الثلاثاء 30 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

في زمن تتفكك فيه مجتمعات من حولنا تحت وطأة الحروب والانقسامات، يفرض المجتمع المصري نفسه كحالة خاصة؛ مجتمع يمرّ باختبارات قاسية، لكنه يخرج منها متماسكًا، محافظًا على بنيته الأساسية، وقادرًا على الاستمرار.

التماسك هنا ليس شعارًا، بل سلوكًا يوميًا، يظهر في قدرة الناس على التحمل، وفي إدراكهم أن بقاء الدولة هو الضمانة الأولى لبقاء المجتمع.

لم يأتِ تماسك المجتمع المصري من فراغ، بل تشكّل عبر تراكم خبرات طويلة مع الأزمات.

المصري اليوم يدرك أن الفوضى لا تصنع عدالة، وأن انهيار الدولة لا يفتح بابًا للحرية، بل للفوضى والتشظي. هذه القناعة العميقة صنعت وعيًا جمعيًا رشيدًا، يوازن بين المطالب المشروعة، والحفاظ على الاستقرار العام.

هذا الوعي لم يُلغِ النقد، لكنه روّضه، وجعله أقرب إلى السؤال لا إلى الصدام.

وسط كل المتغيرات، ظلت الأسرة المصرية هي الوحدة الأكثر ثباتًا.. في لحظات الشدة، أعادت الأسرة ترتيب أولوياتها، وتحملت أعباء إضافية، ونجحت في حماية أبنائها من الانكسار الاجتماعي، حتى لو كان الثمن ضغطًا اقتصاديًا ومعنويًا.

التكافل العائلي، والدعم المتبادل، والحرص على التعليم، كلها مظاهر صامتة لتماسك لا يُرى في العناوين، لكنه حاضر بقوة في الواقع.

رغم الضغوط، ما زالت الطبقة الوسطى المصرية تمارس دورها التاريخي كحارس للاستقرار الاجتماعي.

هذه الطبقة لم تنزلق إلى التطرف، ولم تفقد ثقتها في الدولة، بل اختارت التكيّف، وترشيد الاستهلاك، والبحث عن حلول واقعية، حفاظًا على تماسكها وعلى المجتمع ككل.

قد تكون هذه الطبقة مُرهَقة، لكنها ما زالت عاقلة، متماسكة، ومسؤولة.

وبعيدًا عن الصور النمطية، يظهر الشباب المصري كجيل عملي، منفتح، وقادر على إعادة تعريف النجاح.

انخراطه في ريادة الأعمال، والمشروعات الصغيرة، والعمل الحر، يعكس روحًا إيجابية تسعى للبناء بدل الصدام.

الشباب حاضر وبقوة اجتماعيًا واقتصاديًا، ومشارك في معركة البقاء والتطوير، بطريقته الخاصة.

وكلما تعرّضت الدولة لتحدٍ خارجي أو أزمة إقليمية، برزت القيم الوطنية كعامل جامع.

الاختلافات تتراجع، والاصطفاف خلف الدولة يصبح أوضح، ليس بدافع الخوف، بل بدافع الإدراك بأن الأمن القومي ليس قضية بعيدة، بل مسألة حياة يومية.

هذا التلاحم بين المجتمع والدولة شكّل مظلة حماية، جنّبت مصر سيناريوهات التفكك التي شهدتها دول أخرى.

تماسك المجتمع المصري يحتاج إلى خطاب إعلامي يعكس الواقع كما هو.. صعب، لكنه قابل للتحسن؛ ضاغط، لكنه غير منهار.

الإعلام الإيجابي هنا لا يعني الإنكار، بل تقديم الأمل المستند إلى الواقع، وإبراز قصص الصمود والنجاح، لا الاكتفاء بصوت الشكوى أو المبالغة.

المجتمع المصري يعرف متى يصبر… ومتى يبني.. المجتمع المصري اليوم ليس مجتمع ردّ الفعل، بل مجتمع الفعل الهادئ.. تماسكه لا يقوم على الصمت، بل على الإدراك.

الخلاصة.. يجب أن نعي أن صبر المجتمع لا يقوم على العجز، بل على الثقة بأن البناء – مهما طال – هو الطريق الوحيد.

وفي زمن الاضطراب، تظل قوة مصر الحقيقية ليست فقط في مؤسساتها، بل في مجتمع يعرف كيف يختلف دون أن ينكسر، ويصبر دون أن يتفكك، ويواجه دون أن يفقد إيمانه بالمستقبل.

تم نسخ الرابط