"ميت حدر" وسر الأضرحة.. حكايات من داخل ثاني أقدم منطقة بالمنصورة "صور"
الدقهلية - مي الكناني
بمجرد عبورك الزقاق الصغير، المتفرع من شارع السكة الجديدة بمدينة المنصورة، تجد عالمًا آخر يتميز بملامحه القديمة، وتشم رائحة مكان مازال محتفظا بتواريخ وذكريات تخرج من جنبات دكاكين ومنازل وأزقة "ميت حدر"، التي ترجع لمئات السنين.
النشأة
تعد "ميت حدر"، ثاني أقدم منطقة بمدينة المنصورة، ومازالت تحتفظ بطابعها القديم في بعض المهن، والعادات والتقاليد والتراث المعماري الذي يميزها.
يرجع تاريخ إنشاء المنطقة إلى عام 1228 هجرية، ووردت في كتاب "تاج العروس" أنها "منية الحضر"، وكانت قرية تجاور عزبة تسمى "جزيرة الورد،"، وذلك حسب الباحث الآثاري سامح الزهار.
في البداية كانت مساحة مدينة المنصورة 3 أفدنة أرض فضاء أمام كوبري طلخا، وأطلق عليها عزبة "جزيرة الورد"، وفي عهد محمد علي حدثت طفرة في إنشائها، وظهرت السكة القديمة وكانت الرابط بين "منية حضر" في الشرق و"عزب البشطمير" من الغرب، وكان للخديو إسماعيل الفضل في تحول العزب المجمعة إلى مدينة تسمى "المنصورة"، تظهر في شكل مدني كامل لا علاقة له بنشاطها الزراعي.
ويقول الزهار، إن ميت حدر أو "منية حضر"، كما كانت تسمى، من المناطق القليلة التي يجتمع فيها التراث المادي المتمثل في الشوارع المنازل والدكاكين القديمة، والمعنوي المرتبط بالحضارة والذكرايات والتاريخ، ومازالت تحتفظ بطابعها القديم في بعض المهن مثل العصائر، حيث تضم أقدم محل لبيع الخروب في المنصورة، وأحد أكبر الأسواق الشعبية التي تجد بها كل ما تحتاجه.
.jpg)
ويوضح أنها كانت تتبع منطقة "السمنودية" مع عزبتي "منية خميس ومنية بدر خميس"، نسبة لقربهم من مدينة سمنود في ذلك الوقت، حسبما ذكر الجغرافي محمد رمزي في كتابه "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية".
وفي قاموس "تاج العروس"، برزت محررة بإسم "منية خدر"، ثم تحرف الإسم إلى منية حضر ثم إلى ميت حدر في العصر العثماني وتحديدا عام 1228 وحتى الآن.
سبب التسمية
لم يذكر أن مرجع السبب الحقيقي لتسميتها بـ "ميت حدر"، لكن الدكتور إيهاب الشربيني مؤلف "حكايات شوارع المنصورة"، يروي في كتابه إحدى قصص التسمية، ويقول إنه قبل إنشاء مدينة المنصورة بسنوات، فوجئ أهالي المنطقة بوصول رجل مجذوب يدعى "الشيخ سعد أبو السعود"، ومعه 100 من مريدينه ليستقروا معًا في ميت حدر، وبعد أيام حدثت سرقة كبيرة فاتهمه الأهالي ومن معه بارتكابها، وذهبوا للحاكم وقالوا إنه قد وصل للمنطقة رجل و"ميه حضروا معه"، فاستدعى الشيخ الذي أظهر كراماته، وقال إنه سيساعده في إعادة المسروقات، وبالفعل عادت فقال له الحاكم "مرحبًا بك والميه اللي حضروا معاك"، ومن هنا سميت بميت حدر.
.jpg)
ويوضح الشربيني، أن القصة لا أحد يعلم مدى حقيقتها، لكنها موثقة في كتاب "تكملة جامع كرامات الأولياء" لمحي الدين الطعيمي حفيد "الشيخ سعد".
بركاتك يا ست "أم الشعور"
تضم ميت حدر مبانٍ عتيقة مازالت تتميز بها حتى الآن، ويرجع تاريخها لمئات السنين، منها قبة مسجد الأربعين، لكن جميعها غير مسجلة ولا يعلم عنها مسؤولي الآثار شيئًا.
فداخل أحد الأزقة يقع ضريحي الست "أم الشعور" والشيخ "العراقي"، الشخصيتان اللتان نالا حب وولاء الكثيرين على مدى سنوات طويلة، وتعلقت بهما أمنيات وبركات مريدينهما.
أهالي "ميت حدر" لا يعرفون أي معلومات عن الشخصيتين، سوى أن هذا الشارع الذي يطلق عليه "سيدي العراقي" كان قبلة الدراويش الذين يأتون من كل حدب وصوب لممارسة طقوسهم في "الحضرة" ومجالس الذكر.
سبب بناء الضريحين لم يذكره أي مرجع يتناول تاريخ "ميت حدر"، سوى كتاب "حكايات شوارع المنصورة"، والذي أوضح أن "أم الشعور" هي سيدة ظل شعرها ينمو بعد وفاتها ويخرج من تحت الأرض، ما دفع الأهالي لبناء مقام لها.
.jpg)
فن شعبي وليس آثارًا
أحمد تعلب، مدير شؤون مناطق آثار الدقهلية، يقول إن الضريحين يعتبران من الفن الشعبي التقليدي، وغير مسجلين في تعداد الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يرتقيا للتسجيل لعدم وجود وحدات معمارية أو عناصر فنية أو زخرفة هندسية أو نباتية أو نقوش تميزهما.
ويضيف أنه بالنظر لحالتهما المعمارية وجدرانهما المبنية من الطوب الأحمر وطبقات الأسمنت، يرجح أن تاريخهما يرجع للثلاثينيات أو الأربعينيات، خاصة أن قبة مقام "العراقي" مبنية بطريقة الضلوع المفصصة.
ويوضح تعلب أنه لا توجد رواية توضح سبب شهرة "أم الشعور والشيخ العراقي"، أو تاريخ توقف الاحتفال بهما، لكنه يعتقد أن يكون ذلك في أعقاب ثورة 25 يناير، حيث توقفت 60% من احتفالات الأضرحة.
سنوات طويلة مرت على إغلاق الضريحين، حتى تحولت غرفة "أم الشعور" لمقلب قمامة ومأوى للحيوانات والحشرات، فيما استغلت إحدى الأسر ضريح "العراقي" للسكن فيه، بعد انهيار منزلها بالاتفاق مع أهالي الشارع.
حارة "السلالم" والخواجة "كرياكو"
ومن معالم "ميت حدر" أيضًا حارة "الحاروني"، وتعد من أهم المناطق التي ترك الاحتلال الإنجليزي بصماته بها، وتتميز بأرضيتها الحجرية.
جمال وعاطف عصفور وصبري شعبان، من أهالي ميت حدر، يقولون إنها تعرف بحارة "السلالم"، نظرًا لوجود 6 درجات سلالم حجرية كبيرة، بناها الإنجليز بعد هدمهم أحد المنازل التي كانت "تسد" الحارة، لفتح ممر يجعلها تطل على فرع النيل كما كان قديمًا.
كما تضم الحارة أقدم منزل، وكان يسكنه الخواجة اليوناني "كرياكو"، أشهر بائع خمور حينذاك، ويتكون من 3 طوابق، ويتميز بطرازه المعماري والشبابيك الخشبية والشرفات القديمة، ومازال يسكنه بعض المواطنين حتى الآن رغم تدهور حالته الإنشائية.
.jpg)
ومع الوقت تغيرت طبيعة المنطقة، التي تحمل في جعبتها حكايات وقصص كثيرة، وزاحمتها المباني الحديثة، لكنها مازالت مرتبطة بالذاكرة المصرية في قلب عاصمة "الطب والجمال".
بمجرد عبورك الزقاق الصغير، المتفرع من شارع السكة الجديدة بمدينة المنصورة، تجد عالمًا آخر يتميز بملامحه القديمة، وتشم رائحة مكان مازال محتفظا بتواريخ وذكريات تخرج من جنبات دكاكين ومنازل وأزقة "ميت حدر"، التي ترجع لمئات السنين.
النشأة
تعد "ميت حدر"، ثاني أقدم منطقة بمدينة المنصورة، ومازالت تحتفظ بطابعها القديم في بعض المهن، والعادات والتقاليد والتراث المعماري الذي يميزها.
يرجع تاريخ إنشاء المنطقة إلى عام 1228 هجرية، ووردت في كتاب "تاج العروس" أنها "منية الحضر"، وكانت قرية تجاور عزبة تسمى "جزيرة الورد،"، وذلك حسب الباحث الآثاري سامح الزهار.
في البداية كانت مساحة مدينة المنصورة 3 أفدنة أرض فضاء أمام كوبري طلخا، وأطلق عليها عزبة "جزيرة الورد"، وفي عهد محمد علي حدثت طفرة في إنشائها، وظهرت السكة القديمة وكانت الرابط بين "منية حضر" في الشرق و"عزب البشطمير" من الغرب، وكان للخديو إسماعيل الفضل في تحول العزب المجمعة إلى مدينة تسمى "المنصورة"، تظهر في شكل مدني كامل لا علاقة له بنشاطها الزراعي.
ويقول الزهار، إن ميت حدر أو "منية حضر"، كما كانت تسمى، من المناطق القليلة التي يجتمع فيها التراث المادي المتمثل في الشوارع المنازل والدكاكين القديمة، والمعنوي المرتبط بالحضارة والذكرايات والتاريخ، ومازالت تحتفظ بطابعها القديم في بعض المهن مثل العصائر، حيث تضم أقدم محل لبيع الخروب في المنصورة، وأحد أكبر الأسواق الشعبية التي تجد بها كل ما تحتاجه.
.jpg)
ويوضح أنها كانت تتبع منطقة "السمنودية" مع عزبتي "منية خميس ومنية بدر خميس"، نسبة لقربهم من مدينة سمنود في ذلك الوقت، حسبما ذكر الجغرافي محمد رمزي في كتابه "القاموس الجغرافي للبلاد المصرية".
وفي قاموس "تاج العروس"، برزت محررة بإسم "منية خدر"، ثم تحرف الإسم إلى منية حضر ثم إلى ميت حدر في العصر العثماني وتحديدا عام 1228 وحتى الآن.
سبب التسمية
لم يذكر أن مرجع السبب الحقيقي لتسميتها بـ "ميت حدر"، لكن الدكتور إيهاب الشربيني مؤلف "حكايات شوارع المنصورة"، يروي في كتابه إحدى قصص التسمية، ويقول إنه قبل إنشاء مدينة المنصورة بسنوات، فوجئ أهالي المنطقة بوصول رجل مجذوب يدعى "الشيخ سعد أبو السعود"، ومعه 100 من مريدينه ليستقروا معًا في ميت حدر، وبعد أيام حدثت سرقة كبيرة فاتهمه الأهالي ومن معه بارتكابها، وذهبوا للحاكم وقالوا إنه قد وصل للمنطقة رجل و"ميه حضروا معه"، فاستدعى الشيخ الذي أظهر كراماته، وقال إنه سيساعده في إعادة المسروقات، وبالفعل عادت فقال له الحاكم "مرحبًا بك والميه اللي حضروا معاك"، ومن هنا سميت بميت حدر.
.jpg)
ويوضح الشربيني، أن القصة لا أحد يعلم مدى حقيقتها، لكنها موثقة في كتاب "تكملة جامع كرامات الأولياء" لمحي الدين الطعيمي حفيد "الشيخ سعد".
بركاتك يا ست "أم الشعور"
تضم ميت حدر مبانٍ عتيقة مازالت تتميز بها حتى الآن، ويرجع تاريخها لمئات السنين، منها قبة مسجد الأربعين، لكن جميعها غير مسجلة ولا يعلم عنها مسؤولي الآثار شيئًا.
فداخل أحد الأزقة يقع ضريحي الست "أم الشعور" والشيخ "العراقي"، الشخصيتان اللتان نالا حب وولاء الكثيرين على مدى سنوات طويلة، وتعلقت بهما أمنيات وبركات مريدينهما.
أهالي "ميت حدر" لا يعرفون أي معلومات عن الشخصيتين، سوى أن هذا الشارع الذي يطلق عليه "سيدي العراقي" كان قبلة الدراويش الذين يأتون من كل حدب وصوب لممارسة طقوسهم في "الحضرة" ومجالس الذكر.
سبب بناء الضريحين لم يذكره أي مرجع يتناول تاريخ "ميت حدر"، سوى كتاب "حكايات شوارع المنصورة"، والذي أوضح أن "أم الشعور" هي سيدة ظل شعرها ينمو بعد وفاتها ويخرج من تحت الأرض، ما دفع الأهالي لبناء مقام لها.
.jpg)
فن شعبي وليس آثارًا
أحمد تعلب، مدير شؤون مناطق آثار الدقهلية، يقول إن الضريحين يعتبران من الفن الشعبي التقليدي، وغير مسجلين في تعداد الآثار الإسلامية والقبطية، ولا يرتقيا للتسجيل لعدم وجود وحدات معمارية أو عناصر فنية أو زخرفة هندسية أو نباتية أو نقوش تميزهما.
ويضيف أنه بالنظر لحالتهما المعمارية وجدرانهما المبنية من الطوب الأحمر وطبقات الأسمنت، يرجح أن تاريخهما يرجع للثلاثينيات أو الأربعينيات، خاصة أن قبة مقام "العراقي" مبنية بطريقة الضلوع المفصصة.
ويوضح تعلب أنه لا توجد رواية توضح سبب شهرة "أم الشعور والشيخ العراقي"، أو تاريخ توقف الاحتفال بهما، لكنه يعتقد أن يكون ذلك في أعقاب ثورة 25 يناير، حيث توقفت 60% من احتفالات الأضرحة.
سنوات طويلة مرت على إغلاق الضريحين، حتى تحولت غرفة "أم الشعور" لمقلب قمامة ومأوى للحيوانات والحشرات، فيما استغلت إحدى الأسر ضريح "العراقي" للسكن فيه، بعد انهيار منزلها بالاتفاق مع أهالي الشارع.
حارة "السلالم" والخواجة "كرياكو"
ومن معالم "ميت حدر" أيضًا حارة "الحاروني"، وتعد من أهم المناطق التي ترك الاحتلال الإنجليزي بصماته بها، وتتميز بأرضيتها الحجرية.
جمال وعاطف عصفور وصبري شعبان، من أهالي ميت حدر، يقولون إنها تعرف بحارة "السلالم"، نظرًا لوجود 6 درجات سلالم حجرية كبيرة، بناها الإنجليز بعد هدمهم أحد المنازل التي كانت "تسد" الحارة، لفتح ممر يجعلها تطل على فرع النيل كما كان قديمًا.
كما تضم الحارة أقدم منزل، وكان يسكنه الخواجة اليوناني "كرياكو"، أشهر بائع خمور حينذاك، ويتكون من 3 طوابق، ويتميز بطرازه المعماري والشبابيك الخشبية والشرفات القديمة، ومازال يسكنه بعض المواطنين حتى الآن رغم تدهور حالته الإنشائية.
.jpg)
ومع الوقت تغيرت طبيعة المنطقة، التي تحمل في جعبتها حكايات وقصص كثيرة، وزاحمتها المباني الحديثة، لكنها مازالت مرتبطة بالذاكرة المصرية في قلب عاصمة "الطب والجمال".



