
خرافة

قصة: عبدالله الحرداني
الساعة تُشير إلى الواحدة صباحًا، لم يطعم جفني نوم، أتقلب في السرير حتى مل الفراش تقلبي، تتبدل الأجواء بطقس جديد، شديد البرودة فأتدثر، معتدل في الأثناء، موجة صقيع تضرب الدواخل، كادت الأفكار أن تفجرني.
أطلقت زفرة قلق من أرقي، قلت بملء فمي:
- ما هذا الأمر؟
لا إجابة على الدمع الهادر، القدر الذي تغلى خلاياه، يكتوي الخد من جريانها، أكوم الغطاء على رأسي، لعل الأفكار يطردها جاثوم اليأس، لا جديد يذكر.

أتت تلك الفكرة لتكمل الناقص، وجدت طريقها بين الزحام، توسدت قلقي قائلة:
- لماذا نحن هكذا؟
هذه المرة لم أصمت، أجبتها بشجاعة ثمل، كلمات خرجت من آخر نفس، قائلًا:
- لأننا صدقنا الخرافة!
ابتسمت السائلة في الداخل، ثم قالت:
- ما العمل؟
لم أتمكن من الإجابة، زادت حرارة بدني، سقطت في بئر التقلب، هربت من حالي، ربما ارتعبت من وضعي.
بعد نصف ساعة من الثانية صباحًا، تآكلت أصابع قدمي، خرجت من كابوس المنام إلى كابوس الأرق، بصقت في وجهي قائلة:
- أنا متقززة منك ومن قومك!
لعلي أجد إجابة، جاريتها بقولي:
- نحن مدعاة لذلك!
قطبت حاجبيها، وضعت يدها على ذقنها، ظهرت أمامي:
- إذن كيف السبيل؟
رشقتها بهذا السؤال، لكن الإجابة كانت حاضرة عندها، في طرف اللسان، قالت:
- أن تكذبوا الخرافة المُصدقة، القائلة "الإنجليزية لغة العلم والتقدم".
قلت بيأس، وأرى -لغيري- استحالة الأمر:
- لكن كيف؟
أشارت إلى رأسها، كناية عن التفكير، فاختفت!
هذه الفكرة تراودني كل ليلة، تضاجع رأسي ما أوى للفراش، فأسترسل في عوالم الأرق.
حل الصباح، ونور الشمس يثقب عيني، هذه المرة خططت للعمل، ثقل رأسي على بدني، انبطحت على بطني، ورحت أحلق في سماء النوم.
وجدت كياني عالمًا غريبًا، فوق نتوء برز من الأرض، ينحدر بشدة نحو الأسفل، تحته غابة كثيفة، وبقربي طفل في السابعة من العمر -كما قدرت له- باكي العين.
أشفقت على منظر الطفل، تخوفت في البدء، كُتاب الرعب لم يتركوا فينا أمانًا، قلت له:
- ما بك؟
مسح الدمع بيده، اقترب مني، أمسك بطرف ثوبي، بنبرة حزن قال:
- أمي!
هنا تأكدت من أنه ضائع وسط هذا العالم الغامض، أو ينتظر أم لن تأتي أبدًا، سألته:
- ما بها أمك؟
أجاب:
- ألست أنت بـ(فطيم)؟
كدت أن أسقط على طولي، تراكم الحبر على صدري، أشعل الرعب فيّ كلي.
نظر إليّ قائلًا:
- لا تخف! فقد قتلت جدتي في سبيل تحرير الحقيقة!
بادلته النظرة وقلت:
- من هذه جدتك؟
ابتسم هذه المرة، ظهر صف أسنانه البديع، بريق البياض الناصع، أشاح بوجهه عني، مخفيًا ابتسامته، مخرجًا العتاب إلى العلن، قال: من كانت تزورك كل ليلة، تحدثك عن النور!
قلت:
- إذن هي قتلت، حمدًا لله!
كشر في وجهي، تبدلت ملامحه إلى الغضب، أطلق سهمًا من كلماته:
- هذه حال العبيد إذا مات سيد اشتروا غيره ليستعبدهم!
ثم أردف بغلٍ:
- أمي أُسرت منذ قرون، واستبدلت بالخرافة لتكون الحقيقة، غير أنني لم أرضع من لبنها، فأنا النور!
رفع ذراعيه إلى السماء، أضاءت الدنيا من حولنا، مد لفافة جلدية إليّ، قائلًا:
- هذه خارطة للطريق، إما أن تحرر الحقيقة أو أن تعيش مصدقًا للخرافة!
ركلني بقوة، كأن لم يكن طفلًا، لحق تكهني بقوله:
- النور مهما كان ضئيلًا يبدد جحافل الظلام.
ثم هوت بي الركلة إلى أسفل، رماح الأشجار موجهة نحو عيني، فسقطت على الأرض، قمت مفزوعًا.
جعلت أراجع أرق الليالي، وكلمات النور، فقررت أن أكون مجاهدًا في سبيل الحقيقة.