عاجل
الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

بـ "100 وش" الخروج الآمن من فوضى الضحك!

سيطرت خلال السنوات الماضية على صناعة الدراما الكوميدية حالة من الفوضى في كتابة عمل كوميدي محكم البناء والصنع، ربما تعود هذه الفوضي لما مرت به البلاد من فوضى اجتماعية وسياسية، تحديدا منذ عام 2011 وحتى 2013، خلال تلك الفترة بدأ في الظهور تيار مسرح مصر الذي سيطر لفترة غير قليلة على صناعة مسرح قائم على القاء الإفيهات بالدرجة الأولى، وليس على كتابة دراما كوميدية لها سياق فني محكم، وإعتمد صناعه على مهاراتهم في صناعة الإفيه، نجح مسرح مصر في استقطاب عدد كبير من الجماهير نظرا لشدة الإحتياج للبهجة في ظروف سياسية شديدة القتامةوالتعقيد،فكانت هذه النوعية من العروض هي الملجأ والملاذ لمن أراد الترويح والترفيه،وبالتالي اتبعت الدراما الكوميدية نفس المنهج والأسلوب في تقديم اعمال ليست ذات سياق، مجرد اعمال تعتمد على نجومية صناع مسرح مصر أو غيرهم وعلى مهاراتهم في القاء افيهات مضحكة، وأصبح هذا الشكل المعتاد في تكرار وتقديم اعمال إن نجح بعضها في بدايته الأولى لم يستمر أو يضمن له نفس القدر من النجاح فيما بعد، خاصةمع تغير الظروف واستقرار الأوضاع اصبحت هذه النوعية من الأعمال غير جاذبة وغير مستساغة للجمهور وتحديدا هذا العام؛ الذي قدمت فيه اعمال كوميدية ربما سيطرت فيها ثقافة المونولجست أو "اللعب بشكل منفرد" على سياق العمل الفني بمعنى آخر يتنافس صناع تلك الأعمال على من منهم سيصنع افيها مضحكا أكثر من الآخر، وأصبح الكوميديانات يتبارون في اثبات أيهم الأقدر والأمهر في "رمي الإفيه" أو ربما في المنافسة على صناعة "التريند" على مواقع التواصل الاجتماعي.



 

 دخلوا في مباراة لتقديم كوميديا اقرب إلى "التريقة" منها إلى كتابة وصناعة مشهد كوميدي حول موقف أو مشكلة يدور حولها العمل بالكامل، لكن النتيجة في ظل هذا الصراع المرير للحصول على لقب أفضل كوميديان لم ينجح أحد، تجنب الجمهور هذه الفوضى في صناعة الضحك سواء على مستوى الكتابة أو حتى صناعة الإفيهات التي من الواضح أنها صنعت بشكل عشوائي يناسب منطق الإرتجال وكأنهم يقفون على خشبة المسرح؛ دون بذل جهد يذكر من مؤلف العمل.

 

بـ"100 وش"

بينما في المقابل كنا على موعد مع عمل آخر؛ بعنوانب"100 وش" الذي شكل المفاجأة الصادمة لكل صناع كوميديا رمضان 2020 ومفاجأة جيدة لجماهير متعطشة لعمل كتب بذكاء وبناء فني محكم الصنع؛ احتوى ب"100 وش" على الكثير من المفاجآت لكل متابعيه بدءا من اختيار فريق عمله الجديد تماما على مجال الكوميديا ثم الإستعانة بوجوه جديدة؛ ليصنع هذا العمل نجوميتهم ويفرض وجودهم على الساحة الفنية؛ وصولا إلى المخرجة كاملة أبو ذكري التي تطرح نفسها بشكل جديد ومختلف فالمعروف عنها الإجادة في الأعمال الدرامية التي ربما تحمل قصصا أكثر جدية وتعقيدا عن هذه النوعية من الأعمال الخفيفة، نجحت كاملة في تقديم مسلسل مختلف في اسلوب الصنعة الفنية، وإن كان الطرح ليس جديدا لمجموعة من العصابة يخططون في كل مرة لعملية سرقة كبيرة، للحصول على أكبر قدر ممكن من الأموال بطرق غير مشروعة، ولكل منهم دور في إنجاح هذه العملية، تخرج الكوميديا من هذا الاختلاف، اختلاف توزيع أدوارهم بالمهمة الشاقة التي بدأت تجمعهم على هدف واحد؛ وتباين خلفياتهم الاجتماعية والثقافية والبيئة التي جاء منها كل فرد من أفراد العصابة،حيث تشكل هذه البيئة إطار فكره واسلوبه في التصرف واختيار الألفاظ وحتى طريقة نطقها؛"عمر" المنحدر من أسرة ارستقراطية يسكن بحي الزمالك، وكذلك "ماجي" رفيقته المخلصة، ثم "سكر" و"رضوى" من بيئة اجتماعية شعبية أقل ثقافة من عمر ورفيقته، يليهم "سباعي" "سبعبع" و"نجلاء" الطفلة اليتيمة التي أجبرتها الأيام على العمل بمجال التمريض، ومن حسن حظها رفقتها وملازمتها لرجل ثري مريض ستخطط مع العصابة لسرقته، وفتحي بلطجي وصاحب "جيم" في حي شعبي وسامح موظف الشهر العقاري بإحدى القرى ومرتشي، وزيزو وحمادة يقومان بتوصيل الطلبات في أحد محلات البيتزا بالأحياء الشعبية؛ هكذا اكتملت أرضية الخلاف الطبقي والفكري بينهم، والتي كانت القاعدة الأساسية في نحت كل شخصية على الورق بتلقائية وعفوية كتبها عمرو الدالي وأحمد وائل بإجادة ودقة متقنة الصنع، راعي الدالي ووائل التفاصيل الدقيقة والصغيرة التي تميز الإطار الشكلي والسلوكي لكل شخصية في انتقاء واختيار الألفاظ والجمل المكررة على لسان نجلاء "لا لي حبيب ولا غريب ولا نسيب ولا قريب" ..هذه الجملة التي ترددها بكثرة في أغلب المواقف الصعبة التي تتعرض لها وكآبتها الشديدة في مواجهة كل أزمة أصبحت من سماتها المميزة والباعثة على خلق مواقف مضحكة، وكذلك سباعي في تكراره لكلمة "يا نجومية" لآسر ياسين "عمر"، و"سبعبع" الاسم الذي اشتهر به بين أفراد العصابة وثباته على حالة السكر الدائمة، كل هذه التفاصيل وغيرها منحت شخصيات ب"100 وش" عمقا وبعدا فنيا، جعلت المشاهد أكثر ارتباطا بها وتكرارا لبعض جمل شخصياتها الحوارية "أو لزمتها" وربما أسمائهم، وبالتالي سرق هذا المسلسل من دراما رمضان "التريند" على صفحات التواصل الاجتماعي بتكرار مواقفهم وبعض من حواراتهم وأحيانا اسمائهم مثل "سبعبع" الذي أصبح اللقب المفضل لمداعبة الفنان شريف الدسوقي.

 

كما ذكرنا لم يلعب ب"100 وش" على تيمة جديدة قد تكون تكررت فكرته في عشرات الأعمال الفنية المصرية أوالأجنبية لكن ما ميز هذا العمل اسلوب الطرح الفني على مستوى الإخراج والكتابة والتمثيل وإهتمام المخرجة كاملة ابو ذكري بأدق تفاصيل ممثليها ثم اختيار أماكن التصوير الطبيعية التي ربما نجلس فيها جميعابحياتنا العادية والملابس وألوان هذه الملابس والبيوت التي تم الإعداد للتصوير بها وشكل الممثلات ووضوح الفوارق الطبقية بينهم حتى في طريقة واسلوب وضع مساحيق التجميل ف"رضوى" مساعدة "سكر"بالكوافير دائما ما تضع القليل من مساحيق التجميل التي يبدو عليها الفقر في نوعيتها وفي اسلوب وضعها لها على وجهها بشكل سريع غير منمق، بعكس ماجي التي تبدو منمقة ومهندمة في اسلوب وطريقة وضعها لمساحيق التجميل واختيار ملابسها والمدهش الفنانة نيللي كريم بإعتبارها نجمة العمل، لم تهتم بإبداء وإبراز جمالها كنجمة كما يفعل الكثيرون؛ بل وضعت أيضا مساحيق خفيفة غير ملفتة في البداية دلت على فقرها وبعد حصولها على الأموال قررت وضع مساحيق ذات ألوان صارخة وارتداء ملابس ملفتة إعتمدت على البهرجة وليس "الشياكة" بما يناسب منطق فكر الطبقة الاجتماعية المنتمية لها؛ وكذلك نجلاء التي تخلت تماما عن وضع اي مساحيق للتجميل كي يبدو عليها الفقر المدقع والبؤس الشديد طوال الوقت، هذه التفاصيل الدقيقة الملازمة للشخصيات منحت العمل حالة من الطبيعية،فهم يمارسون أدق تفاصيل وتفكير حياة هذه الشخصيات ولا يجسدونها كمشخصاتية فكل الممثلين بلا استثناء تساووا في ترك عباءة التمثيل خارج اللوكيشن وكأنه اتفاق ضمني غير معلن، وتوحدوا في تقديم الشخصيات بمنتهى التلقائية والعفوية؛ آسر ياسين في مشاهد جنونه وسكره الذي حافظ فيه على الشعرة الفاصلة بين الوعي وعدم الإدراك الكلي لما يفعل بسلاسة ودون افتعال أو إضافة لأداء مبالغ فيه كما يفعل بعض الفنانين في أداء مشاهد السكر وسباعي الهائم على وجهه دائما فاقد الإدراك والتركيز بشكل متواصل، إسلام إبراهيم الذي أجاد الضحك والبكاء بالتساوي هذا هو حال ابطال العمل وكأنك تشاهد الإيقاع اليومي لحياةهؤلاء وليس مجرد عمل درامي طارىء سينتهي مع نهاية الشهر الكريم.

 

 

منح هذا الإيقاع التلقائي الطبيعي مصداقية كبيرة للعمل حتى في جلسات اجتماعاتهم السرية واثناء حدوث بعض المشادات الكلامية تجد الجميع يتحدث ويتفوه بكلام مرسل متقاطع مع كلام زملائه، ربما قد يعلو صوت البعض وقد لا تميز معظم ما قيل،لذلك يخرج المشهد سلسا طبيعيا مثل مشاهد تعاركنا في الحياة وأحديثنا الجماعية التي قد لا يسمع فيها بعضنا الآخر،هكذا ارتبط الجمهور بأفراد العصابة وأحبهم وتماهى معهم في التمني للوصول إلى أهدافهم "الدنيئة" بإختراع عمليات متكررة للسرقة.

 

نجحت كاملة ابو ذكري في تشكيل عمل كوميدي قوي البناء وكانت المفاجأة الثانية استعانتها بنيللي كريم التي تخوض تجربة الكوميديا للمرة الأولى وكذلك آسر ياسين وشريف دسوقي وإسلام إبراهيم ودنيا ماهر المفاجأة الكبرى وغيرهم من الوجوه الجديدة التي أخذت مساحة بطولة كبيرة ففي هذا العمل الكثير من المفاجآت والمخاطرة في إختيار وتسكين أبطاله التي كسبت بهم كاملة الرهان بجدارة،حيث بذل كل من عمرو الدالي وأحمد وائل جهدا في بناء هذه الشخصيات وغزل تفاصيلها الصغيرة التي منحت لكل شخصية روحا وطعما مختلفا فأصبح لكل منهم حالة من الأثر المنفرد على الجمهور حتى في شخصية الوريث الوحيد الذي ظهر لرجل الأعمال المتوفي "غزال" كان للمؤلف والمخرجة فكر ودقة في وضع تفاصيل لهذه الشخصية التي بدت مملة وطامعة مما نفى اي تعاطف جماهيري معه، ذكاء شديد تمتعت به المخرجة ومؤلفو العمل جعلت له طابعا خاصا وأثرا مختلفا في الدأب على متابعته  دون سواه من الأعمال الكوميدية ونجح منذ حلقاته الأولى في استقطاب أكبر عدد من الجماهير له وربما أراد صناعه غير الكوميديانات في الأساس أن يمنحوا درسا قاسيا في صناعة البهجة بجهد وتلقائية وذكاء وحرفة فنية عالية، لم يعتمد على الضحك المبالغ فيه أوالإفيهات المتكررة المبتذلة بقدر إعتماده على صناعة البهجة وخروج الكوميديا من روح الشخصية وعفويتهاثم إعتماده بالأساس على البطولة الجماعية، فلم يقتصر العمل على نجومية نيللي كريم وآسر ياسين وحدهم بل ساهم هذا العمل الدرامي الإستثنائي في منح نجوم الصف الثاني مساحة للمساواة مع نجوم الصف الأول وبالتالي أصبح العمل نجما في حد ذاته دون إقتصار الفضل على اسم بعينه وخرج به صناعه خروجا آمنا من فوضى الضحك!  

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز