عاجل
الخميس 2 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

أحمد إبراهيم يكتب: المغرب والجزائر “لا الشّيخ ولا الشّيطان”

أحمد إبراهيم
أحمد إبراهيم

كما الشيخ أقنَعها ببعض الحجاب، كذلك الشيطان يبدو نجَحَ في إقناعها ببعض التبرجّ! إذ دخلت عليّ في وقتٍ متأخرٍ من الليل، وكنت وشيكَ الخروج من مكتبي.



لم يُطرَقَ الباب ولكنه فُتِح بلطفٍ وهدوء، كانت فتاة ثلاثينية محتَشَمة بالزيّ الإسلامي الفضفاض من الرأس إلى أخمص القدمين، اللهم إلاّ خصلاتٍ من شعرها تركتها (قاصدةً) تتراقص على الجبين كما كشفت الكاميرات لاحقا وقتَ دخولها، كانت باليُمنى تُعالج خصلاتٍ من شعرها على الجبين بعد إخراجها من الحجاب، وباليُسرى تفتح الباب!

مشهدٌ جدّد لي صوت المطرب العراقي ناظم غزالي "عَلْحَواجِب يلعبُ الشّعرِ الحرير.. وأنا بين العين والحاجب أسير".. سلّمَتْ بكل أدبٍ واحترام، وجلست دون مقدّمات قائلةً "أريد التحدث إليك قليلاً".

هذا القليل من جانبها في حدود البحث عن وظيفة في دبي، قادنا إلى الكثير من الجانب (المغربي الجزائري) عندما سألتها "من يقود اليوم، مسرحَ المقاطعة بين الجارتين الشقيقتين: "الشيخ أم الشيطان"؟

أجابت: "الشيطان لا طريق له إلى الشعبين" أعجبني تشبيهَها البلدين بكِلْيتين، وأن الكثير يعيشُ بكِلْية واحدة ليرى جنبه من يستحق الحياة بكليته الثانية، هكذا وضْعُ البلدين الجغرافي، وطبْعُ الشعبين العِرقي، كلٌّ جانب منهما يستطيع العيشة بكلْيةِ الجانب الآخر، وأواصر ما يجمع بين الطرفين أكثر مما يفرّق بينهما، وأن الشيطان لا خارطة له إلى الخريطة الجغرافية الوُدّية للبلدين.. وأن الشيطان هو من يريدُ سلبَ كلٍّ منهما كليتَيهِما ليرُقص بهما فوق النعوش والتوابيت رقصةَ الانتصار!

هذه الفتاة المُباغِتة أيقظتني، وما زلتُ أشكرها اقتَحامَها، واكتشافي أنها كانت تتنفّس بأنفاس 40 مليون مغربي وأنفاس 50 مليون جزائري.. أى لمست في صوتها أرواحَ وأنفاسَ 90 مليون عربي.. يُخطئ من يستشفُّ من الغوغائيات أنّ هناك انقساماً في وحدة الصف للجارتين!

إنّه لحلمٌ عربيٌ من الخليج إلى المحيط، أن لا نرى المزيدَ من الجرح والتعديل والمرهمَ والتّضميد في الخِيام بين جاريتين، فما بالك على الحدود بين جارتين.. كفانا ما فعلته بنا جائحةُ (الحاج كورونا) وقد أغلق علينا الكثير بين تلك الحدود  دون تمييزٍ بين شعوبٍ وقبائلَ في وادٍ، لهم أنسابٌ وأقرانٌ على الجانب الآخر من الوادي!

لقد زرتُ المملكة المغربية الشقيقة مراراً، وكلما زرتها زاد حبي لها ولشعبها الكريم المضياف من خلال عرش جلالة الملك حفظه الله.. كما تجوّلت في ربوع الجزائر من الحدود إلى الحدود، أقود مركبتي بنفسي، أقطع بها آلآف الأميال بمفردي، واكتشفت السِمةَ المشترَكة بينهما، جمال المناخ والطبيعة الخلاّبة إلى جانب حبّ الضيف وإكرامه بفطرة إنسان المغرب العربي المِضياف، على امتداد عواصمها من القاهرة إلى نواكشوط.

ضيفتي المقتَحِمة لم تعد بمفردها بعد أن كبستُ أنا على أزرار المذياع لوكالات الأنباء، إذ دويُّ صداها، اقتحمتني أنا وهي، وكلٌّ منا أذنٌ صاغية بأن: "أكثر من مئتي شخصية مغربية وجزائرية يلوحون بعريضة مشتركَة تتنّفس معاً أنفاس الشعبين والبلدين، تنادي العقل لا الجهل، الوفاق لا الشِقاق، وتدعو للتقارب لا للتباعد!

وصوت العريضة الموقّعة (والكلام لآخر وكالات الأنباء العالمية) أنها بالصوت والصدى للمثقفين والجامعيين والمدنيين من الطرفين، يطالبون بنعم للتّوطيد ولا للتصعيد، بل نعم لتصعيد بناء الغد المشترك الواعد بخيراتٍ من الطرفين، تُزرَع  على طرفٍ وتُثمَر على الطرف الآخر، فتُجنى من الطرفين! واعتَبَر الموقّعون (والكلام لا يزال بسخونة آخر الأنباء نفس أولَها) أن الجزائريين والمغاربة الحقيقيين ليسوا هم الوقواقيين في الفضائيات والسوشيال ميديا، دون أن يكشفوا نواياهم ولا عن هوياتهم!

وإنما الحقيقيون هم أولئك الذين يستنطِقون الحِكمة فينطق العقل، ذلك العقل الذي يرفض سباقَ التّسلح على حدود للبلدين، بل ويرجّحُ سباق التّصنيع على الجانبين بالمنافسة الشريفة، حيث ما صُنع بالمغرب من الثمار والثروات البحرية تفتخر بها الجزائر في الأسواق العالمية، وما تنتجه الجزائر من الثروات المعدنية، وحتى النفط والغاز تفتخر المغرب بنقلها عبر أراضيها الممتدّة إلى بوابات أوروبا والعالَم.

وهنا الشيخُ بكفّةِ الرُّجحان على الشيطان!

كاتب إماراتي

www.KatibEmaraty.com  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز