في شهر البركة تحدث المعجزات ويدخل العمال إلى الأماكن الممنوعة
رمضان في مارينا
عادل عبدالمحسن
نشرت الزميلة ديانا الضبع، في مجلة "روزاليوسف"، واقعة طريفة منذ أكثر 15 عامًا عن رمضان في مارينا بالساحل الشمالي. بدأ شهر رمضان في مارينا واختفت مع بداياته كل المعالم المارينية، فبالرغم من عدم انتهاء "الموسم"من حيث توفيت مارينا السنوي إلا أنه انتهى فعليا بقدوم شهر الصوم.
اختفت عدسات مصوري مجلات الحفلات والسهرات التي كانت لا تفارق شواطئ مارينا ولا مشايات وأسواق وحفلات مارينا، صارت مدينة غير المدينة، لا تستطيع أن تميزها إلا من أبنيتها، فأتى رمضان ليختفي مع قدومه معظم الشعب المار يناوى ويحل محله شعب آخر وأناس آخرون وممارسات مختلفة، وكأن البلد هبط عليها سكان آخرون، مارينا لا تعرفهم لكنهم يعرفونها جيدا.
فى الصباح معظم الشواطئ مغلقة "لابلاج"وغيره، حتى شواطئ النساء "اليشمك" و"لافام" مغلقة تمامًا لا تجد غير الشواطئ العامة وشاطئ واحد في بورتو مارينا لا تسمع فيه إلا أسماء ماريو ومارينا وفادى.
تجد أسرة جالسة هنا أو هناك في اللوبى أو في الفرندة في انتظار موعد الإفطار، بعض السيدات يقرأن القرآن أمام أطفالهن على حمام السباحة وفى الليل السينما مغلقة.
والبديل موائد رحمن، شنط رمضانية وصلوات تراويح في المساجد، دروس الشيخ محمد حسان بدلا من أغاني نانسي عجرم وهيفاء وهبي في مسجلات الملاهي الخالية من البشر، وفى الصباح معظم الشواطئ مغلقة «لابلاج» ولاغيره، حتى شواطئ النساء "اليشمك" و"لافيم" مغلقة تماما لا تجد غير الشواطئ العامة وشاطئ واحد في بورتو مارينا لا تسمع فيه إلا أسماء جون ومارينا وفادى.
من الطبيعي أن تتساءل لماذا تنصب موائد الرحمن في مارينا؟ هل مثلا سكان بورتو مارينا يتبرعون بها لسكان مارينا2، من المؤكد أن هذا لا يحدث إنما في مارينا يوجد بشر آخرون غير هؤلاء الذين يظهرون على المشايات وينزلون في الفنادق ويقطنون الشاليهات. على مائدة الرحمن في بورتو مارينا التقيت بهؤلاء، عمال مارينا ورجال الأمن وبوابي الشاليهات، مئات منهم اجتمعوا في الخيمة المطلة على البحر، يبدون كغرباء على المكان إلا أنه في واقع الأمر معظمهم يعيشون في مارينا منذ أربع وخمس سنوات يحفظونها شبرا شبرا لكن يندر تجمعهم بهذا الشكل.
يأتون من “الأرض الخلفية” والأرض الخفية ليس تعبيرا بلاغيا إنما هو اسم المكان الذي يقطن فيه سكان مارينا الذين ليسوا "استايل"، يتكدسون داخل الحجرات.
لا ينامون على أسرة إنما على علب كارتون متراصة، معظمهم صعايدة أتوا من قنا وسوهاج وأسيوط. قبل انطلاق مدفع الإفطار بأكثر من ساعة يصطفون أمام خيمة الإفطار الموجودة قرب جراج الفندق، ذلك المكان الذي يمنعون من الاقتراب منه نهائيا في الأيام العادية، لكن في شهر البركة تحدث المعجزات فيتجمعون في المكان الممنوع، بل يخدمهم جارسونات المطاعم الراقية المحيطة.
يؤذن أحدهم لأن صوت الآذان لا يصلهم في بورتو مارينا، ويبدأون في الإفطار بعد غناء يوم عمل شاق من أيام الصيام. هؤلاء ممنوعون من التردد على المشاية أو دخول المحلات، فيقول وليد أسعد 14 سنة، أنه يتمنى لو لبس "شورت وتيشيرت" مثل شباب مارينا حتى لا يتعرف عليه الأمن ويستطيع أن يتجول في المحلات إلا أنه صعيدي ويمكن أن يفتن عليه رفقاؤه الذين هم من نفس بلدته بقنا وفى هذه الحالة سوف يكون في أزمة حقيقية.
عمال مارينا فرحون بالعلاوة الرمضاني
عمال مارينا فرحون بالعلاوة الرمضانية التي يحصلون عليها وقدرها عشرة جنيهات «بدل ترفيه» في اليوم، الشباب ينفقونها في أماكن ترفيهم في مدينة العلمين التي يفضلونها عن مارينا، فهناك يكونون على راحتهم يترددون على المقاهي ويستخدمون الإنترنت ويشاهدون برامج ومسلسلات رمضان، أما الكبار الذين يعولون أسرهم فيدخرون علاوة الترفيه من أجل مصاريف المدارس بالتالي يقضون سهراتهم الرمضانية على الطرق يتسارمرون، أو في مكان مخصص لتجمعهم في الأرض الخلفية.
ربما من يشاهد الهدوء الرهيب الذي تتمتع به مارينا وشواطئها في الصباح قد يأمل بجو رمضاني احتفالي في الليل، فمنذ أسبوعين تقريبا والأجواء الصاخبة لم تكن تفارق مارينا لا في الليل ولا في النهار لكن ما أن ينتهي الإفطار تصمت مارينا تمامًا، وكأن أحدهم فصل عنها الكهرباء، حتى في الفنادق لا تجد غير الموظفين والعاملين وفى المطاعم لا يوجد غير بضعة أفراد متناثرين ومعظمهم ليسوا مارينيين.
فهناك يجلس شريف عبدالمنعم، موظف أمن خريج كلية التجارة جامعة الإسكندرية مع زميله أحمد جاد طالب كلية الآداب في رمضان يتسامران، شريف لا يفضل أن يقضى ليلته الرمضانية في مارينا، هو لا يحب مارينا من الأساس فهو حين قبل وظيفته، براتب 500 جنيه، ظن أن أبواب الجنة قد فتحت له، ففي الفندق الذي يعمل به سوف يقابل مشاهير المجتمع الذين سوف يجدون له وظيفة ملائمة لشهادته بالتأكيد، وبالفعل التقى شريف بكل الإعلاميين: تامر أمين وعمرو أديب ومفيد فوزى ودائما أوراقه تكون جاهزة، السيرة الذاتية وصورة البطاقة، لكن لم يرد أحدهم عليه حتى الآن، أما الوزراء فيستحيل اختراق الأمن المحيط بهم والوصول إليهم، كاد شريف أن يفقد الأمل، وفى رمضان لا يتردد أي من هؤلاء على الفندق بالتالي فهو يفضل قضاء ليلته الرمضانية وتناول السحور في مكان آخر غير مارينا.
في الشانزيليزيه لا يوجد إلا بعض الحبيبة والأسر التي جاءت من الإسكندرية لقضاء سهرة رمضانية هناك، ففي ذلك الفراغ الماريناوى لا يسأل أحد عن «باصات للدخول» ولا يطالبك أحد بدفع تذكرة، ويجلس موظفو الملاهي التي لا يوجد بها حتى طفل واحد حول المائدة على المدخل يستمعون إلى شريط للشيخ محمد حسان.
فيقول محمد أحد موظفي الملاهي: إنهم في رمضان يستعمون إلى شرائط حسان لأن أئمة جوامع مارينا "يكروتون" صلوات التراويح، يقدمونها لأهل مارينا "تيك أواى" مما لا يشبعهم روحيا ولا يكفيهم، ويستطرد، إمام المسجد يؤم صلاة التراويح كلها في ثلث ساعة ولا يعطى فرصة للمصلين بأن يتأملوا بين الركعة والركعة، ويؤكد محمد أن هذا يتم بناء على رغبة سكان مارينا الذين يحرصون على صلاة التراويح.
وفى مسجد مارينا 2 التقيت بالشيخ مصطفى محمد إمام المسجد الذي أنار لنا المسجد خصيصا وكان ذلك بعد انتهاء موعد صلاة التراويح دقائق، يقول الشيخ مصطفى أن معظم من يترددون على المسجد في رمضان هم من العاملين والموظفين وأن نسبة السكان قليلة وذلك رغم تأكيده للمصلين ولسائليه على أن قضاء شهر الصوم في مارينا لا حرمانيه فيه، فبيوت الله موجودة في كل مكان وبيوت الله في مارينا مثل بيوت الله في القاهرة لا فرق بينها.
يقول الشيخ إن بعض نزلاء مارينا الذين لم يغادروا في رمضان حرصوا على التبرع بتمر ومختلف الفواكه للمسجد كما تبرع بعضهم بملابس للرجال والنساء لآداء الصلاة، وذلك لأن بعض بنات مارينا يدخلن المسجد بالبنطلون وبعض الشباب يدخلون بالشورت فيجدون ملابس تسترهم أثناء أداء الصلاة.
وعلى الرغم من أنه يصعب على العاملين في المطاعم أن يتركوا أماكن عملهم للذهاب للصلاة، إلا أنهم يحبون جو اللمة على الإفطار في رمضان.
ولا يؤثر عليهم انخفاض نسب المبيعات، بل يتجمع كل يوم عمال مطعمين أو ثلاثة ويفطرون من طعام أحد مطاعمهم، فالإفطار الجماعي هذا يعيد لهم بعض ذكريات رمضان العائلية التي يفتقدونها في مارينا.


















