عاجل
السبت 6 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
اعلان we
البنك الاهلي
الرياضة والقانون.. استراتيجية المستقبل

الرياضة والقانون.. استراتيجية المستقبل

في مثل هذا التوقيت من عشرين عاما كانت بداية طريق التخصصية نحو نهجي العلمي لدراسة الرياضة وعلاقتها بالقانون.



 

هذا التوقيت الذي بدأت أفكر فيه في قضية فلسفة الرياضة والقانون، التي قادتني إلى فكرة الربط بين التشريعات القانونية والممارسة الرياضية من خلال المنشطات الرياضية، أحد أهم المجالات ذات العلاقة الارتباطية بين الرياضة والقانون، وذلك من خلال تسجيلي لدرجة الدكتوراه في مجال "التشريعات القانونية وعلاقتها بتعاطي المنشطات الرياضية في ظل نظم الاحتراف الرياضي وأحكام الميثاق الأولمبي الدولي". هذا البحث الذي قاربت صفحاته "١٠٠٠ صفحة".

 

كان يشغلني وقتها أمر في غاية الأهمية يتمثل في مفهوم في غاية الأهمية نطلق عليه "فلسفة سقوط الإباحة"، فممارسة رياضات المنازلات (مثل الكاراتيه، التايكوندو، الملاكمة، والجودو، والمصارعة...الخ) أباحت الضرب، لكن تلك الإباحة تسقط حينما يخالف الرياضي قواعد قوانين اللعبة أو يتعاطى المنشطات والعديد من الجوانب التي يصعب سردها بصورة تفصيلية في هذا الإطار، "ويعاقب على جريمة ضرب أفضى إلى إصابة أو إلى حتى الموت"، أي أن شعرة بسيطة تفصل الرياضي بين اعتباره (بطلا رياضيا أو اعتباره مجرما)، الأمر الذي يؤكد لنا أهمية دراسة العلاقة الارتباطية بين الرياضة والقانون.

 

والشاهد أنني أتعمد طوال هذا المشوار الطويل- الذي أبحرت فيه في قضية الرياضة والقانون، والذي دفعني إلى الالتحاق بكلية الحقوق جامعة القاهرة والحصول على ليسانس الحقوق بعد الدكتوراه في الرياضة، واكتساب عضوية هيئة التدريس في كلية التربية الرياضية جامعة حلوان- أن أذكر دائما "اصطلاح الرياضة قبل القانون"، لأن القانون العام الذي يحكم سلوك أفراد المجتمع هو الذي يذهب إلى الرياضة وليست العكس، فالقانون العام منع الضرب ولكن الرياضة أباحته، القانون العام ألزم أفراد المجتمع بالقضاء أما الرياضة فألزمتنا بالتحكيم ذي الطبيعة الخاصة والمرتبط بالفصل في النزاعات الرياضية.

 

تلك المدة التي أكملت بها اليوم عشرين عاما في هذا المجال الرحب في مجال القوانين الرياضية تدرجت فيها بين مختلف المناصب ذات الارتباط بهذا العمل؛ جعلتني أستهدف عددا من النظريات والاستراتيجيات التي أؤمن بها، والتي أرى أنه يجب أن يذهب إليها المستقبل في مجال التشريعات والقوانين الرياضية، تلك المستهدفات الاستراتيجية ليست مستهدفات عبثية أو عشوائية وإنما هي مستهدفات استدمتها من تحليل عميق للنظم التي تحكم الرياضة في العالم تلك المستهدفات ترتبط بعدد من الأهداف الاستراتيجية التي تتمثل في الآتي:

 

أولا: وطنية المنازعة الرياضية حتى لو أطرافها أجنبية

 

الشاهد أن كافة الممارسات الرياضية في الوقت الحالي تحكمنا في أن المنازعات الرياضية التي يكون أحد أطرافها أجنبيًا أو طرفاها أطراف أجنبية أن يتم تخييرهم بان يرتضوا التحكيم الوطني في موطن الممارسة الرياضية خارج دولهم أو اللجوء إلى المحكمة الرياضية "كاس"، وأنا هنا أرى أن الأطراف الأجنبية خارج دولهم يجب أن يتم إلزامهم بالتحكيم الوطني في الدول، طالما أن المنازعة قامت على أرض هذه الدولة، وطالما أنهم ارتضوا أن يتعاقدوا مع الأندية أو الاتحادات الرياضية لهذه الدولة، بل وارتضوا أن يتقاضوا أموالًا نظير عقودهم من هذه الدولة، هذا الأمر ينسحب أيضًا على كافة البطولات التي تستضيفها الدول، فدائما ما أرى أن التحكيم الرياضي الوطني يمثل نوعًا من أنواع السيادة الوطنية للدول، فطالما ارتضى الرياضي ممارسة الرياضة على أرض دولة ما يجب أن يرتضي العمل بقوانينها وأحكام السيادة الوطنية لها.

 

ثانيا: تفرد المحكمة الرياضية بالمنازعات الرياضية الناتجة عن بطولات عالمية أو مباريات دولية

 

هذا التوجه الاستراتيجي استهدف من خلاله أن المحكمة الرياضية الدولية يجب أن تنفرد فقط بالمنازعات الناتجة عن البطولات ذات الطبيعة الخاصة، مثل "كأس العالم" في أي من الرياضات أو البطولات الأولمبية وما يرتبط بها من جوانب تأهيلية وتعاطي العقاقير المنشطة في تلك البطولات أو المنازعات الرياضية في دول لا تمتلك هيئات تحكيمية للمنازعات الرياضية، أما غير ذلك فيترك للتحكيم الرياضي الوطني.

 

ثالثا: تأسيس مجالس التحكيم الرياضي القارية

عام ١٩٩٤ كان عاما تاريخيا في فلسفة التحكيم الرياضي الدولي، ذلك العام الذي شهد توقيع اتفاق باريس والذي تتضمن خروج المحكمة الرياضية الدولية كجهة تحكيمية عليا للرياضة من مظلة اللجنة الأولمبية الدولية إلى مظلة مجلس التحكيم الرياضي الدولي، هذا الأمر يقودني إلى فكرة الهدف الاستراتيجي الثالث بضرورة وجود مجالس تحكيم رياضي قارية تكون مرجعية قانونية لهيئات التحكيم الوطنية وخاصة في البطولات القارية التي تدخل في نطاق كل قارة.

 

رابعا: التحول إلى اصطلاح "محكمة"

هيئات التحكيم الوطنية يجب أن يقترن مسماها باصطلاح "محكمة" على غرار مسمى "محكم التحكيم الرياضي الدولية"، فالرياضة لا يفصل في نزاعاتها إلا من خلال التحكيم، ومن ثم هو المرجعية الأساسية والنهائية للفصل في المنازعات الرياضية، والمنازعة الرياضية يفصل فيها من خلال حكم تحكيمي، الأمر الذي يتوافق مع اصطلاح المحكمة الذي يعطي له القوة المرجعية والنفاذ في التطبيق ويتوافق الاصطلاح الوطني مع الاصطلاح الدولي.

 

خامسا: القوانين المستقلة لمتعاطي المنشطات الرياضية

يجب أن تتوجه الدول إلى إصدار تشريعات مستقلة تتعلق بمعاقبة متعاطي المنشطات الرياضية، ليس فقط اللاعبين، بل إحكام السلوك المرتبط بمجال المنشطات الرياضية من حيث المواد المستخدمة والتجارة فيها والتحريض على تعاطيها.. إلخ، على غرار قانون المنشطات الرياضية الفرنسي وقانون المنشطات الرياضية البلجيكي، نظرا لخطورة المنشطات الرياضية على سلامة ونزاهة الرياضة.

 

سادسا: قانون عالمي للعب المالي النظيف

يجب أن تتبنى اللجنة الأولمبية الدولية- باعتبارها منظمة معترفا بها من قبل الأمم المتحدة- تشريعًا قانونيا يحكم اللعب المالي النظيف، يكون ملزما على كافة المنظمات الرياضية الدولية والقارية والوطنية، قانونا يحكم السلوك المالي في كافة المنظمات الرياضية في العالم، يؤكد سلامة الرياضة ويعزز النزاهة الرياضية ويمنع الفساد المالي في الممارسة الرياضية.

 

سابعا: نمذجة القوانين الرياضية الوطنية

الرياضة سلوك إنساني مختلف، يختلف بطبيعة الحال عن كافة السلوكيات المجتمعية، الرياضة نظام تشريعي وقوانين للألعاب الرياضية وطبيعة مختلفة من الممارسة الرياضية والمشاركات الدولية والوطنية والإقليمية التي تتخطى في كثير منها الحدود الوطنية، الأمر الذي يجب أن تسعى إليه اللجنة الأولمبية الدولية باعتبارها منظمة معترفا بها من الأمم المتحدة، بوضع نموذج للقوانين الرياضية الوطنية، تحدد العلاقات الرياضية بما يؤكد استقلالية الرياضة من جهة واحترام القوانين الرياضية لأحكام السيادة الوطنية والميثاق الأولمبي الدولي. نظرا لكون الرياضة نسيجا هرميا متكاملا وطنيا قاريا دوليا.

 

تلك هي طبيعة الرياضة وقيمتها، وتلك هي فلسفة الرياضة والقانون التي يجب أن تكون نهجا مستحدثا للمستقبل.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز