عاجل
السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي

بين العسكرية والإنسانية.. هكذا كانوا عظاما

«فهمى» القاهرى و«أبو ذكرى» العريشى تبادلا قيادة الاستنزاف والعبور

الفريق محمود فهمى
الفريق محمود فهمى

هذه الحلقة تختلف عن سابقتيها لتزامنها مع عيد القوات البحرية 21 أكتوبر، وأهم ما يربطنا بتلك المناسبة هى ملحمة أبطال (الضفادع البشرية البحرية وألغامهم اللاصقة) التي دمرت إيلات الميناء الذي كان يحوى أهم المدمرات البحرية الإسرائيلية غالية الثمن سريعة الإبحار، والأهم أنها العملية التي غيرت مفاهيم الاستراتيجية البحرية العسكرية العالمية، وبعد أشهر قليلة من نكسة يونيو 67 يأتى أكتوبر 67 ليسترد الروح المعنوية للجيش المصري كله عندما حطمت بحريتنا بلنشات صواريخ صغيرة أهم ميناء عسكرى ومدمرات إسرائيلية كانت تتباهى بها… ولكن من هم أبطال التخطيط لهذه العملية وعمليات أخرى إنهما القائدان (الفريق فؤاد أبوذكرى - الفريق محمود عبدالرحمن فهمى) وهما من قادا حرب الاستنزاف وأكتوبر 73، وقاما بتدريب القوات البحرية وإعادة بنائها سويًا، وقبل أن نبدأ فى سرد حياتهما الخاصة المليئة بالصور الإنسانية نوضح كيف ربطت الأحداث بينهما ليصيرا مكملين لبعضهما حتى يوم النصر العظيم.



 

قائدان جمعتهما العواصف

استمرت بحريتنا على مدار 70 عامًا تسبح فى بطولات المياه الزرقاء والتي بدأت عام 1946 وانتهت عام 2016 لتنتقل مع التحديث الجديد وقبول تحديات التكلفة للقطع البحرية باهظة الثمن التي طالما ساومتنا أمريكا بسببها سنوات عدة هى مدة حكم مبارك بالكامل، ليقبل السيسي التحدى للتسليح الحديث وتنوع مصادر السلاح ليدخل بحريتنا بـ (الميسترال) إلى بحرية المياه العميقة لما لهذه القطعة الكبيرة حاملة الطائرات من قوة إبحار عالية فى الوقت والأداء وصاحب ذلك تدريب عالى المستوى للقوات البحرية لتسجل أرقامًا متقدمة فى فن الإبحار والقتال ويصير لدى مصر أساطيل عدة تحمى كل شواطئنا المتوسط والأحمر من كل الجهات والمنافذ البحرية.

 ولكن خلال الـ70 عامًا من بداية بناء البحرية الحديثة التي تخللتها حروب بحرية ناجحة تدرس عالميًا كانت مصحوبة أيضًا بتكوين قادة عظام قاموا بأنجح تخطيط وتدريب وإعداد، واليوم نحن بصدد اثنين من القادة اقتسما القيادة فى تحريك من القائد الأعلى ليضع كل منهما فى مكانه وتوقيته المناسب.

 قال لى الفريق محمود فهمى: إنه فى أحد أيام شهر سبتمبر عام 1946 حضر لزيارة أسرته ابن عمته البكباشى (فريد أبو شادى) وكان ضابطًا فى الحرس الملكى وأخبرنا أن زميله البكباشى (عز الدين عاطف) الياور البحرى للملك فاروق وقَّع مرسومًا ملكيًا بإعادة إنشاء السلاح البحرى، والذي كان قد ألغى بعد هزيمة عرابى فى التل الكبير واحتلال الإنجليز لمصر عام 1882 وكانت مصر لديها بعض الوحدات المدنية التابعة لمصلحة السواحل بالإضافة إلى اليخوت الملكية، وأنه قد أعلن عن قبول أول دفعة لدخول الكلية البحرية التي أنشات فى ذلك العام وأنه سوف يكون لهم مستقبل عظيم لأنهم سيرسلون لبعثات خارجية، ويكمل ( الفريق محمود) كان ابن عمتى يعرف مدى حبى للرحلات والمغامرة وقال لى: لقد كلمت صديقى عنك وأنه على استعداد لقبولك رغم أن باب القبول أغلق، قلت له ولكنى قدمت أوراقى بكلية الطب، وكان أخى الأكبر فى السنه الأولى بالطب، فلما وجدنى محتارًا قال لى: عمومًا أنا مسافر للإسكندرية غدًا فكر جيدًا وإذا أردت دخول البحرية قابلنى بالقطار، ولكنى ذهبت ودخلت البحرية، ومكثنا بداية ثلاثة شهور بالكلية الحربية بالقاهرة وبعدها انتقلنا إلى الكلية البحرية بالإسكندرية وكنا الدفعة الأولى عددنا خمسين، واستقبلنا استقبالًا حافلًا وهناك تعرفت على دفعتى ورفيق مهنتى لآخر يوم فى عمره الطالب (فؤاد أبوذكرى) من مواليد العريش، ذهبنا سويًا إلى بعثات خارجية متعددة بعد أن صار ترتيبنا من الأوائل الذين وعدوا بذلك، واستمرت زمالتنا حتى صار كل منا «فريق أول» قائدًا للقوات البحرية بالتناوب، وأعود لزمن دراستنا كأول دفعة بالكلية البحرية حيث قام بإعدادنا وتدريبنا قائد البحرية وقتذاك محمود حمزة باشا والذي استدعى من المعاش وكان يعمل على يخت المحروسة أيام السفن الشراعية، وكان سعيدًا بنا وكثيرًا ما يصحبنا إلى سفينة شراعية قديمة تسمى الفاروقية وكانت مدرسة لتعليم أولاد البحارة اليتامى لكى يكونوا بحارة على السفن التجارية.

 

أبو ذكرى بعد حرب أكتوبر فى مجلس الشعب
أبو ذكرى بعد حرب أكتوبر فى مجلس الشعب

 

مفاجأة الوزير عام 69

قابلت الفريق محمود فهمى لقاءات متفرقة بالقاهرة وكان وقتها يقيم بالإسكندرية بعد أن صارت مدينته منذ امتهن العسكرية البحرية وكذلك الفريق أبوذكرى الذي لم يحالفنا الحظ بمقابلته حيث وافته المنية عام 83 ولكننى تقابلت مع السيدة قرينته (نادية الشاذلى) عدة مرات متفرقة، حيث كانت تقيم فى لندن بعد وفاته وتحضر من آن لآخر إلى مصر وقد روت لى بعضًا عن حياة القائد العظيم الذي كان قائدًا للقوات البحرية فى أكتوبر 73.

 قال لى الفريق فهمى: لن أنسى هذا اليوم 12 سبتمبر 69 والذي صدر يومها قرار بتعيينى قائدًا للقوات البحرية خلفًا لصديقى الفريق ذكرى، وأيضًا لم أنس أكتوبر ٧٢ عندما صدر قرار بإقالتي وتعيين الفريق أبوذكرى قائدًا للقوات البحرية خلفًا لى، وما بين هذا القرار وذاك قصة حياة لكل منهم، لكن عندما يتم وضع الصديقين فى خندق التناوب على القيادة هنا تكون حدوتة حياتية جديرة بالسرد…

وعن هذا قال لى الفريق فهمى: فى عام 69 وتحديدًا 12 سبتمبر وكان يوم جمعة، وفى الساعة الواحدة والنصف كان مكتب القيادة يستعجلنى لمقابلة قائد القوات وقتذاك اللواء فؤاد ذكرى والذي كان صديقًا حميمًا لى على مدار أكثر من عشرين عامًا وكان بيننا احترام متبادل وعلاقات أسرية وكنا نلعب الإسكواش سويًا بنادى سبورتنج بالإسكندرية، دخلت عليه فوجدته مهمومًا سابحًا فى الفكر وعندما رآنى هم للقائى وأخبرنى بأن وزير الحربية سوف يرسل لنا طائرة خاصة لتنقلنا نحن الاثنين إلى القاهرة، لمقابلته بمكتبه فى مبنى القيادة العامة للقوات المسلحة بمدينة نصر الساعة الرابعة، وأن وزير الحربية لم يفصح له عن سبب الزيارة السريعة، فأخبرته أن استدعاء رئيس شعبة العمليات البحرية معنا بالتأكيد وراءه مهمة عمليات سريعة ومهمة للقوات البحرية مثل إيلات. 

  مهانة الفيلم الإسرائيلى

 يقول الفريق فهمى: كنا فى هذه الفترة التي تم فيها استدعاؤنا نعيش مرحلة من التوتر المشوب بالمهانة، حيث قام الإسرائيليون بتمثيلية لرد اعتبارهم الذي بعثر فى العملية (إيلات) حيث قاموا بعملية إنزال بر مائية على شاطئ الزعفرانة بخليج السويس يوم ٤ سبتمبر سنة 69، وقد صحبوا معهم مراسلى السينما والتليفزيون والصحافة العالمية ليصوروا تفاصيل العملية التي كانت سينمائية أكثر منها عسكرية، كما قامت الضفادع البشرية الإسرائيلية بإغراق لنشي طوربيد كانا مستقلين بمرسى السادات جنوب السويس فى الليلة السابقة للإنزال، واستمع الرئيس عبدالناصر إلى هذه الفضيحة السينمائية الاستعراضية من الإذاعات الأجنبية فى الوقت الذي كانت القيادة العامة بالقاهرة مغيبة عن الحدث، ولم أكن موجودًا وقت تلك الحادثة حيث كنت فى إجازة مع بناتى وكان لى فترة لم أجلس معهم وذهبنا إلى العجمى لقضاء بعض أيام للمصيف. 

 المهم أن الوزير فاجأنا بما لم نكن نتصوره عندما توجه للواء أبوذكرى وقال له: الرئيس عبدالناصر أحالك إلى المعاش وتعيين العميد محمود فهمى قائدًا للبحرية بدلًا منك، وقد وقع هذا القرار علينا كالصاعقة وخيّم علينا صمت رهيب قطعه بعض العبارات العاطفية من اللواء ذكرى متمنيًا لى التوفيق، لكننى قلت للوزير لماذا التغيير لقد كنا نعمل سويًا بانسجام تام، فرد علىّ هذا قرار الرئيس، وقبل أن نخرج من مبنى القيادة علمنا أن هناك تغييرات أخرى أهمها خروج رئيس الأركان اللواء أحمد إسماعيل.

 الرد بالحفار (كنتنج)

عندما قمنا برد الكرامة فى أكتوبر 67 بعملية إيلات الذي كان وقتها يقودها أبو ذكرى وأنا معه، رددنا على الخديعة الإسرائيلية وتمثيلية الزعفرانة بعملية الحفار كنتنج فى أبيدجان عاصمة ساحل العاج وكان أيضًا بعد شهور قليلة من فيلم إسرائيل السينمائى الهابط وذلك 8 مارس 1970 وتتلخص هذه العملية عندما استدعانى وزير الحربية محمد فوزى فى فبراير 70 وقال لى هناك مهمة يكلفك بها الرئيس عبدالناصر شخصيًا ويقول لك إنك مسؤول عن تنفيذها، وهى أنه وردت معلومات بأن الإسرائيليين قد اشتروا حفارًا لآبار البترول من كندا وفى نيتهم إحضاره إلى خليج السويس للتنقيب عن البترول فيه، وأن هذا يمس كرامة مصر لأن مياه خليج السويس مصرية، وقد أمر الرئيس عبدالناصر بمهمة تدميره خارج البحر الأحمر أو داخله، وهو يفضل تدميره خارج البحر الأحمر، وقد تمت العملية بنجاح، إلا أن اللواء محمود فهمى استمر ثلاث سنوات قائدًا للقوات البحرية ثم تمت إقالته بعد اجتماع عاصف تم بمنزل الرئيس السادات بالجيزة يوم 24 أكتوبر عام 72 تم فيه تغيير قيادات الجيش من وزير الحربية إلى قادة الجيوش وآخرين، وذلك  للارتقاء لقيادات توافقية لمعركة المصير أكتوبر 73 ولعل استدعاء الفريق أبو ذكرى ليتسلم مرة أخرى قيادة القوات البحرية مرتبط بأنه كان يعمل من قبل مع المشير أحمد إسماعيل وقت حادثة الزعفرانة والتي أقالهم بسببها الرئيس عبدالناصر، وفى حرب 73 أمر باستخدام لنشات الصواريخ بعد أن حاصر باب المندب بقواته قبل حرب أكتوبر بعشرة أيام، المهم هنا أن فهمى وذكرى كل منهما تناوب القيادة فى سنوات حرب الاستنزاف والعبور، فإذا كان ذكرى أنهى الاستنزاف وسلم القيادة لفهمى الذي بدوره أعد القوات للمعركة الكبرى وسلمها لذكرى ليدخل بهم حرب 73 هكذا تكون روح القيادة بين القادة العسكريين. 

هانية الابنة الكبرى لمحمود فهمى المتزوجة من محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق وبناتهما صغارا
هانية الابنة الكبرى لمحمود فهمى المتزوجة من محمد رشيد وزير الصناعة الأسبق وبناتهما صغارا

 

زوجة وبنات الفريق أبو ذكرى

 هناك أيضًا تطابق أسرى بين القائدين حيث إن كلًا منهما أنجب بنات فقط، تزوج ذكرى من السيدة نادية الشاذلى التي تقلدت رئاسة جمعية أم البحرية بعد زوجة الفريق سليمان عزت أول قائد للبحرية بعد ثورة يوليو 52، ويعد ذكرى ثانى قائد بعد الثورة، السيدة نادية شخصية مجتمعية من طراز (سيدة مجتمع) وقد قامت بعد وفاة الفريق ذكرى الذي أصيب بالسرطان وتوفاه الله عام 83 بعد رحلة علاج طويلة بلندن، حضرت السيدة نادية الماجستير فى الاستراتيجية العسكرية بالجامعة الأمريكية عن الحرب العراقية الإيرانية، وقد رأيتها عدة مرات فى حفلات تخرج الكلية البحرية فى التسعينيات وقالت لى إنها حصلت أيضًا على الدكتوراه من لندن فى الاستراتيجية وأنها تقيم هناك ولا تأتى إلى مصر إلّا نادرًا، وفى عام 2013 أهدت مكتبة الإسكندرية الأرشيف العسكرى للفريق أبو ذكرى واحتفظت بميدالياته التي تصل إلى 27 ميدالية حصل عليها من داخل وخارج مصر، ولهما ثلاث بنات متزوجات (ليلى، علا، عزة). 

نهال محمود فهمى وزوجها المحاسب باسم سلطان والحفيدتان ليلى وناجية وهما صغيرتان
نهال محمود فهمى وزوجها المحاسب باسم سلطان والحفيدتان ليلى وناجية وهما صغيرتان

 

فهمى وزوجته وبناته

يعتبر الفريق محمود فهمى متحفظاً بشكل كبير على أسرته فلم يبح باسم زوجته قط، فقط تحدث عن بناته (الابنة الكبرى هانية) وهى متزوجة من المهندس رشيد محمد رشيد الذي كان يشغل وزير الصناعة فى حكومة نظيف أيام مبارك، والابنة الصغرى (نهال) ومتزوجة من المحاسب باسم سلطان. 

ويعود تحفظ فهمى بشأن أسرته لنشأته التي كانت أكثر ميلًا إلى التدين وأيضًا ميله إلى الأدب وفن الخطابة وتعلقه بأبيه الذي رحل وهو فى العاشرة من عمره وكان رجل قانون، فظل يميل إلى تقليد أبيه فى تصرفاته الدقيقة والمحسوبة والتي حفرتها طفولته فى ذهنه حتى آخر يوم فى عمره عندما وافته المنية فى عام 2013.

 

من مجلة روزاليوسف

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز