عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (4)

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (4)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

توقفنا من قبل عند طرح السؤال الأهم على الإطلاق وهو ... لماذا خلق الله البشر ، وما هي المهمة التي اختارها الله لهم ؟؟ ولماذا استحقت هذه المهمة كل هذا الإجلال والاحترام والتبجيل الذي بدأ بسجود الملائكة (أفضل خلق الله المقربين) لهذا المخلوق ؟؟ بل ما هو جلال هذه المهمة الذي استدعت أن يجعل الله الملائكة مكلفين ومأمورين بحفظ هذا المخلوق ورعايته ، والدعاء له والاستغفار له ، بل ومعاونته أحيانا في مهمته ؟؟ وهل هذه المهمة هي أداء الفروض والمناسك والشعائر مثل (أداء الصلاة والزكاة والصيام والحج وذكر الله) ؟؟؟ ، ولو هذا صحيحا ؟؟ أليست السماء والأرض مليئة بملائكة ساجدين راكعين ومسبحين بحمده سبحانه إلى يوم الدين إضافة لحملة العرش ؟؟ وأليس كل هؤلاء يقيمون المناسك والشعائر أفضل ملايين المرات من هذا المخلوق المتخبط والحائر والضعيف ؟؟ ... إلا إذا كانت المهمة تختلف جوهريا عن أداء فروض أو مناسك أو شعائر ، فما هي هذه المهمة التي ذكرها الله في قرآنه العظيم ، والتي نحن مصرين على تجاهلها ومستمرين في ضلال ما زورنا من مفاهيمه إتباعا لأهوائنا وشهوات نفوسنا .



بداية .. خلق الله فئات عديدة من الخلق وجعل لكل فئة مهمة عبودية خلقها الله من أجلها ، وفئة الخلق الواحدة تشتمل على أنواع متعددة ، فمثلا فئة القطط تشتمل على أنواع متعددة مثل الهرة والنمر والفهد والأسد ، وفئة الكلاب فيها أنواع الكلاب والذئاب والثعلب والضبع وهكذا ، ولكن في فئات الخلق الأعلى خلق الله فئات مرتبطة بالمهمة مثل فئة الخدمة مثل التراب والماء والسحاب والماء والسديم والكواكب والأجرام السماوية وغيرها الكثير ممن لا يملكون إرادة الفعل ولكنهم مسخرون في خدمة حركة الحياة في الكون ، كما خلق الله فئة الخزنة وهم الموكولين بخزائن السماء والأرض ولا يملك بشرا الوصول لشيء من كنوز الكون إلا أن يأذن الله فيفتح الخزنة أسرار هذه الخزائن ، وإلا لفتح المصريون كنوز البترول والذهب والغاز منذ عقود طويلة مضت ، وخلق الله أيضا فئة الحفظة والتي نعرف منها أن كل نفس بشرية جعل الله لها حافظا لقوله تعالى .. {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ }الطارق4 ، ثم خلق الله الرسل وهم فئة من الخلق مهمتهم توصيل الرسالات والأقدار المقضية من السماء للأرض ثم إعادة تبليغ تمام حدوث القضاء في الكون وعلى الأرض إلى السماء ، وكذلك من الفئات التي أخبرنا الله عنها هي فئة حملة العرش وهناك فئات خلقها الله ولا نعلم عنها شيئا { .. وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }النحل8 ، ثم خلق الله فئة مميزة عن كل هؤلاء هم فئة العمار وهم من يعمرون كونه بأمره وبعلمه ومنهم الجن والذين كانوا مستخلفين قبل الإنسان على الأرض ليعمروها ، ثم اختار الله من كل فئة مجموعة مقربة إليه أسماها الله الملائكة والتي كان ينتمي إليها إبليس قبل أن يكفر ، وهو ما يهدم ادعاء البعض بأن الملائكة خلقها الله من نور، لأن فئة الملائكة كما تفهمها من القرآن هم مجموعة مقربة من الله ومنتقاة من شتى فئات وأنواع الخلق لارتقاء شأن عبوديتهم وطاعتهم لله تعالى .

