عاجل
الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
ذكرى انتصارات أكتوبر
البنك الاهلي
كيف غيّرت حرب أكتوبر الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً؟

كيف غيّرت حرب أكتوبر الشرق الأوسط سياسياً وعسكرياً؟

- تظل المؤسسة العسكرية المصرية الدرع الواقية لمصر وقاطرة التنمية



 

يظل نصر أكتوبر المجيد الذي حققته القوات المسلحة المصرية فى العاشر من رمضان 1973، علامة فارقة فى تاريخ منطقة الشرق الأوسط والعالم، نظراً لما شهده من دروس استراتيجية غيرت الكثير من المفاهيم العسكرية، وأعاد رسم خريطة القوى العالمية.

ولم تكن حرب أكتوبر مجرد عبور لتحرير الأرض، لكنها نقطة تحول كبرى في تاريخ أمة أظهرت للعالم أجمع قوتها، فأحست أوروبا والولايات المتحدة بالقلق من استخدام العرب ذلك السلاح الخطير ضدهم، وهو سلاح البترول بالتوازى مع انتصار أكتوبر المجيد.

وأدرك الجميع أن العرب عند وحدتهم يستطيعون مواجهة أية قوة ظالمة، وبالرغم من التحديات الاقتصادية والمعاناة التي عاشها المصريون فى تلك الفترة، إلا أن قواتهم المسلحة كانت تستعد لحرب الكرامة واستعادة العزة الوطنية والسيادة على الأراضى المصرية التي احتلتها إسرائيل فى عدوان 5 يونيو 1967، واستعادة ثقة المصريين بأنفسهم، وأنهم أمة ذات حضارة وتاريخ عريق، ولن يفرطوا أبداً فى شبر من أرضهم لمغتصب أو معتد، فقد كانت مصر على مر التاريخ "مقبرة الغزاة".

لقد كانت لحرب أكتوبر والنصر العظيم الذي حققه الجيش المصري عام 1973 دوراً كبيراً في تغيير الفكر العسكري الاستراتيجي على مستوى العالم، بحيث أصبحت حرب أكتوبر تدرس في المعاهد والأكاديميات العسكرية العالمية، على أنها أحدثت تغييراً جذرياً في الفكر العسكري العالمي، ومن نتائجها الاستراتيجية:

 

1- تعديل الفكر الاستراتيجى لإعداد مسارح العمليات، وطرق ووسائل الدعم، حيث جاءت فكرة التعاون مع الحلفاء بإنشاء مخازن الطوارئ على مسارح العمليات المنتظر حدوث معارك عليها، ما دفع الجانب الأمريكى لتعويض الخسائر الكبيرة التي منى بها الجانب الإسرائيلى، وزيادة قدرة الإمداد والدعم من قواعد حلف الناتو فى أوروبا جواً، وجميع أشكال المعدات حتى الثقيلة منها، مثل الدبابات .

2- تغير الفكر الاستراتيجى الغربى فى تأمين إمدادات البترول، وتخزين احتياطيات تكفى لمدد زمنية كبيرة نسبياً.

3- معارك الأسلحة المشتركة الحديثة أصبحت سائدة، والتي تشترك فيها جميع عناصر القوات المسلحة بأفرعها الرئيسية، ومثال ذلك "حرب الخليج الأولى والثانية".

4- ربط الفكر الإستراتيجى المتبع فى خطط الخداع بالمستوى التعبوى .

وأثبتت حرب أكتوبر للعالم أجمع قدرة المصريين علي إنجاز عمل عسكري جسور، يستند إلي شجاعة القرار، ودقة الإعداد والتخطيط، وبسالة الأداء والتنفيذ، ما يعنى أن التفوق العسكري ليس حكراً علي طرف دون طرف، كما ضرب الشعب المصري أروع صور البطولة بوقوفه إلي جوار قواته المسلحة، واضعاً مطلب تحرير الأرض فوق كل المطالب والأولويات. 

وحققت حرب أكتوبر ما لم يكن الكثير من العرب يتخيلونه، منها القضاء على الأسطورة القائلة إن "الجيش الإسرائيلي قوة لا تقهر"، فكانت حرب أكتوبر التي جاءت بعد 6 سنوات من نكسة يونيو تحولاً استراتيجياً هاماً في إدارة دفّة الصراع وفي قدرة العرب على التحول إلى موقع المواجهة، وعلى قلب الأدوار من موقع المتلقي الدائم للضربات والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، إلى المبادرة بالضرب وإعلان الحرب على الكيان الغاصب.

كما أكدت حرب أكتوبر استحالة فرض سياسة الأمر الواقع، واستحالة إجبار شعوب المنطقة علي قبول الاحتلال، كما أثبتت أن الأمن الحقيقي لا يضمنه التوسع الجغرافي علي حساب الآخرين.

إن ما يشهده الشرق الأوسط والدول العربية في الوقت الراهن من تطورات وتغيرات على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، إنما هو نتيجة حتمية لما أفرزته حرب أكتوبر من تحديات أمام القوى الغربية، ولذلك تواصلت مساعيها لكسر حالة التكامل العربى، وإدخال المنطقة في حالة من الفوضى الأمنية والسياسية، وتفكيك الدول، وتدمير الجيوش العربية واحداً يلو الآخر .  

وقد ظهر التضامن والتكامل العربي بوضوح في حرب أكتوبر كدليل قاطع على بداية شعور العرب لأول مرّة في تاريخهم المعاصر بالخطر على أمنهم القومي والإستراتيجي، وتوج هذا الشعور بنصر عسكري كبير كان مصدر فخر للجميع.  

وعند الحديث عن التضامن العربي إبان حرب أكتوبر، فإن أروع وأفضل من رصده كان رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق الفريق سعد الدين الشاذلي، في مذكراته التي كشفت حجم الدعم العربي العسكري لمصر.

يروى رئيس الأركان، أنه حينما اندلعت الحرب فى 6 أكتوبر1973 أرسل الرئيس الجزائرى هوارى بومدين سرب طائرات سوخوي-7 وسرب ميج -17 وسرب ميج -21 إلى الجبهة المصرية، وصلت فى أيام 9 و10 و11 أكتوبر، بينما وصل إلى مصر لواء جزائرى مدرع فى 17 أكتوبر، وخلال زيارة بومدين إلى موسكو فى نوفمبر 1973 قدم مبلغ 200 مليون دولار للسوفييت لحساب مصر وسوريا، بواقع 100 مليون لكل منهما، ثمنا لأى ذخيرة أو سلاح يحتاجان إليها.

ووفقا للشاذلى، فإن بومدين هدد القيادة السوفيتية حينها قائلا : "إن رفضتم بيعنا السلاح فسأعود إلى بلدى وسأوجه خطابا للرأى العام العربى أقول فيه إن السوفييت يرفضون الوقوف إلى جانب الحق العربى، وإنهم رفضوا بيعنا السلاح فى وقت تخوض فيه الجيوش العربية حربها المصيرية ضد العدوان الإسرائيلى المدعوم من الإمبريالية الأمريكية"، ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلاً إلى مصر.

وأكد الشاذلى أن الجزائر تعتبر ثانى دولة من حيث الدعم خلال حرب 1973، وكانت إسهاماتها كالتالى: 96 دبابة، 32 آلية مجنزرة، 12 مدفع ميدان، 16 مدفعاً مضاداً للطيران الجوى، سرب من طائرات ميج 21ن، سربان من طائرات ميج 17، وسرب من طائرات سوخوي، وبلغ مجموع الطائرات حوالى 50 طائرة، أما التعداد البشرى فقد بلغ 2115 جندياً، و812 ضابط صف، و192 ضابط عتاد.

ليبيا كذلك كانت فى مقدمة الدول الداعمة لمصر فى حربها المجيدة، حيث قدمت للجيش دعماً عسكرياً ضخماً، تمثل فى 300 دبابة، وسربين من الطائرات ضما 70 طائرة ميج، و54 طائرة ميراج، فضلاً عن شحنات ضخمة من الأسلحة المختلفة بين المجنزرات، والمدافع، والصواريخ، والذخيرة.

السودان بدوره أرسل للجبهة المصرية لواء مشاة، إضافة إلى عدد من المتطوعين السودانيين الذين عبر عدد منهم القناة مع القوات المصرية، وحاربت القوات السودانية رسمياً إلى جانب القوات المصرية كقوة مشتركة، بجانب عدد من المتطوعين الذين قاتلوا فى الجبهة السورية، وتنقلت القوات السودانية بين خطوط الحرب حسب الأوامر التي تصدر من القيادات العليا التي تدير المعركة، وقد أسهمت القوات السودانية بشكل كبير فى حماية ثغرات مهمة، كما كانت هناك قبل ذلك قوات سودانية منتشرة على خط القناة فى حالة استعداد تام، وشاركت فى حرب الاستنزاف، والحفاظ على ضفة القناة والروح العالية للجيش العربي.

حين قام الفريق الشاذلى بزيارة المغرب، سارع الملك المغربى الحسن الثانى بالقول: "الجيش المغربى رهن إشارتكم"، وقدم للجيشين فى مصر وسوريا لواء مدرع (وهو اللواء الوحيد المدرع الذي كان يمتلكه المغرب فى ذلك الوقت) على الجبهة السورية، ووصل قبل بداية الحرب بأسابيع قليلة. 

كما شاركت المغرب بلواء مشاة على الجبهة المصرية، وصل بعد بداية الحرب، وكان من المقرر إرسال سرب اف 5 قبل بداية الحرب، لكنه وصل بعد وقف إطلاق النار فى التاسع من فبراير.

وقد لعبت الكتيبة المغربية دوراً بطولياً على الجبهة السورية، حال دون إحداث الجيش الإسرائيلى ثغرة فى القنيطرة، وسميت إحدى ساحات دمشق باسمها (ساحة التجريدة المغربية).

أما تونس ، فقد شارك جيشها فى الحرب بكتيبة مشاة قوامها 1200 جندى على الجبهة المصرية، وقد انقسمت هذه الكتيبة إلى قسم استقر فى منطقة دلتا النيل وبورسعيد للتأمين، وقسم انتقل مباشرة إلى الجبهة، وكان وصول القوات التونسية بعد بدء الحرب بأيام، كما كانت القوة العربية الوحيدة التي قامت بعملية إنزال بحرى بسيناء. وسوف يظل الجيش المصري الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية والدولية، فهو الجيش العربي الوحيد الذي استطاع أن يحافظ على تفوقه وتميزة ومكانته العالمية من بين ترتيب الجيوش على مستوى العالم، في وقت تداعت وتفككت فيه أغلب جيوش المنطقة العربية، مثل الجيش العراقي والسوري واليمني والليبي. 

لقد كان إنجاز الجيش المصري لنصر أكتوبر أثرًا كبيرًا في نفوس المصريين، فثقتهم في جيشهم ليس لها حدود، وإدراكهم ويقينهم بأنه المنقذ والمخلص عندما تكثر الأزمات وتحيط التحديات والمخاطر ليست محل شك، ولم يكن غريباً أن يلتف الشعب المصري حول جيشه العظيم هاتفاً له إبان ثورة 25 يناير 2011 وثورة 30يونيو 2013، وكان الجيش علي قدر الحدث والمسؤولية، فالتف حول الشعب لحمايته ودعمة ونصرته وتحقيق مطالبه المشروعة.

ولم يخذل الجيش المصري الشعب عندما نزل المصريين في 26 يوليو 2013 لتفويض القائد العام للقوات المسلحة آنذاك المشير عبدالفتاح السيسي، بمحاربة الإرهاب والجماعات المتطرفة، ولبى الجيش النداء وقدم تضحيات كبيرة من أجل أمن واستقرار الوطن ومواطنيه، ولا يزال حتى اليوم يقدم تضحيات كبيرة من خلال العملية الشاملة سيناء 2018 . 

وكما هو الحال دائماً يعبر الجيش المصري حالياً بالوطن إلى بر الأمان، بعد فشل محاولات ومؤامرات داخلية وخارجية يائسة لتدميره وتقسيمه، من قوى شريرة استهدفت الدولة المصرية ومؤسساتها، لتظل القوات المسلحة المصرية هى الدرع الواقية للوطن، وقاطرة التنمية في مصر .  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز