عاجل
الأربعاء 13 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
أعطوا العيش لخبَّازينه
بقلم
محمد نجم

أعطوا العيش لخبَّازينه

بقلم : محمد نجم

يخطئ من يختزل ما يعانيه الاقتصاد القومى.. فى مشكلة سعر الصرف.. وانخفاض قيمة الجنيه المصرى مقابل الدولار الأمريكى، ومن ثم يحمل البنك المركزى المسئولية عما يحدث من ارتفاعات فى أسعار السلع والخدمات.



فمن له علاقة ما بمبادئ الاقتصاد.. سواء كان دارسا أو متخصصا أو مجرد قارئ متابع، يعلم تمامًا أن البنك المركزى معنى فقط بالحفاظ على «ثبات الأسعار» ومنع انهيار قيمة العملة الوطنية، وذلك من خلال «التحكم» فى أسعار صرف العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية طبقا لآليات العرض والطلب، مستخدما فى ذلك ما يسمى بأدوات السياسة النقدية المعروفة ومنها: أسعار الفائدة على الإيداعات فى البنوك وحجم السيولة النقدية المتاحة فى المجتمع.

ولكن مشكلة البنك المركزى والجهاز المصرفى عموما.. أنه لا يعمل فى الصحراء.. أو بمعزل عن بقية مؤسسات الدولة وكياناتها المختلفة.

وبمعنى آخر.. هو بمثابة «أمين الصندوق» الذى يستخدم التدفقات النقدية سواء كانت محلية أو أجنبية لتمويل الأنشطة والمشروعات التى يحددها مجلس إدارة الجمعية أو الاتحاد أو أى كيان آخر!

وهنا.. قد لا يمكنه التدخل لزيادة الموارد.. وأيضا قد لا يستطيع التحكم فى أوجه الإنفاق.. وأحيانا تفرض عليه «أولويات» التمويل.

لقد أشرت إلى «المثل» السابق للتبسيط على القارئ، ولكن المشكلة أعقد من ذلك بكثير على أرض الواقع، فهناك العديد من السياسات المتداخلة.. منها النقدية وهى مسئولية البنك المركزى، ثم هناك السياسة «المالية» و«التجارية»، و«الاستثمارية» و«الصناعية» و«الزراعية» وكلها مسئولية الحكومة طبقا لاختصاصات وزاراتها المختلفة، هذا بالإضافة إلى الأنشطة الأخرى المدرة للدخل، ومنها السياحة والنقل والبترول.. وقناة السويس.. إلخ.

والطبيعى أن تعمل تلك السياسات معا وبتناغم واحد.. تماما مثل العازفين فى فرقة موسيقية واحدة.. وإلا يحدث «نشاز» منفر فى اللحن الجماعى!

ولذلك أوجب القانون المسئولية التضامنية للحكومة مجتمعة عن السياسات «الاقتصادية» التى تعمل بمقتضاها، ولأن البنك المركزى مستقل عن الحكومة - وهى ضمانة أساسية.. حتى لا تجبره على طبع النقود كلما احتاجت لتمويل إضافى - فقد أوجب القانون أيضا إنشاء «مجلس تنسيقى» برئاسة رئيس الحكومة وعضوية وزراء المجموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزى وبعض ذوى الخبرة فى المجتمع، وذلك للتنسيق بين السياستين الرئيسيتين اللتين تتحكمان فى كافة أنشطة الاقتصاد القومى والمجتمع عموما، وهما السياسة النقدية والسياسة المالية.

ولكن الطبع غلب التطبع.. حيث رأى بعض المسئولين أننا لسنا فى حاجة للتنسيق.. وعلى كل طرف أن يمارس مهامه طبقا لاختصاصاته، ومن ثم لم يجتمع هذا المجلس منذ صدور قانون البنوك فى عام 2007 تقريبا.. والذى نص على إنشائه!

وعندما بدأت بوادر «الأزمة» تطل برأسها.. تقرر عقد الاجتماع.. واستدعى الخبير الاقتصادى الدولى محمد العريان عضو المجلس من الخارج.. ولكنه فوجئ بعد الوصول إلى القاهرة بإلغاء الاجتماع، لأنه صادف توقيت عرض الحكومة لرؤيتها المستقبلية 2030، فغادر عائدا فى مساء ذات اليوم، بعد أن استثمرت الغرفة الأمريكية ساعات تواجده فى القاهرة ودعته لإلقاء محاضرة اقتصادية على أعضائها!

والكل بالطبع يعرف من هو د. محمد العريان.. ابن مصر البار والذى يدير حاليا مليارات الدولارات لشركات ومؤسسات أجنبية عالمية.. ولكن يبدو أن «زمار» الحى لا يطرب!

نعود لمشاكل الاقتصاد القومى والذى يعانى من عجز خارجى يتمثل فى عدم تغطية الصادرات المصرية سوى بنسبة 40% فقط من الواردات الخارجية لمصر، ثم دين خارجى بلغ بنهاية ديسمبر الماضى حوالى 48 مليار دولار، كما يعانى أيضا من عجز داخلى.. متمثل فى عجز الموازنة العامة للدولة بحوالى 280 مليار جنيه، وارتفاع الدين المحلى إلى ما يزيد على 2 تريليون جنيه.

وهذا العجز ذو الوجهين الخارجى والداخلى.. أسبابه تكاد تكون معروفة للجميع..وهى تتمثل خارجيا فى التباطؤ فى معدلات النمو فى الاقتصاد الدولى وتراجع حركة التجارة الدولية، وانخفاض معدلات النمو فى الاقتصاد الصينى، ثم ما يحدث فى المحيط الإقليمى لمصر. وهى تتمثل داخليا فى التأثيرات السلبية لثورة يناير 2011 وما تبعها من تداعيات أمنية واجتماعية، ثم التوسع فى إقامة العديد من المشروعات القومية.. بقدر يزيد على قدرة تحمل الاقتصاد الوطنى فى ظروفه الراهنة.

كل ذلك.. أدى إلى ما يسمى بزيادة الطلب الذى لم تقابله زيادة مماثلة فى العرض.. بسبب الظروف التى شرحناها سلفا، ومن هنا حدث الضغط على العملة المحلية وقُيِّمت بأقل من قيمتها الحقيقية.. طبقا لقوتها الشرائية كما يرى بعض الاقتصاديين.

فللأسباب السابق ذكرها.. انخفضت رسوم المرور بقناة السويس،وكذلك عائد السياحة الخارجية، وأيضا تحويلات المصريين فى الخارج، وكلها مصادر للنقد الأجنبى وخاصة الدولار الأمريكى باعتباره العملة الرئيسية فى التعاملات الدولية.

هذا بينما توسع بعض أصحاب المصالح فى الاستيراد من الخارج.. وكانت النتيجة أن فاتورة الواردات أصبحت ثلاثة أضعاف عوائد الصادرات تقريبا، ومن ثم كانت أزمة الدولار.. واضطر البنك المركزى لضخ حوالى ثلاثة مليارات فى السوق لسداد الفواتير المستحقة ولتلبية الطلبات الاستيرادية العاجلة خاصة من السلع التموينية.. وهو ما يعنى خفضا لاحتياطى البلاد من النقد الأجنبى.

وللحقيقة لسنا بدعة فى ذلك.. فأغلب الدول واجهت هذه المشاكل من قبل،ولكن كان لدى بعضها «مايسترو» صاحب رؤية.. يقود عمليات الإصلاح والعلاج، مثلما قاد المرحوم عاطف عبيد رئيس الوزراء منذ عدة سنوات المودعين لسحب دولاراتهم من وحدات الجهاز المصرفى.. وكان يحرص على التصوير معهم ونشر الصور فى الصحف والمجلات!

لقد سألت أساتذتى فى الاقتصاد ما العمل؟.. فأجابنى د. إبراهيم فوزى وزير الصناعة الأسبق لابد من برامج مكثفة للتشغيل وفرض ضرائب تصاعدية على الدخول، بينما أشار د. جودة عبد الخالق وزير التموين الأسبق إلى ضرورة حسن إدارة الاقتصاد والتعامل معه كأنه «اقتصاد حرب».. بما يعنيه ذلك من تعبئة الموارد وترشيد الإنفاق وتحديد  الأولويات ومكافحة الاحتكار ومحاربة الفساد وتعويم المشروعات المتوقفة.

والخلاصة: إعادة النظر فى أسلوب إدارة الاقتصاد المصرى.. وإعطاء العيش لخبَّازينه!

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز