عاجل
الخميس 16 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
"مركب الشمس".. وإعجاز جديد للحضارة المصرية

"مركب الشمس".. وإعجاز جديد للحضارة المصرية

تثبت مصر دائماً أنها بلد حضارة سبعة آلاف عام، وأنها عبق التاريخ، فقد أبهرت العالم بأسره خلال موكب نقل المومياوات الملكية من  المتحف المصري بالتحرير إلى متحف الحضارة بمدينة الفسطاط.. وتكتمل مسيرة الإبهار والتميز من خلال موكب نقل مركب الملك خوفو  "الشمس" من منطقة الأهرامات إلى المتحف المصري الكبير.



وبطبيعة الحال لا بد من التساؤل: لماذا الإبهار والتفرد؟ والإجابة أن عملية النقل كانت أحد المشروعات الهندسية الأثرية المعقدة والفريدة، لأن المطلوب كان نقل المركب كقطعة واحدة دون تفكيك.

 

وعلى ذلك، لم يكن الإبهار في المظهر الخارجي خلال عملية النقل فقط، وهي آخر خطوات التميز، ولكن كافة الخطوات والمراحل التي سبقت احتفالية نقل مركب الملك جعلت من المحتم علينا أن نذكرها للإشادة بحجم وذكاء القائمين عليها، ومن ناحية أخرى التعلم، والتأكيد على القدرة المصرية على تخطي الصعاب.

 

وتبرز التحديات عندما نعلم  أن "مركب الشمس" هى أكبر وأقدم قطعة مصنوعة من الخشب في تاريخ البشرية، ويبلغ عمرها أكثر من 4500 عام، وعلى ذلك لا بد أن تكون هناك صعوبات وتحديات في نقل ذلك الأثر القديم من موقعه كقطعة واحدة، وهو ما تم بوضع المركب داخل هيكل معدني، ورفعه إلى عربة ذكية آلية التحكم عن بعد. ولنا أن نعلم أن أعمال تأهيل المركب لنقلها لمبنى مراكب خوفو في المتحف المصري الكبير، استغرقت عاماً كاملاً، بدأت فى مثل هذه الأيام من أغسطس 2020 فى ظل حدة أزمة فيروس كورونا، فلم تكن عملية إخراج المركب بالأمر اليسير منذ البداية، بل واجهت تحديات كبيرة تم التغلب عليها من خلال تشكيل لجنة فنية متخصصة، ضمت نخبة من الأثريين والمهندسين من مكاتب استشارية، وأساتذة كليات الهندسة، لتوضع خطة سريعة لتدعيم المركب.

 

ولنا أن نذكر الخطوات الدقيقة والفنية التي تمت خلال تجهيز المركب قبل نقلها وكأنها "عروس" يتم تجهيزها  إلى حيث عرسها، فقد تم تنظيف المركب تنظيفاً ميكانيكياً، وتعقيمها بالكامل خلال جميع مراحل العمل، وتقوية الأجزاء الضعيفة بجسمها، وحقن وتدعيم بعض الشروخ، وتغليف بعض القطع التي تم فكها مثل المجاديف، كما تم عمل "حواضن" حول جسم المركب بالكامل، وربطها بإحكام داخل الهيكل المعدني لضمان ثباتها وتفادي أي حركة بسيطة أثناء عملية النقل، إلى جانب تزويد المركب بأجهزة لقياس الاهتزازات والصدمات.

 

ولم تنته التحديات عند مرحلة التأهيل للنقل، ولكن كان هناك تحد كبير تمثل في ضرورة اختبار الأرض والطريق، وهل ستتحمل ثقل المركب أم لا، وهو ما اضطر الخبراء إلى إجراء مسح راداري للأرض الصخرية تحت مبنى المتحف القديم بمنطقة الأهرامات، وحتى الطريق الأسفلتي في الجهة الشرقية، للتأكد من قدرتها على تحمل الأوزان والممرات والشدادات المعدنية التي شيدت لتأهيل المبنى والمركب للنقل، ثم تم تصميم وتصنيع الهيكل المعدني حول المركب، وإقامة شدادات وسقالات معدنية خارج وداخل المبنى لتدعيمه.

 

وبدأت عملية النقل وتحرك الموكب بعد أن تم وضع مركب"خوفو" في الهيكل المعدني أعلى عربة ذكية، ولم تكن أى عربة، بل كان لا بد من توافر كافة معايير الأمان والسلامة فيها، والتي ستتحرك بشكل مختلف عن المعتاد، بحيث يتم التحكم بها عن بعد باستخدام "ريموت كنترول"، كما تميزت العربة بالقدرة على مواجهة مشاكل الطرق من الانحناءات والارتفاعات والانخفاضات، بحيث يكون سطحها دائمًا في وضع أفقي للمحافظة على ثبات المركب، كما كانت كل عجلة من عجلات العربة الذكية تتحرك بشكل منفصل عن الأخرى، حتى لا تنقل الاهتزازات للمركب.

 

ولا بد أن نذكر أن الإجراءات الأمنية التي تم اتخاذها كانت مكثفة على مدى 48 ساعة، لتأمين خط سير نقل "مركب الشمس" حتى وصولها إلى المقر الجديد.

 

أولستم معي أننا في حاجة إلى الفخر بذلك الإنجاز العظيم، الذي تضمن أخيراً تجهيز "العروس"، أقصد مركب الشمس بأحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية للعرض المتحفي بالمتحف المصري الكبير، وفي حاجة لإلقاء الضوء بصورة مكثفة على كافة مراحله حتى يعي شبابنا وأجيالنا القادمة أهمية هذا المشروع الضخم، الذي يمثل عبق الحضارة والهوية المصرية، والذي يجب الاهتمام بذكراه على مر التاريخ.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز