عاجل
الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (8)

تسقط الأمم .. بتزوير المفاهيم (8)

بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر

من خلال استعراضنا سابقا لما تم تزويره من مفاهيم عبر تاريخ البشرية اكتشفنا أن أكبر ضلالات البشر وبهتانهم ، هو ما سقط فيه المسلمون ، والذي يصرون عليه علانية رغم وجود كتاب محفوظ بين أيديهم يكذب ما يدعون ولكنهم يرفضون إعمال عقولهم أو محاولة فهمه وتدبره ، وليس غريبا أن نكتشف أن المسلمين سقطوا استجابة لمن تعمد إسقاطهم في تزوير مفهوم رئيسي واحد كان هو الأساس لكل تزوير وبهتان في مفاهيم أصحاب القرآن ، وكان سببا في انقسامهم وتخلفهم وهوانهم على الدنيا واستعباد غيرهم لهم ولثرواتهم ومقدراتهم ، وقد كان هذا المفهوم محصورا في حقيقة (مهمة العبودية لله) والتي أسماها الله في كتابه العزيز بالعبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56 ، والتي منها ابتدع المضللون مرادف (العبادات) ، والتي في حقيقتها هي (الأمانة) وهي المهمة المقدسة التي خلق الله من أجلها الإنسان وهي (إعمار الأرض بالعلم والعمل كخلفاء لله عليها) ، فمن الادعاء زورا وبهتانا أن العبادات هي أداء الفروض والمناسك والشعائر فقط ، زوروا علوم الله في القرآن وادعوا أنها فقط هي علم الفروض والحدود وأسموه بـ (العلم الشرعي) وجعلوه فرض عين على كل مسلم رغم هذا العلم لا يتجاوز 3% من علوم القرآن ، فأهملوا علوم الله البحتة المذكورة في القرآن لإعمار الدنيا ، والتي سادوا بها الدنيا لقرون عشرة ، ومن هذا التزوير ومن شعورهم أنهم فقط أصحاب المناسك والشعائر المتكاملة ، ادعوا أن من مات مسلما بمفهومهم القاصر على (تابعي القرآن) هم فقط من يدخل الجنة ، فادعوا أنهم خاصة الله وأمته المميزة (مثلما فعل غيرهم من قبلهم) ، ومن تزوير علوم الله وقصرها على ما أسموه (العلم الشرعي) جعلوا لمن يتخصص في هذه العلوم قدسية وقدورا فوق قدور العامة وأسموهم علماء ورجال الدين وجعلوهم أوصياء عليهم ، بل هناك من يعتبرهم فوق البشر وأولياء لله رغم أن الإسلام كدين شامل متكامل ينفي وجود ما يسمى برجال للدين ، ولم يتوقف ضلالهم عند هذا ، بل اختلفوا في تفسيرات آيات الفروض والحدود واختلفت تصوراتهم لفرعياتها واحتمالاتها وأحوالها فقسموا الدين لمذاهب وملل ونحل وانقسم العامة تبعا لهم لفرق وجماعات ، ومن حصرهم معنى الدين زورا في أداء المناسك والفروض زوروا معنى الدين الشامل لمنهاج حياة الإنسان وإعماره للأرض ، واستتبع ضلالهم تزويرا كاملا لمعان وتفسير الكثير من آيات القرآن.



فبرغم أن المسلمين يقرءون في كتابهم كل يوم قول الله تعالى .. {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13 ، إلا أنهم ما زالوا مقتنعين أنهم فقط هم خاصة الله وأوليائه ، ورغم أنهم يقرءون قول الله تعالى .. {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }البقرة62 ، ولكنهم ما زالوا مصرين أنهم أصحاب الجنة وغيرهم في النار ، بل ويدعون أنهم مهما فعلوا فلن يدخلوا النار سوى أياما معدودة ، رغم أنهم يقرءون قول الله تعالى .. {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ، بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـئَتُهُ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }البقرة80 ،81 ، ومن الغريب أيضا .. أن الله في قرآنه كرر تحذير الإنسان من الانتماء لفرق أو جماعات بل وأعلنها سبحانه في (سورة الروم) ببلاغ حاد وقاطع للمسلمين بأن من يتبع الفرق والجماعات فهو من المشركين صراحة ولفظا .. بقوله تعالى .. { .. وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ } ، ولكن .. نكتشف أن قطاعا كبيرا ممن يسمون أنفسهم رجال الدين ومعظمهم من الأزهريين هم بالفعل ينتمون لفرق وجماعات منها الصوفية ومنها الوهابية ومنها الشيعية والإخوان والسلفية والسنية ، وكأنهم لا يقرءون القرآن ، أو قل أنهم يفضلون إغماض القلوب والعيون والمفاهيم من أجل الحفاظ على مكاسبهم ومناصبهم وتميزهم على العامة ، وهو في النهاية استكمالا واستمرارا لبهتان تميز البعض على سواهم من البشر .

ورغم أن القرآن دوما يعلو من قيمة الإنسان كبشر له قيمته المساوية لغيره مهما كانت فوارق الحياة ، ورغم أن القرآن أيضا يذكر الإنسان أنه ليس بينه وبين الله حجاب ولا واسطة ، بل ويذكره دوما أن يعمل عقله وفهمه وتدبره ويتحمل مسئولية أفعاله وقراراته ، ويحثه دوما على التحرر من سلطة أي بشر آخر ويخلص نواياه وأعماله لمن خلقه ، ولكن البشر تهوى الضلال وتصدق البهتان ويستهويها الزور ، ولكننا نجد بين المسلمين آلاف الأسماء والأشخاص التي يعتبرهم البعض أنهم من أولياء الله ويعتقدون أنهم فوق البشر ويخضعون لاتخاذهم واسطة بينهم وبين الله ، وهم دوما عامة المسلمين المخدوعين والمغيبين والخاضعين لسلطان الفرق والجماعات المتناحرة والمتصارعة من أجل إفناء بعضهم بعضا ، وبالتالي ليس غريبا أن نكتشف مؤخرا أن فرقا وجماعات مثل الإخوان والسلفية والوهابية ليست إلا صناعة يهودية ماسونية يتباهى رجال الماسونية بإتقانهم صناعة هذه الفرق وإدارتها وحماية قياداتها حتى اليوم ، وهو ما أعلنه صراحة مدير المخابرات الأمريكية السابق (جيمس وولسي) في تصريحه الشهير في 2006م (نحن نصنع لهم إسلاما يناسبنا ، لينقسموا على بعضهم بنعرات تعصبية فيقتل بعضهم بعضا ، ثم بعدها نحن قادمون للزحف وسوف ننتصر) ، ولكن الغريب أن العامة من المسلمين يقرءون هذا ويعلمونه جيدا بدلائل وبراهين لا تقبل الشك ، ولكن كثيرا منهم ما زال لا يصدق أنه عاش ضحية هذه المؤامرات سنوات عمره الماضية ، ويرفض أن يصدق شيئا غير أكاذيب قياداتهم العميلة والخاضعة لكوادر الماسونية العليا والكونية من حاخامات اليهود ، والذين يمتلكون ويديرون أكثر من 95% من أموال وإعلام وحكومات العالم حاليا ويتحكمون في قواعدها ويرسمون مستقبل الأمم الدامي ، ويصنعون ويديرون كافة الصراعات على الأرض .

لكن بعضنا خاصة من يسمون أنفسهم بالعلماء أبدا لا يجرءون على مراجعة تلك المفاهيم التي تم تزويرها وكانت سببا في خداعنا وسقوطنا وتخلفنا جميعا كبشر ، لأنهم توارثوا مفهوما تاريخيا مزورا بأنهم لا يملكون حق التفكر والتدبر وأن ذلك مقصور فقط على من يسمونهم بـ (علماء الدين) استنادا مضللا على الآية الشهيرة {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }الأنبياء7 ، والتي تم زراعتها في عقول وقلوب المسلمين منذ أكثر من خمسة قرون عبر جميع منابر الدعاة ، والتي تم تزوير تفسيرها ومفهومها كاملة ، والتي ذكرها سبحانه وتعالى في القرآن مرتين وبمعنى واحد لا ثاني له سواء في سورة النحل أو الأنبياء وبألفاظ وكلمات واحدة {عدا إضافة كلمة (من) في سورة النحل} ، وذكرها الله في عتابه لمن لا يصدق أن رسل الله للبشر دوما رجالا من البشر وليسوا ملائكة ، وأهل الذكر هنا هم أهل التاريخ المتوارث عن البشرية .

وبالتالي فلا يوجد في القرآن ما يحرم التفكر والتدبر ، بل إن الله أمرنا بالتفكر ، بل ولامنا على عدم التدبر مرتين صراحة في سورة النساء ثم في سورة محمد صراحة بقوله تعالى .. {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24 . واستتبع تحريم التفكر والتدبر أن تم زرع فكر التبعية والنقل في عقول وقلوب جميع دارسي علوم الفروض والحدود ، فلا يجرؤ أكبر علماء الأزهر على ادعاء أن له رأيا أو فكرا ، بل هم ليسوا سوى نقلة ومبلغين لفكر غيرهم ولا حيلة لهم ولا فكر لهم حتى أن بعضهم يتباهى بحفظه الفوتوغرافي لمكان وترتيب الكلام والحروف في الكتب التي يقول منها ردوده أو فتاويه وهي لعلماء ماتوا منذ أكثر من عشرة قرون ولكنهم ما زالوا مسيطرين بكل اختلافاتهم وانقساماتهم التي صنعت الفرق والجماعات ، بل وكان أساسا لجميع ما تم تزويره من تفسيرات القرآن بل وكلمات وألفاظ كثير من أحاديث رسول الله والتي طمست على معان كثير من آيات الله والتي أهمها آيات خلق الله للإنسان  في القرآن والتي عددها يزيد عن ثلاثة أضعاف آيات علوم الفروض والحدود ، وهي الآيات التي ذكرت وفصلت وشرحت كيف خلق الله البشر وما هي مواصفاتهم وتطوراتهم ونهاياتهم ونشئاهم المتعددة ... والتي سوف نتوقف عندها لاحقا ...

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز