
مونيكا سيليش..الصرخة التي زلزلت عالم التنس

كتب - حماده حسين
كنت أحدهم..
أحد الذين شمتوا وهللوا فرحا حين طعن جونتر بارش لاعبة التنس مونيكا سيليش 18 سنة بسكين ، فالطعنة عند أضعف الإيمان ستبعدها فترة عن عالم التنس الذي هبطت عليه كصاعقة ، لاسبيل إلى إيقافها والخلاص منها الا انتظار رحمة القدر، وكان بارش -40 سنة- هو رجل الأقدار ، المجنون الذي أسكت الصاعقة ، بينما كانت علي بعد شوطين من إنهاء مباراة ربع نهائي بطولة هامبورج – مارس 92 أمام البلغارية ماجي ماليفا .
بشاعة الحادث حفظت له بجدارة توصيف الأسوأ ليس فقط في تاريخ التنس، الرياضة الأكثر رقيا ونحضرا، وانما في تاريخ الرياضة عامة ، ومن هول المفاجأة جري تسييسه بأن الفاعل صربي حاقد على مواطنته مونيكا علي خلفية حرب التطهير العرقي الذي نصبتها بلادههما ضد البوسنة والهرسك.
لكن الفاعل طلع ألماني ، وقال في التحقيق ، انه لم يكن يريد أو ينوي قتل سيليش بل إصابتها إصابة خفيفة تبعدها عن منافسة مواطنته شتيفى جراف التى يحبها ومغرم بها، وكانت مونيكا ستلاقي جراف عقب المباراة التي طعنت فيها.
قبل شهرين من الحادث ، جمع نهائي بطولة استراليا المفتوحة مونيكا وجراف، نجحت جراف في سرقة المجموعة الاولي 6- 4 ،المجموعة الثانية والثالثة حسمتهما مونيكا بسهولة 6- 3 ، و 6- 2، لتحقق اللقب الـ8 لها في الجراند سلام خلال ثلاث سنوات ، كانت في طريقها لتأميم البطولات والتنكيل بالبطلات للعام الرابع علي التوالي .
حين ظهرت مونيكا أواخر 89 كانت مراهقة لم تكمل 16 سنة ، وكانت شتيفي جراف في اعلي درجات المجد والألق، 13 بطولة جراند سلام، صاحبة الرقم القياسي في صدارة التصنيف العالمي 377 أسبوع ، 186 منها توالي ، اول لاعبة تفوز بكل بطولات الفردي في الجراند سلام أربع مرات على الأقل ، صاحبة ذهبية اولمبياد سول 88 ، وفي السنة ذاتها فازت ببطولات الجراند سلام الأربعة سنة عظمى، هذا الانجاز يعد ماسة التنس، لم يحققه في تاريخ اللعبة سوي ماورين كونولي سنة 53 ، و مارجريت سميث سنة 70 قبل ان تحصل جراف العضوية الثالثة .
ومونيكا لوكانت قد فازت في نهائي ويمبلدون سنة 92 ،كانت حصلت علي العضوية الرابعة ، لكنها اصغر لاعبة في التاريخ تحقق اول لقب رولان جاروس ، أول لاعبة منذ عام 1937 تفوز بثلاثة ألقاب متتالية في نفس البطولة ، أول لاعبة تفوز بأول 6 بطولات جراند سلام تلعبها دون خسارة، و 33 مباراة بدون خسارة في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس.
مذهل وصادم ماتفعله مونيكا في عالم التنس خاصة في وجود شتيفي جراف أكثر لاعبة في التاريخ قربا من الكمال ، لياقة ومرونة وقوة وحرفنة ، كل فنون اللعبة موجوده فيها ، عكس مونيكا التي تتميز بطاقة نفسية هائلة علي احتمال ضغط التبادل الطويل ، وارهاق المنافس ، هي النسخة النسائية للماتادور الاسباني رفاييل نادال ،
مونيكا حسب المستشفي نجت من الموت بأعجوبة ، وحدها العناية الإلهيّة أنقذتها ، فالطعنة أصابت القسم العلوي من ظهرها قريباً من لوح الكتف، لكنّها جانبت الرئتين بقليل، فيما حكم القضاء الالماني علي بارش بسنتين حبس مع إيقاف التنفيذ ، لم يعتبر الحادث شروعا في قتل، ذلك ان بارش كان يعانى بطالة ووحدة، إصابته بنوبات اكتئابٍ حادّة، أثّرت إلى حدٍّ ما على قدراته العقليّة .
الطعنة والحكم تركا أثرا نفسيا وجسديا عميقًا على مونيكا ، أصبحت رهينة مخاوف وهواجس دفعتها للاختفاء والتلاشي حتي أنّ كثيرين لم يدركوا أنّها ما زالت على قيد الحياة ، غابت قرابة سنتين ، عادت خلالها جراف لصدارة التصنيف العالمي ، ورفعت رصيدها في الجراند سلام الي 22 بطولة ، وهو الرقم القياسي الذي صمد 15 سنة حتى كسرته القاطرة الأمريكية سيرينا ويليامز .
مع مرور اول سنة لها في الملاعب ، بات واضحا ان مونيكا
ستكون اسطورة بلا فانز ، ربما لكونها اول سفيرة لبلادها حين بدأت حرب التطهير العرقي، او لانها ليست لاعبة مهارية تطرب الجمهور بالعاب استعراضية، او لحدة صرحتها التي تخدش رومانتيكية اللعبة ، او لتجبرها علي بطلات عظيمات يتقدمهن بالطبع شتيفي جراف واسطورة ويمبلدون مارتينا نافراتيلوفا ، يتجلي ذلك في نهائي أمريكا المفتوحة 91، الذي جمع مونيكا ونافراتيلوفا ، نافراتيلوفا تكبر مونيكا ب 17 سنة ، ولها نفس الظروف ، اضطهاد من وطن ينفجر غلا وكراهية ، ومطاردة من جماعات مهووسة بالقتل ،
مونيكا افترست نافراتيلوفا 7 – 6 ، و6 – 1 وفي اخر ثلاثة اشواط لم تقز مارتينا بنقطة واحدة، ورغم انها لم تستعرض او تتعالي في اللعب ، فان الجمهور لم يمرر ذلك ، صفق لمونيكا ببرود محرج " برو عتب" واحتفي بنافرتيلوفا كأنها البطلة.
يعد 17 شهرا من الصمت والاختفاء التام بفعل طعنة جونتر بارش ،عادت مونيكا الي الملاعب وفي اول ظهور لها هزمت شتيفي جراف في نهائي استراليا المفتوحة 95 وحصلت علي لقبها التاسع في الجراند سلام ، وفي العام نفسه خسرت نهائي امريكا المفتوحة ، ثم خسرت ثلاث نهائيات اخري، صحيح انها رفعت رصيدها في البطولات من 33 الي 53 ، لكنها لم تكن نفس اللاعبة ، ، كأنها عادت فقط لتقهر خوفها من ذكري الطعنة ، زاد وزنها وفقدت شغفها باللعبة ، اكتفت بمبارايات خيرية استعراضية الي ان اعلنت اعتزالها في إحدى مناسبات عيد الحب.