

محمد نجم
ملاحظات على خطاب الرئيس
بقلم : محمد نجم
يبدو أن الرئيس قد فاض به الكيل من «عواجيز الفرح» الذين لا يعملون.. ولا يتركون غيرهم يعمل، ومن ثم كان الانفعال الصادق الذى تخلل خطابه أثناء عرض الحكومة لرؤية مصر 2030..
فالرئيس ومن خلال مواقعه السابقة يعرف الكثير عن مشكلات مصر.. أسبابها وأعراضها وطرق حلها، ولكن المشكلة فى غياب «السيولة» الحاضرة التى تمكنه من ذلك، فضلًا عن عدم حماس بعض الجهات المعاونة لهذا التوجه.. ومنها الإعلام.
والأخطر من ذلك ما يبثه مدعو الخبرة الذين تستعين بهم الفضائيات.. من إحباطات بسبب بعض المشاكل الاقتصادية التى يعانى منها المجتمع.
نعم لدينا مشاكل اقتصادية.. يعلمها القاصى قبل الدانى.. وهى مشاكل متراكمة منذ عشرات السنين.. ولعل أبرزها تضخم الدين العام.. ثم العجز المزمن فى الموازنة العامة، ومؤخرًا وبسبب الأحداث الأخيرة.. تراجع معدلات النمو فى الناتج المحلى عن معدلاتها السابقة، وارتفاع حجم الدين الخارجى، وقد تذبذب سعر الصرف للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية.
كل ذلك معروف.. ومعلن وأسبابه غير خافية.. وكل الدول مرت بمراحل اقتصادية مختلفة تراوحت بين النشاط والركود.. ولسنا بدعة فى ذلك، والمتخصصون يعلمون ماذا حدث فى الصين.. ومن قبلها دول الاتحاد الأوروبى، بل روسيا وأمريكا.. فالنشاط الاقتصادى عبارة عن دورات متكررة ما بين الصعود والهبوط.. يتحكم فيها أسعار البترول والمعادن.. وحجم التجارة العالمية.. والنزاعات المسلحة فى مختلف أنحاء العالم.
ولكن لا أحد يتوقف عن العمل.. فسواعد الرجال تعمل وأرجلهم تدب على الأرض إلى قيام الساعة.. التى علمها عند الخالق سبحانه وتعالى، فقد خلق الله البشر ليعمروا الأرض وليعبدوه.. ولن يتوقفوا عن ذلك طالما هم أحياء.. نعم قد تواجههم مشاكل.. أو تقوم بينهم منازعات.. أو تعوزهم الإمكانات.. كل ذلك وارد.. ومن طبائع الأمور، ولكن هل توقفوا عن ممارسة حياتهم فى الأكل والملبس والمسكن والتعليم والعلاج.. إلخ، بالطبع لم يحدث.. ولن يحدث.. لأن ذلك مخالف لناموس الكون.
وهكذا الدول.. قد تمرض، ولكنها لا تموت.. بمعنى أنها تحاول الخروج من الأزمات التى تعترض حياتها.. معتمدة على جهودها الذاتية.. أو مستعينة بجهود وإمكانات الآخرين سواء كانوا أشقاء أو أصدقاء.
ومصر ليست بدعة فى ذلك.. فاقتصادنا كان يعانى من بعض الخلل قبل يناير 2011.. ثم جاءت الأحداث التى عاشها الجميع والتى تسببت فى توقف عجلة الإنتاج، ومن ثم ظهرت مشاكل جديدة وزادت صعوبة المشاكل القديمة.
ولكن مصر صاحبة التاريخ الطويل، والغنية بأبنائها.. وتنوع أنشطتها تمكنت - بفضل الله - من الخروج من أزمتها السياسية بإعادة بناء مؤسساتها السيادية من رئيس منتخب، وكذلك البرلمان.. وحكومة تجتهد ومؤسسات مجتمع مدنى فاعلة.. وهى تحاول الآن الخروج من أزماتها الاقتصادية والمجتمعية من خلال رؤية تمتد إلى عشرات السنين تحت عنوان (مصر 2030) وهى رؤية تحدد الأهداف المطلوب تحقيقها فى المجالات المختلفة وكيفية الوصول إلى ذلك.. بتشريعات وإجراءات.. وخطط عمل قصيرة الأجل، وقد علمنا أساتذتنا فى الاقتصاد أن أفضل وقت لإجراء الإصلاحات المطلوبة.. هى فترة الركود الاقتصادى.. وذلك لتهيئة المناخ والاستعداد التام للانطلاق وبأقصى سرعة.. عندما يعود قطار الاقتصاد إلى قضبانه.
وبمعنى آخر.. أن هناك بنية أساسية مطلوبة لتسريع النشاط الاقتصادى وتحقيق معدلات نمو مرتفعة، وهذه البنية تتلخص فى مناطق اقتصادية جاهزة للعمل، وطاقة متوفرة لتشغيل المصانع، وشبكة طرق كبيرة وممتدة لتسهيل الانتقال بين كافة أرجاء البلاد، ثم أيدى عاملة مدربة ومؤهلة تكفى لتلبية احتياجات السوق.
وكل من له عين ترى أو عقل يستوعب ويفهم.. يعلم تمامًا أن ما يجرى حاليًا من إقامة مشروعات قومية عملاقة ومتنوعة.. ما هو إلا استعداد لمرحلة الانطلاقة الاقتصادية المتوقعة بإذن الله.
فهل يخفى على أحد أن توسعة قناة السويس وإضافة ممر مائى مواز للممر القديم سوف يضاعف من رسوم المرور فى القناة على المدى الطويل؟ وإذا كان هناك تراجع فى حجم التجارة الدولية بسبب انخفاض أسعار البترول.. فهذا التراجع مؤقت ولن يستمر طويلًا.
وهل ينكر أحد أن إنشاء ثلاثة ممرات عملاقة تحت قناة السويس (أحدها للسكة الحديد والآخر لنقل المياه والثالث للسيارات) سوف يساهم فى تعمير شبه جزيرة سيناء والتى تمثل سدس مساحة مصر؟
ألا يعمل من يستخدمون الطرق أن هناك توسعات كبرى تتم، فضلًا عن رفع كفاءة ما هو موجود حاليًا، سوف تنعكس آثاره الإيجابية على كافة مناحى الحياة على أرض مصر؟
فالدول يا سادة.. لا تعمل بنظام يوم بيوم.. أو احيينى النهاردة.. وموتنى بكرة! ولكن أجيال تسلم أجيالا.. والجيل اللاحق سوف يحاسب الجيل السابق عما فعله.. وإما يشكره على ما أنجزه وإما يلعنه على تقصيره.. وقت تسلم الجيل الحالى - جيلنا - مصر واقفة على رجلها فهل يجوز أن ننعم نحن بما هو موجود ونتركها خرابة للأجيال القادمة! هل يقبل أحد تلك الأنانية البغيضة؟ ومن هم الأجيال القادمة؟ أليسوا أبناءنا وأحفادنا!
من هنا كان الانفعال الصادق للرئيس السيسى الذى اختاره الشعب لتحمل المسئولية.. ووعد قائلًا : (سأظل أعمر بلدنا إلى أن تنتهى حياتى أو مدتى).
ولم يكتف بذلك.. بل أعلنها صراحة (اللى هيقرب من مصر.. هشيله من على وجه الأرض).. نعم هكذا تتصرف الرجال.. وهكذا يعد القادة.
لقد قدم الرجل كشف حساب عن 20 شهرًا تحمل فيها المسئولية، ثم عرض من خلال الحكومة والجهات المعنية.. رؤية جديدة للتحرك والعمل من خلال السنوات المقبلة.. وقد عاهدنا فى الرئيس الصدق والجدية.. فهل يجوز أن نخذله؟ وأقصد بذلك «عواجيز الفرح» الذين لا يعملون ولا يتركون غيرهم يعمل، وكذلك الإعلام الذى يشرخ بعيدًا عن القيام بدوره الأساسى وهو زرع الأمل فى نفوس البشر، وتعبئة المجتمع خلف قيادته.
لقد آن الأوان أن يعلم الجميع أنه لا مكان للمقصرين.. ولا وقت لدينا لنضيعه فى الانشغال بتوافه الأمور أو معارك شخصية فجة.
مصر على المحك.. وهناك من لا يريد أن تكون مصر استثناء بين مصائر دول المنطقة، ولكن قادتها وخلفهم أبناءها لن يسمحوا بذلك وسوف يخيبون ظنهم ويفشلون مساعيهم.. بإذن الله.
حمى الله مصر.. وسدد خطى رئيسها.