
ثلاثة كتب

قصة: السيد شليل
في رحلاتي المتكررة إلى القاهرة، عن طريق القطار أجد متعتي في متابعة الأطفال، وقراءة بعض الأعمال الأدبية.
وفي الرحلة التي كنت أستعد فيها، للتقديم لعضوية اتحاد الكتاب، بعد أن جهزت كل المتطلبات، من استمارة عضوية وصحيفة جنائية، وصور شخصية وثلاثة كتب للأطفال.

أخرجت واحدًا منها، وبدأت في قراءة أول قصة فيه، وتذكرت بطلها هادي، عندما اختفى كل ما في غرفة نومه، اعتراضًا على ما فعله فيهم من أذى!
ابتسمت عندما قرأت، كيف كان يركل ضلف الدولاب بقدميه، بعد أن أتلف مقابضه وكسر مفاتيحه!
والسرير الذي كان يئن، ويشتكي منه ومن أفعاله، فقد كان يأكل وينام ويكتب واجباته عليه، رغم وجود طاولة للطعام، ومكتب جميل لاستذكار الدروس، قبل أن يفسد أدراجه، ويشوه سطحه، بحفر اسمه وأسماء أصدقائه.
على يسار مقعدي، طفلة يزين عنقها عقد من الفل، منهمكة في قراءة إحدى المجلات، أظن أنها ميكي؛ لصغر حجمها ورسومها الخالية من الألوان ودقة الخط.
تابعت تفاصيل قصتي، وكيف تضامنت التسريحة، مع ما حدث لزملائها، السرير والدولاب والمكتب، وتبخرت هي الأخرى من الغرفة!
وفكرت للحظة، إذا كان كل شيء، قد اعترض على تصرفات هادي الكسول المشاغب، ولقنوه درسًا لن ينساه، فلماذا لا أحاول أن أجد جمهورًا هنا، يشاركني الحكم على من هم مثله!
وقررت خوض التجربة، مع زميلتي القارئة الصغيرة، التي كانت تمسك بيدها عقد الفل، وبالأخرى مجلتها بحميمية شديدة، وهي مندمجة في القراءة بتركيز شديد، رغم أنها لمحت غلاف كتابي الأخضر الجميل، برسومه المبهجة، وألوانه البديعة وعنوانه اللافت والمدهش!
تصفحته وأنا أوجه الرسوم الداخلية ناحيتها.
تذكرت الفنانة (الحبيبة حسين) التي أبدعت، وأضافت للنصوص جمالًا من الطفولة وعفويتها.
والورق الأبيض والخط الكبير الواضح، كل شيء كان مميزًا.
ثم تابعت خطتي وبدأت في القراءة بصوت عالٍ.
حتى جاء الكمسري وأعطيته التذكرة، واتجه ناحيتها ووقف أمامها طويلًا، لم تعطه أي شيء، إلا بعد أن جذب المجلة من يدها وأشار إلى التذكرة! عاودت القراءة بصوت أكثر ارتفاعًا، رغم ضجيج القطار واهتزازه، اقترب مني بعض الكبار، والصغار والباعة الجائلون، ينصتون لتفاصيل القصة، التي سمع فيها والد هادي، شكوى أعضاء غرفة ابنه.
والخطة التي اتفقوا على تنفيذها.
وفي محطة طنطا، تركت الكتاب مفتوحًا، ووضعته بالمقلوب على الكرسي المجاور لي، ونزلت لشراء زجاجة ماء باردة.
وبينما كنت أحاسب البائع، لمحت كتابي يتحرك بين يدين صغيرتين، ظللت واقفًا على الرصيف حتى بدأ القطار يتحرك.
ثم عدت لمكاني لأجد الكتاب مغلقًا!
مرت المحطات، والكبار والصغار ينتظرون، متى أفتح الكتاب وأكمل الأحداث، حتى إن بعض الأطفال، سألوني عمو: "كيف تصرف والد هادي، وهل فعلًا اختفت الغرفة بما فيها، وهل ستعود وكيف؟".
وأمام إلحاحهم فتحت الكتاب من جديد، وأكملت القراءة حتى انتهت القصة، وصفق من حولي إلا هي!
في محطة شبرا، اقترب مني الأطفال وأهاليهم، وسألوني: عن اسم الكتاب وأين يجدونه، وظلت الطفلة التي لم أر أحدًا من أهلها حتى وصلنا رمسيس.
على أحد المقاعد الخرسانية، جلست أرتب المستندات والكتب، فسقط من الكتاب بعض أوراق الفل، وازداد عبق الرائحة في أنفي، عندما اقترب مني كرسي متحرك، وأم الطفلة التي تركت مجلتها، تعتذر لأنها أعطت ابنتها كتابي للحظات، لكنها لم تتمكن من قراءته كاملًا، وتود أن تعرف ماذا حدث في غرفة هادي!
وردًا على استفساري، أشارت لأذنيّ ابنتها وبكت، في تلك اللحظة، قررت تأجيل حصولي على العضوية، لعدم اكتمال بند، تقديم ثلاثة كتب، بعد أن وزعتها، على طفلين كانا ينتظراني، خارج محطة الوصول.