عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
الكتاب الذهبي
البنك الاهلي

تمام يافندم

رسم: سوزى شكرى
رسم: سوزى شكرى

مع تغير وضع سيمافور رصيف 5 وأصبحت إشارته الرأسية لأسفل ليفسح الطريق لقطار المنصورة للوقوف، علا صوت سلامة  شاويش بــ: تمام يافندم.. كله تمام وهو يقف انتباه رافعًا كفه اليسرى مفرودة على جبينه، وهو يقف منتصبًا معلقًا بَصَرَهُ بالسيمافور، يتشمر لأعلى معطفه الميرى الكاكى البالى، فوق جلبابه الذي لا يغيره صيفًا ولا شتاءً حتى  صعب علىّ تمييز لونه وإن كنت أذكره بنى اللون قبل سنوات أول مجيئه وسكنه المحطة، ينتعل بيادة يخرج منها إبهام قدمه، لا يتحرك من مكانه حتى يبدل السيمافور إشارته، هيئة سلامة سيمافور أو سلامة شاويش مخيفة، يقارب طوله المترين، ممتلئ أسمر الوجه أشعث، مما يجعل من يفكر فى مضايقته يحسب حساب ذلك ألف مرّة، لا ينال منه إلا أثناء تمامه ووقوفه انتباه أمام السيمافور، فيضربه على قفاه أو يشد معطفه محاولا إسقاطه ثم يجرى بعيدًا، قبل تبديل الإشارة فيفتك به.



نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021
نقلًا من الكتاب الذهبي عدد يوليو 2021

 

لا أحد يعرف حكايته ومن أين جاء غيرى وغير عم "على البسطاوى" شيخ كمسارية المحطة..

أذكره من خمسة وعشرين عامًا وهو يكلبش بيده متهمًا قرر ترحيله من شبين الكوم إلى الإسكندرية، لا أتذكر التهمة إلا أننى ما أتذكره جيدًا أنهما كانا متقاربين فى العمر كلاهما بلغ العشرين من وقت قريب، يتنشر الزغب الخفيف على وجهيهما إلا أن سلامة كان يفوقه طولا وقوة بنية، كنا فى الصيف وكانت المحطة مزدحمة للغاية، ركنا ليتشاركا سيجارة ويتسامران..

سلامه: يعنى مالاقتش يا حزين إلا زريبة الحاج محمد أبو دفيه تسرقها؟

فتحى: والله ما سرقت ده راجل ضلالى عاوز يلبسنى تهمة.. أنا بس أخدت بيضتين عشان جعان.

والبيضتين كانوا هيقصروا معاه فى إيه؟!

سلامه: وأكلت البيض مسلوق ولّا مقلى.. أديك هتتسجن يا حلو.

فتحى: سيبنى  اعمل معروف .. احنا شباب زى بعض.

سلامة: وأخالف الأوامر وبدال ما أترقى شاويش أتطرد من الميرى.. لا ممكن أبدًا.

 فتحى: كوانى بالنار قبل ما يحطوا الحديد فى إيدى، بحبح الحديد حبة وانت تشوف بنفسك.

كانت الدموع تملأ صوته وعينيه ليصمت ويحتل التمرد محل الدموع بهما، رق سلامة لحاله وقرر أن يسيب القيد قليلا قبل أن يذهب به إلى المديرية، وما أن فعل حتى دفعه فتحى وانطلق بسرعة فهد خرج من مكمنه ليجرى بآخر رمق حتى  تعلق بمؤخرة قطار القاهرة المغادر المحطة.

ليلطم سلامة ويشق بدلته ويغمى عليه ويفيق، يهدئ من روعه عم "على البسطاوى" ويخوفه آخرون ممن علموا الحكاية من بطش رؤسائه، ومن يومها يسكن سلامة المحطة، ذهب ما تبقى من عقله بذهاب عم على قبل سبع سنوات عند خروجه على المعاش.

يكنس الرصيف، ويساعد باعة الجرائد فى حملها من القطار للعربات المعدنية، أو يجرى وراء شاب عاكس فتاة وهو يصرخ: مش هسيبك يا فتحى يابن الكلاب.

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز