتها هند عبدالله.

 

"هند" فتاة هشة من الداخل، عانت في طفولتها من ظروف صعبة، وفاة الأم وتخلي الأب، والعيش تارة مع أهل الأم وتارة مع أهل الأب الذي كان طامعًا في ميراثها من أمها، وكانت تبذل مجهودًا خرافيًا في إرضاء الطرفين حتى يتقبلوها، فترسخت بداخلها صورة مشوهة عن الحب؛ مفادها أنه عطاء مفرط وتضحية مستمرة في سبيل القبول، لا حب يُبنى على تقبلها كما هي، فأسهمت تلك التجارب المؤلمة في تشكيل شخصية ضعيفة، مترددة ومشتتة، تبدو متهورة وساذجة أحيانًا، ورغم كونها مثقفة ومتعلمة، خريجة كلية هندسة وتعمل بإحدى أكبر الشركات ومتفوقة في مجالها، فإنها كانت تُخدع بسهولة أمام كلمات الحب، كطفلة تنجذب ببساطة إلى من يصطحبها فقط لشراء قطعة حلوى. 

 

وقعت هند، التي تعاني من نمط التعلق القهري، في براثن شخص نرجسي يحمل صفات النرجسية كاملة كما ذُكرت بكتب علم النفس؛ بارع في اصطياد ضحاياه فدائمًا يختار الضعفاء، يجردهم من مصادر قوتهم ويخضعهم لسلطته، أوامره مفروضة عليهم دون أدنى نقاش، أناني، يرى نفسه محور الكون، مُسيطر، يكره الاعتراض والنقد، ويحتاج باستمرار للإعجاب والمدح، منعدم التعاطف، يتجاهل مشاعر الآخرين، ومتلاعب يتقن اللف والدوران لتحقيق غايته، مستغلًا الآخرين لمصلحته دون شعور بتأنيب ضمير، ورغم مظهره القوي، فهو هش داخليًا، وأي نقد حتى وإن كان بسيطًا يستفزه بشدة، فتحول حب هند له إلى فخ متقن الصنع. 

 

"هند"، التي برعت الفنانة ليلى أحمد زاهر في تجسيد مشاعرها بدقة بالغة، ووصف كل لحظات ضعفها وانكسارها وتشتتها حتى استعادة نفسها من جديد، ليست حالة فريدة أو وحيدة، هناك الآلاف من "هند" يعشن بيننا، يتجرعن الألم ذاته بصمت، سواء مع أب قاسٍ أو زوج لم يرب على الاحترام والحب المتوازن، لذا، من الضروري أن نمنح بناتنا حبًا كافيًا غير مشروط منذ صغرهن، ليعرفن قيمته، ويكبرن واثقات بأنفسهن، فلا يضطررن للبحث عنه في الخارج، ويقعن ضحايا الألم والمعاناة جراء علاقات سامة ومدمرة، ونحرص على أن يكون هذا الحب القائم على القبول والدعم في جميع الحالات وسيلة للنمو والاحترام وتقدير الذات، لا فخًا جديدًا ولا رموزًا سوداء في أذهانهن تجعله ضمن سلسلة تجاربهن المؤلمة.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز