عاجل
الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
اعلان we
البنك الاهلي
تحية لكل من جعلت تاء التأنيث سلاح قوة وفداء

طبيبات على خط المواجهة

تحية لكل من جعلت تاء التأنيث سلاح قوة وفداء

فى هذه الأيام المرعبة، والكل يتدثر ببيته وأسرته، ويرتعد من نسمة الهواء الداخل أو الخارج، خشية أن تكون محملة بذلك اللعين. 



 

مُنعت السلامات والتجمعات، وأعلنت الأمهات أن مارس بلا مدارس، بغض النظر عن رغبة الوزير! ونترقب_ لا قدر الله_ قرارا حكوميا رسميا (خليك بالبيت)، لنمارس حياتنا وعملنا عن بُعد! نتخذ كل محاولات الحيطة والحذر للوقاية، ونجلس أمام الشاشات، نتابع أخبار الحرب الضروس مع كورونا اللعين، لحظة بلحظة إلى أين وصل، وعلى من انتصر .

 

والخوف ينهش قلوبنا مع كل إصابة، وبقعة جديدة يحتلها!

 

وما بين الرعب ونشر الأدعية الدينية  وبين السخرية والتهوين منه، نعيش الحرب معه على مواقع التواصل الافتراضى!

 

لكن هناك على خط النار أو المواجهة مباشرة، هناك فرق من أخواتنا وأولادنا.. فى حالة اشتباك مباشر وصريح مع عدو لا يرحم.. جنود فى حرب بمعنى الكلمة. 

 

فى وسط الأزمة، عادة ما تجد إشراقة مضيئة محترمة تجبرنا على الوقوف أمامها للتحية، بطولات صامتة، يقوم بها أفراد لا يشعرون سوى أنهم يؤدون واجبهم وفقط.  

 

يسمونهم أطباء العزل، وأسميهم أبطال العزل.. صحيح هم اختاروا مهنتهم بكامل إرادتهم، وفكرة الحرب مع المرض هى طبيعة عملهم.. لكن عندما يكون الخطر داهما ومباشرا، ولا يقبل الفصال فاحتمالية العدوى أخطر وأكبر، وخطرها لا يقع على الطبيب فقط، وإنما قد يشمل أسرته والمحيطين به، فهو صراع بينه وبين المرض وشفائه والخسارة أمامه فادحة لا قدر الله.   لذا بالتأكيد كل من يخطر بباله فكرة أن فردا من أسرته، هناك فى مستشفيات العزل (وقد ينجو وقد لا ينجو من العدوى)، هى فكرة مرعبة فى حد ذاتها، لذا كثير من أبطال العزل لم يصرحوا لذويهم عن طبيعة مهمتهم، ولا مكانهم الحقيقى، حتى لا ينتابهم القلق عليهم،  فكما نقدم التحية لجنودنا البواسل الرابضين على الحدود، دفاعا عنا وعن الوطن، فهنال تحية واجبة لكل هؤلاء الأبطال، الأطقم الطبية المصاحبة لمرضى كورونا فى كل مستشفيات العزل، من الحميات بالقاهرة للنجيلة بمرسى مطروح. 

 

وأخص هنا الطبيبات بتحية خاصة، ليس فقط لتاء التأنيث، التى تصاحب صفتها، ولكن لأنها تناست تاء التأنيث، التى قد تتيح لها التراجع أو الهروب من أبواب خلفية، وإذا حدث فلها أعذار مبررة، لكنها تعتبر نفسها مثل زميلها، اختارت مهنتها بكامل إرادتها، فهى مثله جندى فى معركة لا تراجع فيها ولا استسلام.. ملتزمة بما هو أعلى من الواجب المهنى.. ملتزمة بإنسانيتها.

 

مواقف كثيرة تضرب فيها المرأة والفتاة المصرية أروع الأمثلة فى التضحية والفداء بلا طنطنة ولا ادعاء.    الدكتورة آية الحديدى، رئيس قسم العناية المركزة بمستشفى صدر المنصورة، التى تطوعت بدلا من زميلها  لمرافقة حالة السيدة المسنة المصابة بفيروس كورونا لمستشفى العزل فى الإسماعيلية، ولازمتها إلى أن توفيت المريضة، لتدهور حالتها.  لاحظوا أنها رئيس قسم، وبطبيعة الحال هناك أكثر من بديل، يمكنه القيام بهذا الدور، لكن لإحساسها بالمسؤولية تجاه خطورة حالة السيدة، قررت أن تصاحبها بنفسها. 

 

والحقيقة أنه موقف ليس بالجديد عليها، فكما قلت الطبيبة المصرية، تتعامل من منطلق أعلى من أداء الواجب المهنى، وهو الواجب الإنسانى، والأزمات هى خير كاشف للمعادن والصفات.. فمنذ بداياتها كطبيبة شابة، وهى طبيبة مقيمة بمستشفى جامعة المنصورة،  قررت نقل حالة أنفلونزا طيور وكانت حاملا! وتعرضت لخطر شديد، وظلت بعدها فى بيتها، مصيرها ومصير الجنين مجهول، إلى أن نجاهما الله.. ومرت الأيام  وحصلت على الماجستير والدكتوراه، وأصبحت رئيس قسم، وتقود فريقا من الأطباء المقيمين، لكنها لم  تقاوم نداء الإنسانية بداخلها، ورافقت الحالة بنفسها مرة أخرى. الطبيبة الثانية، هى آلاء محمد، طبيبة شابة من طبيبات العزل أصغر طبيبة  فى مستشفى النجيلة،  نشرت صورة لها وهى بملابس العزل على الفيس بوك،  فانهالت عليها باقة من أجمل الدعوات لها، ولكل من معها.

 

فقالت "مع أننا لم نكن ننوى تعريف أحد بمكاننا، ولا عملنا، ولكن دعواتكم أعطتنا شحنة معنوية كبيرة، وهونت علينا حاجات كتيرة"، وختمت قائلة  (حتى لو الواحد لقى رب كريم، يضمن إنه يلاقى حد يدعى له). حكت آلاء عن زملائها فى العزل، وقالت إنهم يبذلون مجهودا أكبر بكثير منها ويتعاملون مع حالات دخلت فى مضاعفات خطيرة، ولا يعرف النوم طريقه إليهم. 

 

ومنهم د. شيماء صلاح، التى تهتم بتفاصيل المرضى، من الألف للياء، وتصمم على أن تحضر بنفسها كل ما ينقصهم، حتى لو على حسابها، وهى تقول: " عشان ربنا يسترها معانا كلنا". وذكرت التمريض الذى لا يفارق المرضى، والعمال الذين يتعرضون للخطر كل لحظة أثناء تنظيف المستشفى. 

 

تحية لكل فتاة وسيدة مصرية، جعلت من تاء التأنيث سلاح قوة ومواجهة وفداء، وليس بابا خلفيا للتراجع والاعتذار والجبن.

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز