عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي

حكاية مِنليك الأول ملك الحبشة الذي تُوج في أورشليم

د. إسماعيل حامد اسماعيل
د. إسماعيل حامد اسماعيل

تلك واحدة من الحكايات والروايات الحبشية القديمة التي تلفت الانتباه في تاريخ شعوب هذه البلاد منذ أقدم العصور، حيث تزعم الروايات الحبشية أن الملك سليمان ملك إسرائيل تزوج من ملكة سبأ ماكيدا (ماقدة)، والتي يقولون إنها كانت ملكة بلاد الحبشة في القرن العاشر قبل الميلاد، وقد أنجبت تلك الملكة الحبشية من ملك إسرائيل ولدا اسمه منليك الأول Menelik 1. 



وعلى هذا يزعم "الأحباش" أن أقدم ملوكهم هو الملك "منليك الأول"، وهو ابن الملك سليمان بن داود الذي أنجبه من "ملكة سبأ"، بحسب الروايات الحبشية. 

 

 

ويفتخر الملوكُ الأحباش منذ القدم بأنهم أحفاد "منليك الأول بن ملك إسرائيل، وهو دونما ريب يعتبر بمثابة "النسب الشريف" بالنسبة لهم. 

 

 

ومما يؤيد ذلك الفخر أن المتون القديمة من أيام الملك عيزانا تصفه بأنه ملك صهيون King of Sion، ومن المؤكد أن هذا اللقب له دلالات ومعاني تثير الدهشة عن فكر وأيدولوجية الملوك في بلاد الحبشة في ذلك الوقت.

 

 

ولعل أبرزها محاولة التأكيد على الرابط القرابي بين الأحباش من ناحية وبين ملوك إسرائيل من ناحية أخرى، وكذا محاولة التأكيد على أن بلاد الحبشة تمثل "أرض صهيون" التي تقع في القارة الإفريقية. 

 

 

كما تذكر "الروايات الحبشية" أن "الأنبا كيرلس" Cyril وكان يشغل منصب "بطريرك الكنيسة" في بلاد الحبشة قال إبان تتويج الإمبراطور "هيلاسيلاسي" (يوم 22 نوفمبر 1930م): "أنت أيها الإمبراطور الذي ينتسب إلى أسرة منليك الأول الذي أنجبه الملك سليمان من ملكة سبأ..". 

 

 

وتأكيدًا لهذا النسب الشريف حسب "الزعم الإثيوبي" كان الأباطرة الأحباش يحملون لقبًا ذي دلالة لا تخفى على أحد، وهو: "الأسد الظافر لـ"سبط يهوذا".

 

 

كتاب كبرا ناجست.. إنجيل الأحباش:

يعد هذا الكتاب (أي كبرا– ناجست) Kebra Nagast أهم المصادر الحبشية الأصيلة، ويضم تاريخ ملوك الحبشة القدامى، وتبدو بوضوح في كتاب الأحباش المعروف بـ"مجد الملوك" ("كبرا- ناجست") المقارنة بين الملوك الأحباش من جانب، وسليمان ملك إسرائيل، وتشبيه ملوكهم بملك إسرائيل.

 

 

ولعل من ذلك مقارنة بين أحد ملوكهم، وهو "تكلا جيورجيوس" وبين الملك سليمان، فيقول كتابهم: "وقلبه (أي الملك تكلا) أشبه ما يكون بقلب الخالق في نقاوته، وحكمته كثيرة كحكمة سليمان (ملك إسرائيل)..". 

 

 

كما كان اسم "صهيون" يظهر كثيرا في أسماء ملوك الحبشة، مثل عمدا صهيون، وكذلك الملك أجوالو صهيون، وكذلـك كان الملوك الأحباش يحملون لقبًا يعطي ذات الدلالة التي للقب الآنف، وهو: "الخارج من سبط يهوذا المختار من الله". 

 

 

و"يهوذا" Juda هو ابن النبي يعقوب (إسرائيل) بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام، وهو جد اليهود حسب الرواية التوراتية، وهو ما يعضد فكرة الرباط الديني والقربى الذي يجمع الطرفين. 

 

 

وتَصف "الرواياتُ الحبشية" الملك "منليك (الأول) بن سليمان بأنه كان شابًا باهر الجمال، كما تذكر أن "منليك الأول" لما زار أباه الملك "سليمان" بمدينة "أورشليم" (القدس) حسب روايات الأحباش، تم تتويجه هناك، ومن ثم صار ملكًا على بلاد الحبشة منذ ذلك الوقت، وهو يُعتبر أول الملوك في تاريخ هذه البلاد. 

 

 

كما تذكر "الروايات الحبشية" أيضًا أن الملك "سليمان بن داود" كان قد قال لابنه منليك الأول إبان مراسيم تتويجه: "مرحبا بك يا ابني الحبيب، أنت ابن داود.."، ثم تذكر ذات الروايات أن الملك سليمان قام بوضع ما يعرف بـ"تاج إسرائيل" على رأس ابنه (منليك الأول). 

 

 

ثم تذكر الروايات الحبشية أن حاملي "الأبواق الملكية" قاموا بالنفخ ابتهاجًا لتتويج منليك بن سليمان باعتباره ملكا على بلاد الحبشة، ثم قال الحاضرون: "هذا داود (منليك) بن سليمان بن داود ملك إسرائيل..". 

 

 

وثمة رواياتٌ حبشية أخرى تذكر أن الملك "منليك الأول" حمل إلى بلاد الحبشة كُتب اليهود المقدسة، وكذلك رافقه عددٌ كبير من اليهود ليستقروا في بلاد الحبشة، وكان من بينهم الكاهن "أزاريا"، ولعل هذا الاسم: "عزريا" Azaraias (أو عزرياهو) باللغة العبرية، وكان "أزاريا" ابنا للكاهن الأكبر، وهو المعروف باسم: "صادوق" Zadok، وكان يشغل منصب "كاهن أورشليم الأكبر".

 

 

ثم عاش هؤلاء اليهود في بلاد الحبشة بعد ذلك، ويقال أيضا إن الملك "منليك الأول" كان قد نقل معه تاج جده داود David King تأكيدًا لأنه يعتبر وريث ملك إسرائيل، وفي ذات الشأن يقول المستشرق "إيه. لودفيج": "وعاد (منليك الأول) مثقلًا بالهدايا من أسباط بنى إسرائيل الاثني عشر، وصحب معه مقاتلة، وكهنة لتعليم الأحباش دين اليهود..". 

 

 

وعلى أي حال، فإن النسب القديم الذي يجمع بين كل من الإثيوبيين واليهود مصدر فخر لهم ولملوكهم عبر التاريخ، فكان الإمبراطور تيودور Theodore الذي عاش إبان القرن التاسع عشر الميلادي، يتباهى بأنه من نسل الملك سليمان بن داود ملك بني إسرائيل، ولهذا يقول أحد المؤرخين: "إن أسطورة ملكة سبأ تمثل الأساس الذي تقوم عليه الحياة السياسية في إثيوبيا..". 

 

 

ويُعرف الملك "منليك الأول" بهذا الاسم، وذلـك تمييزًا له عن الملوك الآخرين الذين حكموا مملكة إثيوبيا، وكانوا قد حملوا ذات الاسم من بعده، ولعل من أهمهم، وأشهرهم جميعًا: الملك "منليك الثاني" Menelik II. 

 

 

ولأن الملك (منليك الأول) بن سليمان بن داود هو أول الملوك في تاريخ مملكة إثيوبيا، فإن الإثيوبيين يبدؤون تاريخهم بصعوده على العـرش، وفي هذا الصدد تقول "الموسوعة الأمريكية": "يزعم الملوك السابقون لإثيوبيا بأنهم من نسل الملك سليمان وملكة سبأ..". 

 

 

وقد ارتقى الملك "منليك الأول" العرش في بلاد الحبشة بعد موت أمه الملكة ماقدة (ماكيدا) وذلك بحسب الروايات الحبشية، وكان ذلك الحدث في حوالي سنة 955 ق.م، ويذكر بعض المؤرخين أن "منليك الأول" حكم بلاد الحبشة وذلـك بعد 9 سنوات من عودته من التتويج في مملكة أبيه (مملكة إسرائيل). 

 

 

وبعد أن كان قد تم تتويج منليك الأول في الهيكل الموجود بمدينة أورشليم Temple of Jerusalem على العرش في بلاد الحبشة باسم: داود، وكان ذلك فيما يبدو وفاء لذكرى جده الملك الأشهر داود ملك إسرائيل، وتذكر بعض الروايات أن منليك الأول ارتقى العرش لمدة 25 سنة. 

 

 

وبحسب التقاليد الحبشية، يتحدث كتاب "مجد الملوك" (كيبرا- ناجاست) عن قصة الملك منليك الأول بن الملك سليمان، وحكمه لبلاد الحبشة، ويؤكد هذا الكتاب أن هذه القصة التي أوردناها آنفا حقيقية، ولا تقبل جدلًا بحسب التقاليد الحبشية. 

 

 

ويرى البعض أن الأحباش افتعلوا علاقة للربط بين الملك منليك الأول، وابن حكيم، وعن ذلك يقول الدكتور عبد المجيد عابدين: "وربط الأحباش بين ابن حكيم هذا وبين منليك الأول مؤسس الأسرة الملكية في بلادهم، وزعموا أنه هو نفسه، وأنه مؤسس دولة أكسوم في القرن العاشر قبل الميلاد، ولا شك أن هذه أسطورة..". 

 

 

ويؤيد أصحابُ هذا الرأي بأنه لا علاقة البتة بين ابن حكيم ومنليك من جانب، ومملكة أكسوم من جانب آخر، حيث إن مملكة أكسوم ترجع تاريخيا إلى حوالي القرن الأول قبل الميلاد، أي بعد مرور تسع قرون من أيام الملك سليمان وملكة سبأ.

 

أستاذ جامعي وباحث في التاريخ الإفريقي  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز