صبحى شبانة
النيل حق الحياة
لا شك أن مأزق سد النهضة هو المشكلة الأكبر، التي تواجهها مصر في العصر الحديث، ولا أبالغ إذا ذهبت بعيدا وقلت إنها الأكبر في تاريخ مصر الذي نعرفه، لأنها قضية حياة شعب يسري النيل في شرايينه، ارتبط به تاريخيا، تحلق من حوله على مر التاريخ، وعزفا معا سيمفونية الحضارة التي تغنت بها الإنسانية، وشكلت وجدانها، فلم يحظ النيل في كل البلدان الأحد عشر التي يمر بها بكل هذا الوله والتأليه “في ازمنة بعيدة”، والحميمية بمثل التي حظي بها هذا النهر العظيم في مصر.
ربما يعجبك
فمنذ حرب أكتوبر 73 لم يتوحد المصريون حول قضية جامعة مثلما هم الآن ضد سد النهضة الذي تراوغ فيه إثيوبيا، وتظهر فيه السودان "الشقيق" موقفا محيرا، يشير الى مواءمات سودانية إثيوبية جرت وتجري من خلف ظهر المفاوض المصري، فلم يتغير موقف الحكومة السودانية الحالية في الاجتماع الوزاري الأخير لجامعة الدول العربية من مشروع سد النهضة عن موقف نظام البشير، فكلاهما ألتزما الانحياز غير المبرر للتعنت الإثيوبي.
أقول تدرك الحكومة المصرية، التي تتعامل بذكاء وتروي مع هذا الملف البالغ الخطورة وحدة وتوحد الرأي العام المصري، الذي من جانبه يلقي باللوم على جماعة الإخوان ومشروعها “النهضة”، بأنها كانت السبب المباشر في تجرأ اثيوبيا في بناء سد النهضة، الذي ارتبط اسمه، وهذا ليس من قبيل الصدفة بمشروع الإخوان، خصوصا إذا عرفنا أن تركيا وقطر ومعهما سودان البشير، هم من كانوا وراء تمويل ودعم إثيوبيا في هذا المشروع، الذي يمثل خطرا على كل مصر.
يدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي أن مصر تعني في مفهوم المصريين، شعب ونيل وأرض، عناصر ثلاثة شكلت عبر التاريخ هوية وديمومة حياة المصريين، التي تشكلت عبر الزمن على ضفتي النهر، الذي هو هبة السماء وليس كما تدعي إثيوبيا أن مياهه ملكا لها في مغالطة، تستوجب الرد والمحاسبة، يدرك الرئيس المثقف مقولة جمال حمدان في كتابه شخصية مصر - دراسة في عبقرية المكان “قرأه الرئيس مرات عديدة اثناء عمله ملحقا عسكريا بالسعودية في نهاية تسعينيات القرن الماضي”، إن مصر إذا لم تتحرك لكي تكون قوة عظمى تسود المنطقة بأثرها، فسوف يتداعى عليها الجميع يوما ما كالقصعة أعداء وأشقاء وأصدقاء أقربين وأبعدين، والمتابع لاستراتيجيات الحكومة المصرية طيلة السنوات الماضية أنها تدرك الأخطار الآنية والتحديات التي قد تواجهها مصر في المستقبل المنظور والبعيد.
إن مصر السيسي التي تدرك أن مصر بدون النيل ستتحول إلى مقبرة بحجم دولة لن تسمح لأحد بالتعدي على حقها التاريخي، الذي هي حق الحياة.
جوجل نيوز
