

بقلم
عاطف حلمي
نوبة فشر
12:00 ص - السبت 8 فبراير 2014
بقلم : عاطف حلمي
كلما نظرت للواقع المصري تذكرت نكتة قديمة عن شاب اراد أن يخطب احدى الفتيات لكنه كان يخشى من حضور والده "الفشار" معه حتى لايفسد الأمر .. ولأن "الفشر" عادة متأصلة في الوالد لايستطيع السيطرة عليها أتفق الأب مع ابنه على أن "يكح كحتين" في حال انتابته نوبة "الفشر" أمام أهل العروس حتى "يلم" الأب الموضوع بسرعة ويصحح الوضع، وما أن اندمج الوالد في الحديث مع أهل العروس حتى انتابته نوبة "الفشر" فقال: "عندنا بيت طولة ألف متر" ... فحاول الأبن تذكيره "وكح كحتين"، فاستدرك الوالد الأمر قائلاً: "بس عرضه متر واحد".
سجن فكري
هذا هو حال عدد من شرائح المجتمع التي سرعان ما تنقلب من الحال إلى نقيضة في محاولة لتصحيح هذا الحال فترتكب ما هو أسوأ، ولعل هذا ناتج عن سياسة التجهيل التي مارسها مبارك ونظامه على مدار قرابة العقود الثلاثة، وما أن اطاح الشعب بديكتاتور وحطم قضبان السجن الفكري الذي فرضه عليه نظامه حتى بات يتعثر وهو يلهث من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار بحثاً عن حياة مستقرة، ووسط هذه الفوضى يخرج علينا من كهوف الظلام من يستغلون حالة الارتباك وضبابية الموقف في محاولة للعودة إلى الحياة السياسية ولو من باب الثورة التي اطاحت بهم ولفظتم وألقت بهم إلى مزبلة التاريخ.
نظرية خاطئة
ومن كانوا يعتبرون ثورة 25 يناير مؤامرة أصبحوا يتصدرون الصفوف الآن ويدسون السم في العسل مستغلين ما يحظى به المشير السيسي من شعبية ومكانة، حتى أنهم لايتورعون عن وصم أي مرشح آخر بتهم العمالة والخيانة وفي أضعف الأحوال يحقرون من وضعه ورأيه، بل الأكثر خطورة في كل هذا أنهم يسعون لترسيخ نظرية خاطئة ومهينة للشعب المصري بأكمله مفادها أنه لا أحد يصلح رئيساً لمصر سوى المشير السيسي، وهنا مكمن الخطر وبيت القصيد، فكون المشير السيسي يحظى بهذه الشعبية، لايعني إطلاقاً أن مصر عقمت عن أن تنجب العشرات بل والمئات الذين يستطيعون أن ينافسوا على منصب الرئيس ويقدموا لمصر من البرامج والرؤى ما يجعلهم جديرين بتقديم تجربة حقيقية تكون اللبنة الأولى نحو بناء ديمقراطية مكتملة الاركان قائمة على دولة المؤسسات وليس دولة الفرد، تخرج مصر من كهف مبارك الذي حجب عنا شمس الحرية والإبداع والعدالة الإجتماعية.
المفرمة
وبغض النظر عن اسماء من يرغبون في الترشح لانتخابات الرئاسة، فأن المعضلة الكبرى تكمن في تلك "المعجنة" أو بالأحرى "المفرمة" التي تلتهم ما تبقى من مساحة الحوار الراقي في المجتمع المصري، فإما أنت معي تصطف في خندقي أو أنت عميل عديم الوطنية، بينما لاتزال قيمة الديمقراطية ــ رغم أنها القضية الوطنية الأولى التي قامت من أجلها الثورة ــ غائبة عن شرائح كبيرة من المجتمع المصري وسط هذا الضجيج الذي لاينتهي الممزوج بتهم التخوين والاقصاء ورفض الحوار وعدم قبول التنوع والاختلاف الفكري والسياسي بل وانكار حق الآخر المختلف معك في الرأي للتعبير عن موقفه ووجهة نظره حتى باتت كل وسائل الإعلام بلا استثناء وحتى مواقع التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية ساحة للاقتتال بدلاً من أن تكون ميداناً خصباً للحوار وتكاد الأجهزة الذكية، التي نستخدمها للدخول إلى تلك المواقع، تنفجراً غيظاً من سوء فهمنا للديمقراطية وسوء استغلالنا لتكنولوجيا لم تكن لترى النور لولا ايمان مخترعيها بأن هناك دائما طرقاً وسبلاً جديدة لم يطرقها أحد حتى لو كانت في اتجاه معاكس لما يراه المجتمع أنه الحقيقة ولا حقيقة غيرها.
فقر فكري
وأزمتنا في مصر الآن تكمن في انسداد شرايين الحوار على مدار عقود مضت تم خلالها تكريس الجهل والفقر الفكري وقتل كل روح مبدعة تسعى لتقديم الجديد، وهو ميراث ثقيل ثقل الجبال يقبع على وجدان المجتمع، لذلك فأنه إن لم يتم اقامة الانتخابات الرئاسية المقبلة في جو من الشفافية وتكافؤ الفرص وفي ظل قانون منضبط لايسمح بأي تجاوزات ويعاقب من يخل بتلك الثوابت، فأن النتيجة الحتمية عاجلاً أم آجلاً ستكون العودة بنا إلى ما دون نقطة الصفر، فمصر قبل 25 يناير شيء وبعد الثورة شيء آخر تماما، وللأسف هناك من يدفعون بنا نحو نفق مظلم انتقاماً من الثورة تارة وتحقيقاً لمصالح شخصية ضيقة تارة آخرى تحت مزاعم البحث عن الاستقرار والأمن، رغم أنه لا استقرار ولا أمن ولا تنمية من دون ديمقراطية حقيقية ينزل فيها الحاكم عن عرش أنصاف الألهة إلى مرتبة الإنسان المؤتمن على مصالح الدولة وفقاً لتفويض شعبي "الانتخابات" وهو تفويض مرهون بقاؤه بوفاء الحاكم بوعوده وبرامجه وتنتهي صلاحيته بانتهاء فترته الدستورية.
تابع بوابة روزا اليوسف علي