القمع السياسي يجبر الأتراك على مغادرة دولة "أردوغان"
كتب - مصطفى سيف
لا تزال تركيا تقمع المعارضين والمؤيدين وكل من يشتبه به على علاقة أو صلة من قريبٍ أو من بعيد بالانقلاب "المزعوم" الذي وقع في عام 2016، وكل يوم نطالع في الصحف التركية خبر اعتقال أو تسريح عدد من الأشخاص بتهمة "صلتهم بمدبري الانقلاب الفاشل".
أمس؛ أعلنت السلطات اليونانية أن 17 تركيًّا قدموا لإحدى جزرها بواسطة زورق في مسعى للحصول على حق اللجوء السياسي، وكان من بينهم 6 أطفال وفدوا إلى جزيرة (اينوسيس) وتم نقلهم إلى جزيرة (خيوس) حيث يوجد مركز للاجئين هناك.
منذ الانقلاب الفاشل؛ ووصل عدد المعتقلين إلى أكثر من 50 ألف شخصٍ؛ كما سُرِّح ما لا يقل عن مائة ألف آخرين من وظائفهم الحكومية، ما يعكس القلق التركي لدى "أردوغان" من تكرار محاولة الانقلاب مرة أخرى، وهي التي ستكون بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير".
وفي نهاية الشهر الماضي؛ كشف موقع "نيو وورلد ويلث" في تقريره عن هجرة الأثرياء ورجال الأعمال المليونيرات الأتراك؛ أن تركيا الأولى على مستوى العالم من حيث عدد هجرة المليونيرات مقارنة بأعدادهم والتعداد السكاني، مشيرًا إلى أن العام المنصرم شهد هجرة 6 آلاف مليونير تركي من تركيا، و12 ألف مليونير خلال العامين الماضيين.
الأتراك يشعرون بالقلق إزاء المستقبل السياسي والاقتصادي لتركيا، بشكل يدفعهم إلى اتخاذ إجراء لتأمين أنفسهم من تداعيات التطورات المستقبلية؛ ومن بين هذه الإجراءات إجراء يقوم به عدد آخذٌ في التزايد، من الأثرياء الأتراك بالسعي للحصول على تصاريح بالإقامة في إحدى دول الاتحاد الأوروبي لأنفسهم ولأفراد أسرهم، خاصة في اليونان.
وهذا الإجراء أصبح متاحًا من خلال برنامج للاستثمار في اليونان يطلق عليه اسم "تأشيرة الدخول الذهبية"، والذي أصبح بدوره نموذجًا للنشاط التجاري يمارسه بانوس روزاكيس، المدير العام لشركة تسمى "الإقامة في اليونان" تقوم بتسهيل إصدار هذه التأشيرات بهدف اجتذاب المستثمرين لإقامة مشروعات في أثينا.
وعلق روزاكيس على اندفاع المواطنين الأتراك للحصول على المعلومات الخاصة بهذا البرنامج قائلًا "قمنا بعقد لقاء تلو الآخر معهم، لدرجة أننا لم نجد وقتا لتناول شيء من الطعام"؛ إلا أنَّ اهتمام الأتراك بها كان طفيفًا قبل المحاولة الانقلابية "المزعومة"، وفي عام 2017 احتل الأتراك المرتبة الثالثة في قائمة المستثمرين في هذا البرنامج بدلًا من المصريين، بحسب روزاكيس.
وكشف عن أنَّه خلال نوفمبر الماضي 2017 حصل ما إجماليه 170 تركيًّا وأسرهم على تصاريح إقامة في اليونان في عام 2017، غير أنهم لم يحصلوا جميعا على التصاريح من خلال شركة "روزاكيس"؛ وفي عام 2016 كان هذا الرقم 30 تركيًّا فقط، وعلى الرغم من أن السلطات اليونانية لا تنشر إحصائيات عن برنامج "التأشيرة الذهبية"، فإن الأرقام التي يعلنها روزاكيس تتوافق مع تلك المنشورة في وسائل الإعلام اليونانية.
أنقرة بحسب تقرير للصحيفة المعارضة "زمان" لا تشعر بالأسف تجاه مغادرة منتقدي الحكومة للبلاد، إلا أنَّ ما يقلقها بالفعل هو خسارة العملة الصعبة التي تشكل شوكة في جنبها؛ وفي تهديد شديد اللهجة لرجال الأعمال؛ دعا أردوغان الحكومة مؤخرا إلى اتخاذ خطوات لمواجهة رجال الأعمال الذين يحولون أرباحهم إلى خارج البلاد، معتبرًا أنهم يرتكبون ما أسماه "الخيانة".
لا ينعكس ذلك على الأتراك فقط؛ بل على الأجانب أيضا؛ وهي علاقة طردية فكلما هاجر الأتراك بلادهم، واتجهوا للدول الأوروبية، ينعكس ذلك على الأجانب في اهتمامهم بتركيا، ويرى الأتراك أنفسهم أن أنقرة تدخل منعطف من العزلة السياسية والدولية بتدخلاتها في الدول العربية مثل آخر عملية يشنها الجيش التركي ضد "غصن الزيتون".
وكان الأتراك يعلقون الأمل على انضمام أنقرة إلى الاتحاد الأوروبي؛ إلا أنَّ جنون العظمة لدى أردوغان أوقعه في أزمات سياسية مع هولندا وألمانيا وسويسرا وبلجيكا والنمسا، وهم من الدول المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وغيرها من الدول الأوروبية.



