

محمد نجم
الطيـر الأبابيل
بقلم : محمد نجم
قال تعالى فى سورة الفيل (أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ، وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ، تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ).
لقد كشفت الآيات الواردة فى سورة الفيل عن وجود نوع من الطيور غير التى نعرفها أو التى ورد ذكرها من قبل مثل الغراب والهدهد والحمامة.. وهى طيور سماوية قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.. (هى طير بين السماء والأرض تعشش وتفرخ) ولكن الصحابة والتابعين اختلفوا فى وصفها، فمنهم من قال: إنها أشبه بالوطواط.. حمراء- سوداء، ومن قال: إنها طير خضر لها مناقير صفر، وقيل إنها طير سود بحرية تحمل الحجارة فى مناقيرها وأظافرها، ومنهم من وصف رءوسها كرءوس السباع.. وأكفها كأكف الكلاب.
وكل هؤلاء التابعين لم يروا تلك الطيور- إن كان لأحد أن يراها- حيث كان آخر ذكر لها عند محاولة اعتداء أبرهة الحبشى على الكعبة بغرض هدمها، وهى القصة المعروفة والتى كان بطلها عبد المطلب جد النبى (محمد صلى الله عليه وسلم) وقيل إنها حدثت فى بداية العام الذى ولد فيه المصطفى.
والخلاصة مما تقدم.. إنها طيور سماوية لا تأتمر سوى بأمر الله سبحانه وتعالى، وقد ذُكرت صراحة فى سورة الفيل وذُكرت أيضا من قبل ضمنا فى الأحداث المعاصرة لحياة كل من الخليل إبراهيم.. وابن أخيه النبى لوط عليهما السلام، حيث تولت هذه الطيور تنفيذ العقاب على المعتدين الظالمين فى الحالتين.
وقيل فى بعض كتب التفسير إن هذه الطير الأبابيل عبارة عن جماعات متفرقة متتابعة، تحمل الحجارة المعاقب بها فى منقارها أو بين أظافر أقدامها وأن هذه الحجارة والتى صنعت من طين محروق، عبارة عن كتل حجرية متتابعة معدة لعذاب الظالمين والمعتدين وهى موجودة فى منطقة تسمى «سجيل» قيل إنها معلقة بين السماء والأرض، أى فى السماء الدنيا.. بل وصفت تلك الحجارة فى بعض التفاسير.. كأنها النيزك تتسبب فى انشطار نووى أضخم مما تحدثه القنبلة الذرية، ولكنها وبأمر من الله سبحانه تستخدم حسب الحالة والنتائج المطلوبة.
qqq
ولنبدأ بقصة قوم لوط بقرية سيدوم بمنطقة غور الأردن، وكانوا يشركون بالله سبحانه وتعالى، ويرتكبون الفحشاء علانية، ويأتون الذكور دون الإناث، فأرسل الله إليهم نبيه لوط ليهديهم وليخرجهم مما هم فيه من ضلال وأن يتطهروا من الدنس، إلا أنهم وضعوا أصابعهم فى آذانهم، ورفضوا النصح والإرشاد.. بل استهزءوا به وبدعوته وهددوه بإخراجه من قريتهم.
وطلب لوط من ربه أن يعذبهم، فأرسل الله ملائكته فى صورة شَبّان حِسان، وقد ذهبوا إلى سيدنا إبراهيم أولا وكان يقيم بأرض كنعان بمنطقة فلسطين، فاستقبلهم وذبح لهم عجلا سمينا وشواه على الحجارة، ثم لاحــظ أن أيديهم لا تصل إلى الطعام (فأوجس منهم خيفة)، ونظرت إليه زوجته سارة لتهدئ من روعه وهى تضحك، وهنا كشف الضيوف عن أنفسهم وأخبروه بمهمتهم، وبشروها بأنها ستلد إسحاق ومن بعده يعقوب، فضربت وجهها بيدها حسرة- كما تفعل النساء- عند الاستنكار.. باعتبارها امرأة عجوز وزوجها شيخ كبير. وهو إعجاز من عند الله سبحانه، حيث يقول: (وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَقَ يَعْقُوبَ، قَالَتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ).
ثم ذهب الخوف عن إبراهيم بعد إن جاءته البشرى وأخذ يجادل الملائكة ويسألهم كيف ينسفون قرية بها مسلمون يذكرون الله (لوط وأهله)، فطلبوا منه أن يعرض عن هذا الجدل، فقد صدر الأمر الإلهى ولا رجعة فيه، ثم إنهم يعلمون من فيها (فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ، إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ، يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ).
ثم تركوا إبراهيم وذهبوا إلى قرية سيدوم بشمال الأردن، حيث يقيم لوط.. وكان أهلها قد منعوه من استضافة الرجال فى بيته، ولكنه تمكن من إدخالهم معتقدا أنه لن يراهم أحد، ولكن زوجته خرجت إلى القوم وأفشت سره، فجأوا وحطموا باب المنزل، وراودوه عن ضيفه، وعرض عليهم بناته فرفضوا.. وكان يوما عصيبا.
فسألهم ألا تتعقلون أليس منكم رجل رشيد.. متحسرا على ضعفه وعدم وجود قوة تحميه أو قبيلة يلجأ إليها، فأخبرته الملائكة أنهم رسل ربه وطمأنوه بأنهم لن يصلوا إليه، ونصحوه بأن يخرج وأهله من القرية فى جنح الليل وألا يلتفت أحد منهم خلفه، وأنهم سيتولون عقاب هؤلاء الظالمين الفاسقين فى صباخ الغد.. (إِنَّ مَوْعِدَهُمْ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ)؟
وفى الغد زلزلت الأرض زلزالها.. وجعل الله عاليها سافلها، وأمطر القوم بطير أبابيل تحمل حجارة من سجيل متتابعة كالمطر مكتوبا على كل حجر منها اسم الشخص الذى سيسقط عليه.
ونجا لوط وأهله إلا امرأته فقد ألتفت وراءها فأصابها ما أصاب القوم من شعاع أعماهم جميعا، حيث عاقبها الله لما ارتكبته ووصفها بأنها كانت من الغابرين، أما قرية سيدوم، فقد غاصت فى القاع وأصبحت منخفضا بين فلسطين والأردن وهو (البحر الميت) حاليا.. لكى يجعل منها الله آية لكل من يخشى عذاب الله (وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الأَلِيمَ).
qqq
أما فى سورة الفيل، فالأمر مختلف بعض الشىء حيث جاء أبرهة لهدم الكعبة التى يطوف حولها العرب، معتقدا أن ذلك سوف يخلى الساحة للكعبة التى بناها فى المنطقة التى كان يحكمها.
وعندما وصل مشارف مكة وأقام معسكره استولى بعض جنوده على إبل عبد المطلب وقد كان كبير قريش، فذهب لاستردادها، فاستنكر منه أبرهة هذا الطلب قائلا: قد ظننت أنك جئت لكف العدوان عن البيت المحرم، ولكنك تكلمنى فى بعض الإبل، فرد عليه عبد المطلب بقول حاسم: جئت لطلب ما يخصنى، أما البيت فله رب يحميه..
وهو ما حدث بالفعل.. فما إن هم القوم بمهاجمة الكعبة حتى أرسل إليهم وعليهم رب البيت بطير من السماء فى صورة جماعات متتالية تلقى عليهم بحجارة من طين قاتلة دون أن تترك آثارا انفجارية أو إشعاعية، كما حدث مع قوم لوط، ومع ذلك فقد كانت هذه الحجارة من الشدة لدرجة جعلت أصحاب الفيل كالتبن الذى أكلته الدواب وأخرجته.. فجاءت الريح فذهبت به.
أى أن الريح عصفت بهؤلاء القوم بعد هزيمتهم واندحارهم وحمى الله بيته المحرم.
وسبحان الله.. وسع كرسيه السماوات والأرض..
وهو على كل شىء قدير.