عاجل
السبت 13 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
البحث عن الخلود! (2-1)

البحث عن الخلود! (2-1)

بقلم : محمد نوار

تعتبر ملحمة جلجاميش أول أسطورة في البحث عن الخلود تم تسجيلها تاريخياً، وحدث ذلك في نينوى بالعراق في زمن الملك آشور بانيبال 669 - 627 ق.م، والملحمة مكتوبة على 11 لوحاً طينياً بالخط المسماري وباللغة الأكادية.



ملحمة جلجامش التي تحدثت عن رحلته في البحث عن الخلود, فقد أصاب جلجامش حزنا شديدا بعد موت صديقه أنكيتو، فرفض دفنه لبضعة ايام حتى خرج الدود من جثته, فقام بدفنه بنفسه وانطلق شارداً بعد أن تخلى عن ثيابه الفاخرة مرتدياً جلود الحيوانات.

كان خائفا من حقيقة أنه لابد وأن يموت لأنه بشر, ولا خلود إلا للآلهه، بدأ جلجامش رحلتة للبحث عن الخلود والحياة الأبدية, وظن أنه لابد وأن يجد الإنسان الوحيد الذي وصل لتحقيق الخلود لكي يخبره بهذا السر.

وفي طريقه للبحث قابل بعض الآلهه فأخبروه أن يعيش ما تبقى من حياته متمتعا بملذاتها ولا ينام إلا وبطنه مليئة بأشهى أنواع الطعام, ولا يشغل نفسه بالبحث عن هذا الشخص، لكنه رفض وظل يبحث حتى عاد خائب الأمل، وتنتهي الأسطورة بموت جلجامش.

لكن المحاولة الأولى الحقيقية في البحث عن الخلود تم تسجيلها في القرآن الكريم، فقد أخبرنا تعالى أن الشيطان أغوى آدم وزوجه بالخلود حيث دلهم كذباً على شجرة الخلد, فذهب ادم وزوجه مسرعين طلباً للخلود فأكلا منها فحق عليهما الخروج من الجنة ونعيمها الى الأرض وشقائها.

فوسائل غواية الشيطان للبشر متنوعة وأشهرها الطريقة التي استخدمها مع آدم وزوجه، بالرغم من أن الله تعالى قد حذر آدم وزوجه من الشيطان، وقال لهما إنه لهما عدو، بل وحذرهما من الأكل من  شجرة وحيدة ، بينما أباح لهما التمتع بكل ما في الجنة من خيرات.

قال تعالى: (.. وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً . وَلأضِلَّنَّهُمْ وَلأمَنِّيَنَّهُمْ..) النساء 119-118، فالإضلال والأمنيات الكاذبة هما من استراتيجيات الشيطان الثابتة والتي لن تتغير، وهو قد اتبع مع آدم وزوجه شيئين: الأول أنه أضلهما عندما أشار عليهما بالأكل من الشجرة: (دَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ) الأعراف 22، والثاني أنه وعدهما بالأماني الكاذبة التي يعرف أنها لا يمكن أن تتحقق: (..وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) الأعراف 20.

 ومع هذا الكشف الواضح من الله تعالى لطرق الشيطان في الغواية، إلا أن أكثر البشر تقع في غواية الشيطان، ونسبة قليلة من البشر التي تنجح في في عدم الوقوع في غوايته: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) الإسراء 65، لأن الله تعالى يعلم أن علاقتهم بربهم تجعلهم في قوة وغنى عن الوقوع في غواية الشيطان. 

وفي القرآن الكريم تكررت كلمة الشيطان ومشتقاتها 88 مرة، وقد أخبرنا تعالى عن عداوة الشيطان للإنسان، ووضح الأساليب التي يستخدمها الشيطان لإضلال بني آدم.

وللتغلب على العدو يجب معرفة أساليبه التي يستخدمها، فالشيطان يستخدم الوسوسة، وقد أخبرنا تعالى عن أنواع تلك الوساوس من الأذى والفحشاء والإساءة لله، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) البقرة 169-168، يحدث ذلك من خلال الأفكار السيئة ومنها إيذاء النفس والأخرين, وارتكاب الفواحش, والإساءة لله تعالى ولدينه ولرسله عليهم السلام.

والشيطان يوسوس وهو مستتر، فيتكلم معنا دون الإحساس به حتى نشعر بأننا نكلم أنفسنا وليس مع عدونا، قال تعالى: (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ) الناس 4، فهو يتلاعب بالمشاعر حتى نتبع وسوسته ليصل لغرضه فيجعلنا نشرك ونكفر بالله، فإن لم يستطع فإنه يجعلنا نشك في الله.

وأسلوب الوسوسة استعمله الشيطان منذ البداية في التأثير على آدم وزوجه: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ) الأعراف 21-20، فالشيطان وسوس لهما بفكرة أن الله تعالى ما نهاهما عن الشجرة إلا أن يكونا ملكين أو من الخالدين, وحتى يصدقا وسوسته أقسم لهما أنه ينصحهما ليعطيهما الإحساس بالاطمئنان.

وللشيطان أساليب متنوعة يدخل بها على كل إنسان حسب مكانته وخصائصه، ويسير الشيطان مع الإنسان خطوة خطوة ليوقع به، لذلك نهانا تعالى عن اتباع خطوات الشيطان: (..وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) البقرة 168.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز