عاجل
الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
«عرابى» المحارب القديم (1)

«عرابى» المحارب القديم (1)

   يحمل لنا شهر «مارس» مناسبات عدة كلها إجلال وتقدير تَحملها الأجيال وتُعيد ذكراها لتفوح منها أعمال الأجداد قادة وزعماء فى كل المجالات، ونحن نحتفل بالشهداء الأبرار يصحبهم صور أخرى لمصابى العمليات العسكرية على مَرّ الحروب والأزمنة ، وأيضًا هؤلاء الذين حاربوا وكانت لهم بصمات وأفنوا حياتهم يعملون فى مضمار القتال من أجل رفعة الأوطان والحفاظ على الأرض والعِرض والسيادة، إنهم «المحاربون القدماء»، هذا المُسمى الذى شرف حمله لا يضاهيه شىء..



 

 

وعندما نقرأ ونكتب عن التاريخ نجد أن المُسميات لم تأتِ من فراغ لكنها اكتسبت شرعيتها من مراحل كفاح مَرّ بها قبلنا الأجداد ليمنحوها عظمة الكفاح، ويصادف أن يكون من مواليد شهر مارس هو أول قائد عسكرى مصرى قاوم أن يكون قائده العام أجنبيّا من غير أصول مصرية ليعلن هو وزملاؤه من القادة والجنود المصريين بأن ولاية الجيش تكون لقائد مصرى وليس لأحد آخر، فنادى بأن الجيش المصرى يكون وطنيّا خالصًا.إنه «أحمد عرابى» المولود فى 31مارس 1841م بالزقازيق، وكان والده شيخًا لقرية «هرتة رزنة» الذى قام بإنشاء كُتّاب للتعلم وقراءة القرآن وألحق ابنه ليكون تلميذًا مع أبناء القرية فتعلّم المساواة بين الجميع ونبذ الطبقية، وتوفى والده وهو فى الثامنة من عمره، ليتولى شقيقه الأكبر  «محمد» رعايته فألحقه بالأزهر عام 1849م ليدرس به أربع سنوات أتم خلالها حفظ القرآن وتلقى بعض علوم الفقه والتفسير ثم عاد إلى قريته..

 

 

  وفى عام 1854م التحق «أحمد» بالجيش جنديّا عاديّا «نفرًا»، وذلك بناء على قرار اتخذه «محمد سعيد باشا» حاكم مصر يومذاك، بأن ينضم أولاد العُمَد والمشايخ إلى السلك العسكرى، فعُيّن كاتبًا بدرجة «بلوك أمين»  «أى أمين سر وحدة وكانت الكتيبة الرابعة من فوج المشاه الأول، ورُقى لرتبة «ملازم» وهو فى السابعة عشرة من عمره، وأخذ يتدرج فى الرتب حتى «قائمقام» أى «عقيد» وهى الرتبة التى لم يصل إليها أحدٌ قبله من المصريين فى الجيش، وكانت ترقياته جميعها قد تمت فى عهد «محمد سعيد باشا» والى مصر  الذى كان مُحبّا لتقدُّم المصريين، وفى خلال ست سنوات تمت ترقيته إلى «أميرالاى» أى عميد فى سنه 1879م عهد الخديو «محمد توفيق باشا» بعد أن ظل 19 عامًا فى رتبه العقيد. و«عرابى» فى مذكراته يقول إن تلك الترقية التى تأخرت كثيرًا جدّا منحها له «محمد سعيد باشا» الذى كان عهده وطنيّا مخلصًا لمصر وأبنائها؛ لأنه كان يرغب فى أن يتقلد المصريون مراكز عالية فى بلادهم، بينما كان الخديو إسماعيل وابنه توفيق من بعده يرجحان أبناء الذوات من الشراكسة والأتراك وكان المصرى مضطهدًا.. 

 

 

وهو يفسر بذلك ترقيته السريعة فى العهد الأول والبطء فى العهد الثانى، ولكنه يذكر أن ترقياته كانت مستحقة حسب سنوات خدمته وتنقلاته فى شغل الوظائف العسكرية بكل المناطق فى أرجاء مصر من جنوبها لغربها وشرقها وشمالها، وكانت كلها أسفار وتمرينات حربية تؤهله لذلك، ولكن فى عهد «إسماعيل باشا» كانت أولى الأزمات التى رفضها إلقاء المحارب «عرابى»، وذلك عندما صدرت الأوامر من المعية الخديوية إلى مديرى الغربية والمنوفية بتوزيع أراضى هاتين المديريتين على أمراء الجيش من الشراكسة والأتراك والمصريين المتجنسين وليس الوطنيين، دون النظر إلى شكاوَى أصحابها واحتجاجاتهم، وكانت تلك الأزمة هى المظلمة الثانية التى رصدها «عرابى» تقع على رءوس المصريين بعد تأخر الترقيات نزع الملكيات ومنحها للأجانب والأكثر حرمانًا القادة العسكريين المصريين من ترأس «وزارة الجهادية»، ما جعل الخديو «إسماعيل» يُعيّن أحد القادةالشراكسة«خسرو بك»  بعد أن قام بترقيته إلى لواء ومنحه لقب باشا، وكان «خسرو» مشهورًا بتعصبه ضد المصريين الوطنيين..  

 

 

ودب الخلاف بين«عرابى» و«خسرو»، ما أدى فى النهاية إلى فصل «عرابى» من الجيش ثلاث سنوات أعيد بعدها للخدمة فى وظيفة مدنية قام خلالها بإنجاز بعض الجسور فى الطرُق، ثم أحيل مَرّة أخرى للتقاعُد من غير معاش، ولكن القرار تضمّن «لحين ظهور خدمة أخرى» وبعد أربع سنوات أخرى من هذا التقاعُد الذى حرم فيه من الحصول على أى عائد أو معاش تم استدعاؤه للخدمة العسكرية برتبة «قائمقام» فى لواء بالإسكندرية ليكلف كمسؤول عن تموين الجيش فى حملة مصر على الحبشة،  وهنا كانت الطامّة الكبرى التى ابتلى بها «عرابى» واستنفرت كل حماسه الوطني عندما فشلت الحملة نتيجة عدم التدريب العسكرى الجيد، فكانت النتيجة موت أعداد كبيرة من الجُند الذين اشتركوا بها، وعاد الجيش ليبدأ الجهاد الوطني فى أرجاء مصر، الذى كان باعثه ورائده أحمد عرابى..   

 

 

وعلى أحداث حملة الحبشة عزل «إسماعيل» الذى مكث بالحُكم 17 عامًا كانت وبالًا على المصريين لطمعه وسوء تصرفه، ويقول «عرابى» فى مذكراته «لقد تحمّلتُ مدة ولاية إسماعيل الجائرة بكل صبر وثبات تحت ضغط الظلم والاستبداد، ومكثتُ برتبة القائمقام مدة 19 عامًا أنظر إلى صغار الضباط الذين كانوا تحت إدارتى وهم يترقون دونى». وجاء عهد «توفيق» ابن «إسماعيل» وترقى «عرابى» أميرالاى وعُيّن ياورًا خديويّا مرافقًا فى ياوران الخديوى وأميرًا على لواء مشاه بالعباسية ليأتى عام 1881م ويجتمع بعض كبار الضباط المصريين بمنزل «عرابى».

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز