

محمد نجم
ما أشبه الليلة.. بالبارحة
بقلم : محمد نجم
أعجبنى تحرك الحكومة السريع لمعالجة الآثار السلبية لحادث سقوط الطائرة الروسية على قطاع السياحة، حيث اصطحب رئيس الحكومة أغلب وزرائها إلى مدينة شرم الشيخ وعقدوا اجتماعهم الأسبوعى هناك، كما عقدوا لقاء مفتوح مع مستثمرى المدينة- نظمته أخبار اليوم- لبحث مشاكلهم والاتفاق على الإجراءات المطلوبة وخطوات التحرك فى الفترة المقبلة.
ولكن لم يعجبنى مداخلات بعض مستثمرى المدينة فى المؤتمر، فقد تحدث بعضهم وكأنه «صاحب فضل» على البلد من خلال نشاطه السياحى، كما حمل متحدث آخر المسئولية كاملة للحكومة، واتهم ثالث القيادة السياسية بعدم الاهتمام بالقطاع السياحى، حيث لم يجتمع الرئيس بمستثمرى هذا القطاع ومن ثم ظلت مشاكلهم معلقة!
وقد انتهى الاجتماع بمذكرة جماعية تطالب بتأجيل دفع التأمينات والضرائب ومستحقات الكهرباء والمياه.. أو الإعفاء منها، مع توفير قروض خاصة بفائدة بسيطة وفترة سماح للسداد على أقساط طويلة المدة، مع إعادة النظر فى إجراءات تأمين المطار والبدء الفورى فى إقرار «الفيزا الإلكترونية» التأشيرة الشاملة لكافة أعضاء الأسرة والعاملين لديها من السياح العرب.
وبالطبـع هــدد بعضهم بالإغـــلاق وتسريح العمالة.. مع فقدان الأسواق الخارجية.. وكلام كبير يتردد دائما فى مثل هذه الأزمات.. وهى ليست جديدة على هذا القطاع الذى يعانى من الضربات المحلية والخارجية منذ عام 1986 وحتى الآن.
ونحن مع مستثمرى هذا القطــاع وكافة العاملين به فى سرعة معالجة الآثار السلبية لحادث الطائرة الروسية وغيرها من السلبيات التى يعانى منها هذا القطاع المهم فى الاقتصـاد المصرى.. بما يوفــره من فرص عمـــل متجددة وما يوفره من نقد أجنبى لا يمكن الاستغناء عنه.
كل ذلك جميــل ولا خلاف عليه.. ولكن مشكلة مستثمرى شرم الشيخ إحساسهم أن «على رأسهم ريشة» ومن ثم يتحدثون بملء فهمهم وبنبرة متعالية.
نعم.. أصبحت شرم الشيخ مقصد سياحى عالمى، وخاصة للروس والألمان وبعض الإيطاليين.. ويعود الفضل فى ذلك للأب المؤسس- وبصرف النظر عن موقفه الحالى- وهو رجل الأعمال حسين سالم والدعم المباشر من الرئيس الأسبق حسنى مبارك الذى كان يهتم بتلك المدينة السياحية الحديثة بشكل خاص.. وكان يوجه بعقد كافة المؤتمرات الدولية على أرضها.. مما منحها الشهرة التى تتمتع بها الآن.
ولكن يجب أن يعلم العاملين فى القطاع السياحى- رغم أهميته- أنهم ليسوا النشاط الأساسى فى الاقتصاد القومى والذى يتمتع بتنوع أنشطته، كما أنهم ليسوا المصدر الوحيد للنقد الأجنبى.. فالمصريون العاملون فى الخارج يحولون سنويا أكثر من 22 مليار دولار لمصر.. وهو ما يعادل ضعف عائد النشاط السياحى كله حتى وهو فى أحسن حالاته.
كما يجب أن يعلم مستثمرى شرم الشيخ أنهم ليسوا المقصد الوحيد- مع أهميته- للسياحة فى مصر، فهناك الأقدم والأشهر مثل الأقصر وأسوان، وهناك مرسى علم.. والغردقة وبعض مناطق الساحل الشمالى والوادى الجديد والواحات ومرسى مطروح.
ثم لماذا الأقوال المرسلة التى يكذبها الواقع؟.. فمن قال إن القيادة السياسية غير مهتمة بالقطاع السياحى؟.. هل لأن الرئيس لم يجتمع بهذا البعض من أصحاب الصوت العالى من مستثمرى شرم الشيخ؟.. ألم يلاحظ هؤلاء أن الرئيس عاد مباشرة من المملكة السعودية إلى شرم الشيخ ليتفقد الأوضاع فيها ويطمأن على الخطوات التصحيحية لبعض الإجراءات المطبقة؟.
وألم يرى هؤلاء أيضا أن الرئيس كان حريصا على عقد المؤتمر الاقتصادى العالمى، وكذلك مؤتمر المانحين على أرض شرم الشيخ؟.
ثم من الذى بادر بالاتصال بالرئيس الروسى لإقناعه بعودة السياح الروس إلى مصر وشرم الشيخ تحديدا فى أقرب فرصة مع استعداد مصر لاتخاذ أية إجراءات إضافية للتأمين سواء فى المطارات أو على الطائرات أو فى المناطق السياحية المصرية الداخلية.. أليس هو الرئيس؟!
ثم- وهو الأهم- لماذا ننتظر دائما أن تكون الخطوة الأولى من قبل الرئيس؟! أين مؤسسات الدولة المختلفة؟.. أين مجلس الوزراء ومن بعده وزير السياحة؟ وأين التنظيمات الخاصة بالقطاع نفسه.. مثل اتحاد الغرف السياحية أو غيره؟.
الملاحظ أن الرئيس أصبح مطالب بحل مشاكل التعليم، والصحة، والزراعة، وسد النهضة! والعشوائيات مع إدارة ملف العلاقات الدولية.. إلخ.
معقول.. هنقعد حطينا إدينا على خدنا ونردد مع المطرب القديم «يا مين يجيب لى حبيبى»؟.. لمؤاخذة.. يا أخى حاول تتصل به.. ويمكن تعود المياه إلى مجاريها! معلش.. الكيل طفح.. والكل فى انتظار «أبانا» القاطن فى الاتحادية.
ما أشبه الليلة بالبارحة.. فقد تعرضت شرم الشيخ منذ عدة سنوات لتفجيرات إرهابية متكررة.. وارتفعت الأصوات وقتها بذات المطالب الحالية.. وفعلا تحركت المؤسسات المعنية إلى هناك مثل القطاع المصرفى وقطاع الضرائب والتآمينات.. وكذلك هيئة الاستثمار الذى دعانا رئيسها وقتها د. زياد بهاء الدين لمرافقته والكتابة عن مشاكل المدينة وطلبات مستثمريها حتى يتجاوب المجتمع معها ويتعاون الجميع على حلها، وفى المؤتمر الذى عقد لعرض مطالب المستثمرين هناك جلسنا نستمع لهم لأكثر من ثلاث ساعات، ثم رفع أحد الزملاء الصحفيين يده طالبا الاستفسار عن بعض المعلومات وفوجئنا بأحدهم يعترض على ذلك بحجة «أنه لا وقت للصحفيين» وعليهم أن ينشروا ما نقوله فقط!
واندهشنا مما نسمع.. ونظر إلى زملائى بما يعنى تفويضى بالحديث فبادرت بخطف الميكرفون من الزميل وتحدثت معترضا على هذا الكلام المتعجرف المتعالى.. ثم شرحت أهمية أن نفهم ما حدث حتى نعبر عنه بالشكل الصحيح.. والأهم.. هو ممارسة حقنا فى طرح الأسئلة وتلقى أجوبة عليها.. وأكملت بأننا لسنا ديكورا أو كمالة عدد.. وأننا تركنا بيوتنا وعائلاتنا وأعمالنا وحضرنا لشرم الشيخ للمساعدة فى الإسراع بالحلول من خلال النشر فى صحفنا.. وفوجئت بالقاعة تضج بالتصفيق وجاءنى ضابط أمن الدولة بالمدينة يشد على يدى.. قائلا.. لقد أخذت حق جميع من فى المدينة من هذا الرجل، فسألته: كيف؟.. وأنا لم أقل غير الحقيقة، فأخبرنى أن هذا الرجل يدعى أنه على صلة قوية بالرئيس مبارك.. وأنه يهدد الجميع بهذا الادعاء.. والكل يخشاه.. وضحكنا بعد أن طلبت منه ألا ينسانى بالعيش والحلاوة!
ويبدو أنه رغم مرور كل هذه السنوات.. مازالت العجرفة والتعالى أحد لوازم مستثمرى المدينة.. وهو ما لم يفوته محافظها الهمام.. هذه المرة أيضا، حيث أوضح الكثير من الأمور.. وما تقوم به القيادة السياسية من جهود.. ولكن ليس كل ما يعرف يقال.. فالتزم المهاجمون الصمت.. وعدى المؤتمر على خير.
والخلاصة.. أن شرم الشيخ فى القلب.. ولن يتخلى عنها أحد.. وكلنا مع العاملين فيها حتى يجتازوا أزمتهم، ولكن يجب أن يعلم مستثمريها أنهم ليسوا على أرسهم ريشة!..
حفظ الله مصر.. ووقاها من كل شر.