وعبر تاريخ الكون تكرر خلق الله لمن يعمر كونه وأرضه ولذلك رأينا تعليق الملائكة وردهم على الله عندما أبلغهم الله ملائكته بقراره الرباني بخلق خليفة جديد على الأرض كما أنزل الله في قرآنه العظيم .. {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }البقرة30 ، فالخليفة كما رأت الملائكة من قبل اعتاد أن يفسد في الأرض ويسفك الدماء ، ولكنها مشيئة الله التي أقرها بقوله تعالى (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) ، فالإنسان خلقه الله من فئة العمار بوظيفة ومهمة عبودية واحدة لا ثاني لها وهي إعمار الأرض بما يأمره الله ويعلمه ، وهي المهمة التي استحق عليها آدم أن تسجد له الملائكة بل ويسخرها الله له لتدعو وتستغفر له وتعاونه بإذن الله ومشيئته فهو صاحب مهمة جليلة وعظيمة ، وقد بدأ عداء إبليس وقبيلته وهم الكفرة من الجن منذ لحظة رفضه السجود لآدم مع الملائكة وهي اللحظة التي اعتبر إبليس فيها أن خلق الإنسان واستخلافه على الأرض كان سببا في كفره وخروجه من رحمة الله ، فناصبه العداء واستأذن الله أن يغويه ويوسوس له ليثبت أن ابن آدم ليس جديرا بالاستخلاف على الأرض فأذن الله له ، فأقسم بعزة الله ليغوينهم أجمعين قائلا .. {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ }ص82 ، فأقسم الله تعالى لإبليس لعنه الله { وعزتي وجلالي لأغفرن لهم ما استغفروا .. } ثم أنزلها في كتابه العزيز بقوله تعالى .. {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }الزمر53 ، ولعلم الله الخالق سبحانه وتعالى بضعف ابن آدم وكونه عرضة لأعداء ثلاثة هي (شهوات نفسه - وسوسة إبليس - فتن الدنيا) فرض عليه (مناسك وشعائر) توقف سيل شهواته وتغفر له ما سلف وتجعل الاتصال بينه وبين الله قائما حتى يكون له وقاية من الانزلاق في الذنوب والأخطاء والتي تطورت عبر الأمم والرسالات وانتهت لتصبح في صورها النهائية عند المسلمين { صلاة - زكاة - صيام - حج - ذكر لله) وكلها أدوات ووسائل حماية من انزلاق ابن آدم وتورطه فيما يغضب الله ، وفهم المسلمون الأوائل ذلك عن رسول الله شفاهة فجدوا في طلب العلم والاكتشافات والتطور واجتهدوا وكدحوا حتى أحدثوا طفرة علمية غير مسبوقة في التاريخ البشري في عقود قليلة وأصبحوا سادة الدنيا بعلومهم وتقدمهم وتطور وسائل حياتهم وظلوا على قمة الحضارة وسادة للدنيا أكثر من ثمانية قرون ، ولكنهم عادوا لحرفة الضلال ، وإذا بابن آدم محترف الضلال والبهتان (عشقا في الكسل والاستزادة من المتع دون تعب) يقرر كذبا وزورا أن العبادات ليست هي إعمار الأرض ، ولكنها فقط في الفروض والمناسك والشعائر فأهمل المسلمون العلم والعمل والتطور فهانوا على الله وأهانهم بين خلقه ، وأسقطهم .

ولم يقف المسلمون عند هذا الحد المزري ، بل ادعوا أن العلم المفروض فرض العين هو العلم الشرعي (الفروض والحدود) والمبني على أقل من 3% من القرآن وأهملوا ما كان سبب في سيادتهم للعالم والدنيا وهو العلوم البحتة والتي تمثل أكثر من 50% من آيات القرآن ، وزادوا (الطين بلة) فزوروا جميع المفاهيم الأساسية لدين الله ، فتحول الدين لحركات ومظاهر وأشكال لا تناسب الزمان والمكان ، فسقطوا وأهانتهم الدنيا فهبوا بمنتهى الحماقة والغباء ينادون بالعودة للدين وقرروا أن تكون العودة بتقليد ملابس وأشكال البشر ليس في عهد رسول الله ولكن في عهد ما قبل رسول الله فأطلقوا اللحى شعثاء غبراء تخيف الناظرين وألبسوا نساءهم نقاب (العار اليهودي) مدعين أن هذا هو الدين ، وعندما أقيمت عليهم الحجة ظهر شركهم الواضح بالله في قولة الحويني الشهيرة (أعلم أن الله أمر بتغطية أرجل النساء ولكننا نرى أن تغطية الوجه أولى من الأرجل) ، فهم يرون أفضل من الله وحريصون على دينه أكثر منه سبحانه ، وتلك كانت هي محاولاتهم الحمقاء والغبية لاستعادة مجد الحضارة الضائع ولكن بالجهل والتخلف والتنطع ، وتعلم منهم الغرب كل أساليب الرقي البشري واستكملوا طريق العلم الذي حاد عنه المسلمون فأصبحوا سادة للمسلمين والدنيا كاملة بفضل ما قدمه المسلمون الأوائل من علوم ورقي وتحضر وهو ما لا ينكره المنصفون في الغرب وتشهد به أسس العلوم بمسمياتها وألفاظها الثابتة والتاريخية.

وكان للماسونية (الكابالا) برجالها المندسين بين المسلمين بداية من القرون الوسطى وحتى اليوم سواء كعلماء دين أو دعاة أو حتى حكاما أكبر الأثر في طمس المفاهيم الأساسية للدين في نفوس وعقول العامة والخاصة والتي على رأسها الهدف الأوحد لخلق الله للإنسان على الأرض والمهمة الحقيقية المكلف بها عليها ، ثم معنى الدين نفسه ، واستغلوا علوم التفسير ليشوهوا فهم كثير من الآيات مثل قوله تعالى .. {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ، وادعوا كذبا أن أداء مهمة العبودية لله والتي هي العبادات مقصورة على الفروض والمناسك والتي لم يسمها الله مطلقا في كتابه العزيز بالعبادات ، ثم أغلقوا كعادة البشر أبواب الفهم والاجتهاد على علماء ماتوا منذ أكثر من ألف سنة بل وجرموا أية محاولة للفهم أو التصحيح وأطلقوا عليها مسميات البدعة والضلالة والزندقة حتى يضمنوا القضاء على أي أمل في الفهم والتصحيح ، واستمرءوا النتائج المباشرة لتزوير مفهوم الإعمار للأرض من كسل ونهم للاستمتاع بشهواتهم عبر فتاوى الملل والفرق والجماعات التي خربت مفاهيم الأخلاق والفطرة حتى سقطوا في مجاهل التخلف والانقسام والصراعات وأصبحت بلادهم مثل أخلاقياتهم المنهارة آيات في التخلف والقذارة والعشوائية والدجل والسحر والخرافات ، ومن تدمير وطمس هذا المفهوم الأساسي كان لابد وأن يستمر مسلسل تزوير وطمس مزيد من المفاهيم الأخرى الهامة والأساسية ليظل التخلف جاثما على النفوس والصدور ، وهو ما حدث عبر تاريخ طويل من السقوط والتردي للمفاهيم والحضارة والتي سوف نستعرضه لاحقا ...
 
 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز