عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
رمضان زمان
البنك الاهلي

أهلا بالعيد .. رمضان ولّى. فماذا بعد؟

صلاة العيد
صلاة العيد

نشرت مجلة "روزاليوسف"، مقالًا منذ 40 عامًا  للكاتب الصحفي رزق هيبة، تحت عنوان " رمضان ولّى. فماذا بعد؟"، قال ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا".



 

 

 

 وكان أعظم تكريم لبنى آدم أن يهبهم الله العقل الذي هو مناط التكليف بالعبادات، وعلى أساس من وجوده يكو ن حساب الإنسان على ما قدم وأخر، وبه كان الإنسان على نفسه بصيرة، فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه، ومن ضل فإنما يضل عليها، وما ربك بظلام للعبيد.

 

مظاهر الهداية هو أداء الفرائض

وكان المظهر الأول من مظاهر الهداية هو أداء الفرائض التي فرضها الله على المؤمن، وقال عنها في حديثه القدسي: " ما تقرب إلى عبد بأحب مما افترضت عليه "، تلك الفرائض التي تتمثل في الصلاة والصيام والحج والزكاة، وتكون هي والشهادتان، بناء الدين وأركانه، يؤديها المؤمن تطهيرا للروح وتهذيبا للنفس ووفاء بحق الله سبحانه وتعالى فيما أمر، وشكرا له جل شأنه على ما أنعم.

 

ولقد تنوعت تلك الفرائض بحيث ى كون لكل منها ثمرته المعينة. فإذا أديت حق الأداء أتت ثمرتها، وعادت على المؤدى بالمقصود منها، إذ هي فرائض لم يأت بها الإسلام لكي يحمل الإنسان المشقة البدنية والمادية لذات المشقة في مظهرها الجسمي والمادي، ولكنه سبحانه يعلم أن هناك من النتائج ما يعود على عباده بكل الخير والبركة والسعادة والفلاح، وهو جل شأنه غنى عن العباد وما يودونه من أشكال العبادات والطاعات، والقربات والأضاحي «لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوا منكم، كذلك سخرها لكم، ولتكبروا الله على ما هداكم وبشر المحسنين”.

 

ولتلك الفرائض الأربع فلسفاتها ومعانيها فالصلاة والصوم عادتان بدنيتان خالصتان لهما وظيفتهما في تعود الإنسان على الصبر والجلد وقوة التحمل، والزكاة عبادة مادية تتصل بالمال، ولها وظيفتها التي تتصل بالتعليم الإنسان كيف يكون كريما سخيا مؤثرا على نفسه. والحج يجمع بين ما هو مادي وما هو بدنى، وكأنما ليشير إلى ضرورة التوازن والاعتدال بين جناحي هذه الحياة الدنيا فلا تطغى روحانية على مادية فتتخلف خلافة الإنسان في الأرض لتعميرها، ولا تطغى مادية على روحانية، فيكون الدمار والخسران والبوار، وكأنما يحمل الحج بذلك تلك الإشارة القرآنية في قوله تعالى: «وكذلك جعلناكم أمة وسطا» تتميزون بوسطيتكم المعتدلة في كفتى ميزان الروح والمادة.

 

وبتلك الفرائض تكمل دائرة الإيمان الحق بكل ما يترتب عليه من مصاعب ومشاق وما يصاحبه من سعادة لا تدانيها سعادة الدنيا كلها، إذ تشيع بين الجوانح هدوءً نفسيا وراحة بال واطمئنان وجدان.

 

والمعلوم لكل ذي قلب سليم، أن الإسلام لا يعنى بالشكل فحسب فيما يكلف به المسلمين، ولا يرمى إلى مجرد أداء العبادات في شكل رسوم وحركات تنم عن العادة فقط، وإنما يريد الإسلام توجيه الروح واستقامة النفس وتهذيب الفرد وصلاح المجتمع، يريد جماعة غير مفسدة ولا عابثة. لذلك كانت العبادة في الإسلام طريقا لحياة إنسانية كريمة، وليست مجالا لمظهر خارجي فالعبادة التي تؤدى شكلا ومضمونا لابد أن تستقيم معها النفس على الصراط ولا تنتهي آثارها بانتهاء موسمها.

 

وقد انتهى رمضان الذي كان موسما للقرب من الرحمن، فهل ينتهي بانتهائه الضمير الحي، والنفس الراضية والقلب المطمئن، والوجدان الهادئ؟!.

 

إنه سؤال يكمن جوابه في طريقة حياة المسلم فيما بعد رمضان، لأن سلوك الإنسان آنذاك سيكون هو الدليل على قيمة صومه ونتائجه الممتدة إلى ما بعد رمضان، هل كان مجرد صوم عن الأكل والشرب، أو كان إعدادا وتهيئة لظروف الحياة المختلفة، والصوم الصحيح هو صوم الإعداد والتهيئة، ولذلك تنصح السنة النبوية بصوم ثلاثة أيام من كل شهر حتى يكون الإنسان دائما على أهبة عملية لاستقبال أحداث الحياة في كل وقت بنفس المطمئن المؤمل غير اليائس المستسلم عند مفاجأة الأحداث له.

 

 

عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوم ثلاثة أيام من كل شهر ورمضان إلى رمضان صوم الدهر كله"، أي أن المسلم ينتفع بذلك انتفاعه بصوم الدهر كله، يعنى أن روح الصوم تلازمه، وهي روح القوى بالإيمان الذي يواجه الأحداث في شجاعة، والذي مرن على أن يعطى من نفسه وأن يحكم نفسه فيحرمها مما تهوى ليتغلب على ما يذله ويستعبده. إن حياة الإنسان حلقات متتابعة متواصلة فالذي يؤديه اليوم من خير ينبغي أن يكون مقدمة تستتبع خيرا آخر، وما يقع من تجربة نافعة يجب أن يستمر أثرها إلى ما بعدها، وحياة ما بعد رمضان يجب أن تكو ن متصلة بآثار هذا الشهر المبارك، إلى أن يستدير العام وتحل مواسم الخير والعبادات والقرب من الله رب العباد.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز