

وائل سامي
365 يوما تحت أقدام أبى
رغم إيماني بالقضاء والقدر، وأن الموت هو الحقيقة الوحيدة في حياتنا، ولكن ألم الفراق يترك جرحًا في القلب ويجعل اللسان عاجزًا عن التعبير والوصف.
ومن دون الكثير من المقدمات لأنها لن تكون كافية لوصف ما بداخلي، لقد عشت أصعب سنة في عمري تحت أقدام والدي الحبيب رحمه الله ما بين العيادات والمستشفيات ومعامل التحاليل والأشعة إلى أن فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها في أعظم يوم وأعظم الليالي في العشر الأواخر من شهر رمضان المعظم وهم ليالي العتق من النار، جعلنا الله وإياكم من العتقاء من النار.
ليست الصعوبة التي أتحدث عنها هي ما قمت به أنا وإخوتي وأمي حفظهم الله من خدمة ورعاية أبي في مرضه، لأن ذلك أمر واجب لا نقاش فيه، ولكن الصعوبة التي أتحدث عنها هي معاناة أبي وآلامه في رحلة مرضه، التي كان يخفيها عنا ويتحملها دون التحدث عنها حرصا منه على ألا يقلقنا وحفاظا على مشاعرنا من الحزن عليه، ولكننا كنا نشعر به ونتألم لآلامه ربما أضعاف ما كان يشعر به، ونحن أيضًا كنا حريصين على ألا نشعره بآلامنا وحزننا ونحاول أن نتصنع الابتسامة على وجوهنا، متمسكين بالأمل في الله سبحانه وتعالى، وأنه قادر على كل شيء وأنه لا شفاء إلا شفائه والأطباء ما هم إلا مجرد أسباب والشفاء من عند الله وحده.
الأب كيان عظيم واستثنائي ووالدي- رحمه الله- كان استثنائيًا في كل تفاصيل حياته، وحتى يوم وفاته كان استثنائيا ومميزا، وأكرمه الله وأكرمنا بوفاته في ليلة الجمعة وليلة الحادي والعشرين من رمضان.
وكان والدي محبًا للحياة لا لأنه يحبها لذاتها ولكن لأنه كان كأي أب مصري يحب أسرته وتربطه قصة حب كبيرة وغير تقليدية لمدة ٥٠ عامًا مع والدتي وكان يخاف عليها من الهوى ويغار عليها رغم السن ويحترمها ويقدرها، ولم يحرمها أو يحرمنا أو يحرم أحفاده من أي شيء لأنه كان كريما، حنونا، طيبا، مكافحا منذ طفولته وحتى مرضه.
ترك والدي الغالي لنا ثروة كبيرة أغلى وأهم من المال وهي (الحب) حيث علمنا كيف نحب بعضنا البعض ونتقي الله سبحانه وتعالى ونحب الخير للغير ونحب الحياة ونحب لقاء الله، كما غرس فينا والدي معاني (الرجولة) وحب العمل والكفاح واحترام الذات واحترام الأخرين وكيفية انتقاء الأصدقاء وأن نتقى الله في كل عمل وفى كل كلمة وعهد ووعد وألا نخاف إلا من الله خالق الخلق.
ولأن الرجل الصالح يرزقه الله بزوجة صالحة، وقفت أمي بـ١٠٠ راجل خلف أبي في مرضه دون كلل أو تأفف أو تذمر، وتحملت الكثير في رحلة آلام حبيبها الذي هزمه المرض في النهاية ليغيب عنا بجسده وينتقل إلى الرفيق الأعلى في أيام مباركة ويبقى بيننا بروحه وبما غرسه فينا.
الأب هو البطل الأول في حياة الأبناء وهو الحب الأول الصادق الذي لا ينضب ولا يتبدل ويظل في الوجدان والعقل إلى نهاية العمر ولن يكرره الزمن.
وهو قيمة كبيرة وبحر عطاء لا نهاية له يستحق أن نصنع له تمثالا من ذهب وذلك أقل مما يستحق.
والأب هو الوحيد في الحياة الذي يأخذ من نفسه ليعطيك، وقد لا يكون أعطاك كل ما تتمناه لكن تأكد أنه أعطاك كل ما يملك.
في النهاية كلنا إلى الله راجعون وعلينا أن نكون حريصين على أن ننال حسن الخاتمة بطاعة الله ورسوله الكريم والصبر عند الابتلاء والعمل الصالح رزقنا الله وإياكم حسن الخاتمة.