عاجل
الأربعاء 1 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
هل هذا ديننا؟

هل هذا ديننا؟

بقلم : د. صلاح الدين محمد

منذ نعومة أظفاري وأنا مثلي مثل باقي أطفال جيلي، نتعلّم القراءة والكتابة قبل دخول المدارس ربما بسنة أو سنتين، ومما لا شكّ فيه أن نشأتنا الأولى اقترنت بحفظ ما تيسّر لنا من القرآن الكريم، فكنّا نحفظ آيات لا نعي معانيها، ونكرّرها حتى تثبت، وكنا نمسك كتابًا لا نعرف عنه شيئًا حتى ما تيسّر من التفاسير.



صاحبت نشأتنا تلك عوامل تربويّة كانت حجر الأساس ممن تربينا على أيديهم. الأم والأب. كان آباؤنا رقيقي الحالي متواضعي التعليم، ولكن كانوا يعلموننا أشياء صنعت منا المواطن الصالح بالمفهوم العام. فكانت مسألة الحرام والحلال نُحاسب عليها حسابًا عسيرًا، وكانت كلمة العيب أشهر كلمة في معاجمنا اللغويّة. حتى نشأنا نشأة حاسمة مع بساطتها.

الحق والعدل كانا من المرادفات التي ملّت آذاننا من سماعها. فما أكلنا من طعام حتى قسمناه بالعدل بيننا، وما حصلنا من مصروف يومي إلا وحصلنا عليه بالحق وأنفقناه كذلك. تربية بسيطة ولكنها مركزة فهم آباؤنا البسطاء مغزاها وأساليبها. رغم أنني ممن دَرَسَ نظريات التربية من إحدى الجامعات، إلا أن هذه النظريات تبعثرت عن بكرة أبيها عند أول مولود وهبنا الله إياه، ناهيك عن المولود الثاني والثالث للدرجة التي غالبًا ما نتساءل، كيف قام آباؤنا البسطاء بتربيتنا جميعًا بهذا القدر من الحرفيّة، وكأنهم موهوبون بالفطرة، وهذا لا شكّ ينطبق على آباء جيلنا لتشابه مُخرجات التربية في هذا الجيل.

كانت بساطة نشأتنا سببًا في تديّننا، البسيط في شكله القويّ في مضمونه. نشأنا على الدين الحنيف فحفظنا ما تيسّر من القرآن وتعلمنا عن السنة ما علمنا، فعرفنا الله ببساطة وفطرة طفل، وعرفنا رسولنا وأحببناه على ما سمعناه عن سيرته وخلقة العظيم. حتى تقدّم بنا العمر، ووجدنا أن على الساحة فِرقًا وشِيعًا ومذاهب وطُرقًا وأصحاب فكر يذمّ بعضهم بعضًا، ويُسفّه أحدهما عقيدة الآخر بل ويُكفّر بعضهم الآخر وهم من المسلمين!

لم تكن نشأتنا كذلك، فقد حمدنا الله على نعمة الإسلام، ولكن أي إسلام؟ أهو إسلامي أم إسلام غيري؟ أهو إسلام السنّي، أم الشيعي، أم اليزيدي، أم الشافعي أم المالكي، أم الحنبلي أم الوهابي، أم السلفي أم الإخواني؟ وكيف يكون إسلامنا واحدًا وسُبُلُنا شتى تصل بنا إلى حدّ تكفير الآخر؟ وأسوأ ما في الأمر أن تجد من يسعى لتقريب المسافات بين أبناء الديانات المختلفة، ولا تجد من يسعى حثيثًا لتوحيد فرقاء الدين الواحد.

لا أدري كيف أن الدين واحد وهو بنصّ الآيات التي يحفظها جُلنا من أن الله واحد، وأن الدين قد اكتمل ورضي الله لنا الإسلام دينًا، وشهدنا على ذلك، ثم نختلف. وأي رسالة يُمكننا كمسلمين مع اختلافنا هذا أن نرسل بها إلى من يرغب في الدخول إلى الإسلام؟ أذكر أن جدلاً صار بيني وبين صديق لي غير مسلم في الولايات المتحدة، وكنت أتمنّى أن يدخل في الإسلام، ولكني لم أبذل جهدًا في ذلك حتى لا أبدو كالمُنافق الذي يتحدّث عن مزايا الإسلام ويغضّ الطرف عن مساوئ المسلمين. كانت فترة غزو العراق للكويت في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وكانت أحوال المسلمين سيئة، وانقسم الشارع العربي بين مؤيّد لضرب العراق ومُعارض لغزوه للكويت، وفي ذلك قصص وحكايات لا يتسع المجال لعرضها، ولكن المشهد العام كان الشكل المُزري للمسلمين العرب وغير العرب في الولايات المتحدة. انقسمت الفرق المسلمة بأسوأ ما يمكن أن تبدو عليه وكان سبب الانقسام مذهبيًا في الأساس بحيث كانوا أشدّاء على بعضهم بعضًا بشكل كريه، وكنت أنظر لمن حولي من المسلمين خاصة العرب منهم، أجد ما يحتاج إلى تحليل نفسي وتبرير عقلي، إلا أنني لم أنصاع لمشاعري، وكنت أنظر إلى الأمور عن بُعد حتى أميّز الخبيث من الطيّب وحتى لا أنحاز لفئة دون أخرى أو رأي دون آخر. آثرت السلامة وتوصلت إلى قناعة مفادها أن هؤلاء المسلمين إن كانوا على دين واحد فلا يمكنهم الاختلاف، وإن كانوا في شقاق، فهم لا يدينون بنفس الدين، وآثرت الانسحاب في حيرة من أمري بعد أن أصابني الشك في عقائد الناس، وحرصت على أن أتمسّك بدين لا فِرَقَ فية ولا شيع ولا مذاهب ولم أتحمّس مطلقًا لعرض ديني على غير المسلمين بسبب الأنموذج السيء الذي تركه فرقاء المسلمين بما يُنفّر دخول غيرهم في الإسلام. قرّرت أن أبقى على حالتي الأولى، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وأقيم الصلاة وآتي الزكاة وأصوم رمضان وأحجّ البيت متى الاستطاعة، وأن ألتزم بما تعلمته من حسن المعاملات، وأن أكفر بكل ما دون ذلك وألا أسمح لأحد أن يُزايد عليّ في عقيدتي فهي بيني وبين ربي فقد بلغتُ اليوم رشدي.

لا أدري كيف امتلأت الفضائيات بأناس يتحدّثون باسم الدين وكأنهم على يقين أنهم الفرقة الناجية دون غيرها، وأن معهم صكوك الغفران لشباب ترك لهم عقولهم وآذانهم فخرجوا علينا بفكر لا يُخاطب الفطرة ولا يقتدي برسول بل يأخذ من أناس لقبّوهم بشيوخ الإسلام تارةً والأئمة تارةً أخرى، وأخذوا منهم دون ردٍّ، فكان الغلو والتطرّف خاصة إذا التقى الفكران لا تخرج من تباينهما إلا باعتقاد راسخ أن اختلافهما ليس رحمة، فكل من هبّ ودبّ اعتلى منصة الفتوى وأصبح لدى الكثير من الشباب إماماً وقدوة ومع ذلك فهم فرقاء فيما يفتون به متشدّدون فيما يدعون إليه مختلفون في مقاصدهم، فشاعت الفتاوى وتفرقت السبل ولا أدري من هؤلاء، وأين هم ذاهبون بديننا الحنيف؟!

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز