عاجل
الأربعاء 2 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
البنك الاهلي

التراث الشعبي وتأسيسُ الممالكِ الإفريقية القديمة

الممالك الإفريقية القديمة
الممالك الإفريقية القديمة

تعتبر "الميثولوجيا المحلية" أو "الأساطير الشعبية"، من أبرز أنماط "التراث الشفاهي" في ممالك إفريقيا القديمة، ومن ثم نؤكد أن الأساطير لعبت دورًا مُهمًا في تشكيل الأيديولوجية الخاصة بالشُعوب الإفريقية القديمة، وتُراثها الشفاهي الشعبي بصفةٍ عامة. 



ومن ثم تداخلت الأُسطورة في عقائد شعوب المنطقة بشكلٍ عميقٍ، حتى صار من العَسير أن نُحدد ما هو الحدث الحقيقي ضمن الأحداث الميثولوجية. 

 

 

ومن ناحية الأصل اللُغوي، اشتُق لفظ "الأُسطورة" Myth في اللُغات اللاتينية من اللفظ اليوناني: "ميزوس" Mythos. 

 

 

ولفظ الأُسطورة يختلفُ بشكلٍ لا لبس فيه عن مصطلح "الخُرافة" (أي: Fable)، وهو المأخوذ في الأصل من اللفظ اللاتيني "فابولا" (Fabula)، ويُقصد به الحكاياتُ الخُرافية التي تُضفي على الحيوانات نعوت البشر، أما في "اليونانية فيُطلق عليها (أبولوجوس) وتعني "حكاية ذات مغزى أخلاقي". 

 

 

ولا ريب أن ابتكار الميثولوجية أو الحكاية الأُسطورية، ليس في الغالب نتاج فردٍ بعينه، فهي مجهولة المؤلِف ثم تبناها المجتمع، وعلى هذا صارت نتاجًا طبيعيًا له، ومُعبرةً عن ثقافته وتقاليده المحلية. 

 

 

ويرى البعضُ أن الأُسطورة ترتبط دومًا ببدائية المُجتمعات، وكُلما كان المجتمعُ بدائيًا ذاعت بين أفراده أنماطٌ مُتعددة من الحكايات الشعبية، ولهذا صارت الأُسطورة بمرور الزمن جزءًا من الموروثات التقليدية لأي مجتمع. 

 

 

ويعتقد أن "الأُسطورة الشعبية" في إفريقيا تُعبر في الغالب عن حدثٍ تاريخي مُعين وقع بالفعل، ثم تداخلت عليه إضافاتُ الرُواة المحليين من خيالاتهم وتصوراتهم الخِصبة بمرور الزمن، حتى فُقد الحدثُ الذي تقوم عليه في الأصل، بسبب ما زِيدَ بقصدٍ أو دونما قصد، ومن ثم صار لدينا العديد من الروايات المحلية المُتباينة لذات الأُسطورة حسب الجماعات التي ترويها، وكذا حسب الإقليم الذي تروى فيه. 

 

 

وعلى أي حال، فقد ارتبط تأسيس العديد من الممالك الإفريقية جنوبي الصحراء Great Sahra، وتحديدًا في المنطقة التي يُطلق عليها مؤرخو "العصر الوسيط" Medieval Age "بلاد السودان الغربي" بالميثولوجية الشعبية، وهي نمط من أنماط "التراث الشفاهي" الذي نهتم به في هذا الصدد. 

 

 

وقد تم ذلـك الارتباط الوثيق بين إقامة الممالـك الإفريقية من ناحية وابتداع الشعوب الإفريقية الحكايات الميثولوجية من ناحية أخرى، ومن ثم ظهرُ لنا- بشكلٍ يبدو في الغالب عفويًا- ابتكار نمطٍ فريدٍ من أنماط الأساطير الشعبية المحلية، والتي تتوافق بشكل أو بآخر مع ثقافة المجتمع وعاداته وتقاليده، حيث يتسمُ هذا النوع بامتداده وتنوع متونه، وانتشاره بين طبقات المجتمع.

 

 

وتذكر المصادرُ التاريخية أن "مملكة غانة" كانت تتمتع بالثراء والازدهـار، حيث ارتبطت بـ"الذهب" وتجارته أكثر من غيرها من ممالـك غرب إفريقيا، ويُعتقد أن هذه المملكة عُرفت باسم "غانة" لما نزلها المستعمرون البُرتغاليون إبان الحقبة التي شهدت إرهاصاتُ عصر "الكشوف الحديثة" Modern Discoveries، وذلـك في حوالي سنة 886هـ/ 1481م. 

 

 

ولما اكتشف الأوروبيون مناجم الذهب أدركوا مدى ثراء هذه البلاد الهائل، والذي لا نظير له، ولهذا أطلقوا على آرضي غانة اسم "ساحل الذهب" Gold Coast. 

 

 

كما عُرفت بلاد غانة بعد ذلـك أيضًا باسم "ساحل الذهب البريطاني"، وكانت ذلك على الراجح مع قدوم المُستعمرين الإنجليز إلى بلادهم. 

 

 

ويذكر ابنُ حوقل (ت: 350هـ/ 961م): "وغانة أيسرُ من على وجه الأرض من ملوكها، بما لديهم من الأموال المُدخرة من التِبر المثار على قديم الأيام للمُتقدمين من ملوكهم". 

 

 

وعن وفرة الذهب أيضًا في غانة، يقول القزوينـي (ت: 682هـ/ 1283م): "وهي أي: مملكة غانة أكثر بلاد الله ذهبًا، لأنها بقرب معدنهـا، ومنها يُحمل إلى سائر البلاد..". 

 

 

وتُشير بعضُ الروايات من جانبٍ آخر إلى أن التُجار الأجانب الباحثين عن معدن الذهب كانوا يجتمعون في المراكز التجارية بـ"مملكة غانة"، ومن ثم كانوا يعبرون منها إلى باقي أسواق الـذهب الأُخرى.

 

 

وهذا ما يُشير أيضًا إلى تحكم ملوك غانة في "تجارة الذهب"، وكان على هؤلاء تُجار الذهب القدوم إلى غانة لبلوغ غايتهم. 

 

 

ويُشير المؤرخون إلى أن الذهب لم يكن موجودًا في أرض غانة وحدهـا، حيث كانت توجد مناجم أُخرى في المناطق التي تقع بالقرب من تخوم مملكة غانة، ولهذا يقول أبو العباس القلقشندى (ت: 821هـ/ 1418م) في روايته: "لأن بهـا (أى مملكة غانة) وبما وراءها جنوبًا منابت الـذهب". 

 

 

وهذا يعني أن بعض المناجم الأُخرى الشهيرة بـ"الذهب" كانت تقع خارج تخوم هذه المملكة، وتوجد على وجه التحديد جنوب تلك البلاد، غير أنها كانت تخضع في ذات الوقت لسيطرة ملوك غانة. 

 

 

النسر وارتباطه بتأسيس مملكة السوننك القديمة:

كما تتحدث العديد من "الروايات الشفاهية" الغانية القديمة حول تأسيس مملكة السوننك، بأن أهل "مملكة وكد" (وهي ذاتها تعرف باسم "مملكة وجدو" أو "مملكة وجادو")، وهو ذات الاسم الذي أطلق على مملكة السوننك القديمة (مملكة وجدو)، أطعموا نسر حتى نما ريشه بفضل لحم الخيل.

 

 

وقد قاد هذا النسر شعب السوننك لمنطقة وجادو (وكد)، ثم سكنوا هناك في هذه الآرضي الغانية، ثم تذكر الرواية المحلية أو الأسطورة الغانية القديمة، أنهم وجدوا هناك ثعبانًا ضخمًا كأنه فيل، وطلبوا منه أن يسكنوا معه في هذه الأرض، ووافق الثعبان بحسب تلك الأسطورة، بشرط أن يقدموا له قربانا عبارة عن فتاة جميلة بكر من بناتهم كل سنة، ووافقوا على ذلك الطلب الغريب. 

 

متخصص في التاريخ والتراث الإفريقي  

 

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز