عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
محمود سعد في حالة حب

محمود سعد في حالة حب

بِحُب. هذا هو ما يفعله محمود سعد في برنامجه "باب الخلق" الذي هو أفضل ما قدمه طوال مسيرته الإعلامية، أو ربما هو خلاصة تجاربه في الإعلام والحياة حيث يجيد "تضفير" الحجر مع البشر.



هو مع البسطاء يحبونه فهو يتعامل معهم بحب حقيقي. مع "أبو المكارم" الرجل الذي يسن السكاكين، ذلك الرجل البسيط الذي يحصل راضيا على جنيهين فقط مقابل سن السكين. ومع المُسن الذي بلغ من العمر 90 عاما ومازال يعمل في جمع الورق وبيعه ومازال يقرأ الجريدة حتى اليوم مع كوب الشاي في الصباح قبل الخروج للعمل ويرفض أن يمنحه أحد مساعدة.

ومع كفاح الحاجة "فاطمة" وزوجها الحاج أحمد حيث البداية من الصفر ثم امتلاك مصنع كبير للغزل والنسيج في العامرية، وكيف أن أسرة "آل النجار" قد حصلوا على النجاح من خلال استخدام مفتاح هام جدا للنجاح يغفله الكثيرون وهو مراعاة أحوال العامل كي يجيد في الإنتاج. ومن خلال مفتاح آخر أيضا ينساه الكثيرون وهو أن الفلوس التي بدأوا بها وتوسعوا بها لم يدخلها الحرام.

وعم "رمضان عثمان" مدير مدرسة جمال عبد الناصر بـ "القصير"، هذا الرجل المحترم الذي يعمل بتفاني إلى درجة أنه قبل الخروج إلى المعاش بيوم كان مستمرا في بناء جدار تحتاجه المدرسة. فقدمه محمود سعد باعتباره رجل ملابسه عليها تراب بشرف، ونموذج للهمة. وقد قدمه محمود سعد بفرحة حقيقية كنموذج للمخلصين في عملهم.

وطبعا من قبلهم كان اكتشافه الرائع للدكتور "محمد مشالي" طبيب الغلابة، الذي يحصل على خمسة جنيهات في الكشف، ولو المريض لا يستطيع الدفع لا يأخذ منه شيئا.

كل هؤلاء المصريين وغيرهم من البسطاء المنسين هم الذين يسلط محمود سعد الضوء عليهم ويحتفي بهم بحب، فتشعر أنه يحبهم حقيقة، كما تشعر أنهم يبادلونه الحب.

وهذا الحب من محمود سعد للبشر لا يقل عنه ذلك الحب الذي يتعامل فيه مع الحجر، فهو حين يصحب المشاهد لزيارة أحد المعالم أو المناطق الأثرية يحول الزيارة إلى حالة حب للمكان أو لمن عاشوا فيه، أو حب للقيمة التي يمثلها من أقاموا بالمكان في يوم ما، مقدما في هذا السياق حلقات هي علامات مضيئة، مثل "العز بن عبد السلام"، و"عبد الرحمن الكواكبي".

أما حين يأخذنا كمشاهدين إلى أحد مزارات "آل البيت"، فنحن مع الحب كله. حلقات السيدة زينب، سيدنا الحسين، السيدة سكينة، على زين العابدين، السيدة فاطمة النبوية، هي حلقات لا يسرد فيها معلومات بطريقة جافة، إنما هو يتغنى بمحبة آل البيت من خلال تقديم ملامح من سيرتهم العطرة، مع حضور واعٍ وعميق لعِبَر الفتنة الكبرى، وتأكيد على أن المقتول قد ظل منارة، والقاتل قد هجاه التاريخ.

ومحمود سعد في تقديمه للأماكن التاريخية ينجح في عمل معادلة صعبة جدا، هي أن يوصل المعلومة للبسطاء الذين يحبهم بدون كلام ضخم لا يستوعبونه، وفي الوقت نفسه دون الإخلال بالدقة فيما يحكيه، وهو يجيد التبسط بالعامية الغنية مع البسطاء، ثم إذا استخدم اللغة العربية سواء في قراءة أبيات من الشعر أو آيات من القرآن الكريم، فنجده يجيد نطق مخارج الألفاظ بكفاءة ويجيد الإلتزام بالتشكيل الصحيح، وأيضا دون أن ينشغل بالتشكيل الصحيح عن الإحساس المؤثر بما يقول. فلا تقتصر زيارتنا للمعالم على استعراض الحجر أو الأثر بسرد رتيب لمعلومات، إنما هو يربط بين الحجر والبشر، مستفيدا بإعداد جيد، مع كاميرا "صاحية"، بصحبة موسيقى تصويرية جذابة، وإخراج فاهم. فنقضي وقتا مفيدا في التعرف على الأماكن، ونعيش مع أصحاب تلك الأماكن وحكاياتهم الموحية. فتستمتع العين، وينتعش الوجدان.

ويتحول البرنامج إلى ما يشبه "الفسحة" يأخذ فيها محمود سعد المشاهد لبرنامجه عبر جولة بين بسطاء نمُر بهم دون أن نتوقف عند عبقرية بساطتهم وما يتمتعون به من رضا رغم الحال الصعب، وقد التقطهم عادة من دروب مصر وهو في طريقه إلى تلك المعالم العتيقة، معالم ربما لا نعرفها، أو ربما مررنا ببعضها ولم ندخلها، أو ربما دخلناها من قبل، إنما إذا بنا عندما ندخلها من جديد مع محمود سعد تبدو وكأنه قد صاح "إفتح ياسمسم" فكشف المكان عن كنوز ودرر وأسرار لم نكن نعرف من قبل أنها بداخله.

ثم لا يكتفي محمود سعد بهذا، إنما يبدو وكأنه بسبب حبه للناس يخاف على صحتهم النفسية والجسدية، فبعد التجول في الشوارع ينقل المشاهد إلى الاستوديو في ديكور مريح، حيث يأخذنا للدكتور "عمرو يسري"، كما يأخذنا للدكتور "حسام موافي" الذي لا نستفيد منه بالمعلومات الطبية فقط، إنما بربطها مع عظمة خلق الله، فنجد أنفسنا نردد معه "سبحان الله"،. وربما الكثيرون منا كانوا دون أن يشعروا يرددون أيضا "سبحان الله" خلال التجول مع محمود سعد عبر الأماكن، وظلال ما كان على ما سيكون. وكان ياما كان.  

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز