الجن والإنس ... حقائق وأساطير(4)
بقلم : لواء أركان حرب/ جمال عمر
استعرضنا سابقا حقيقة وجود الجن وطبيعة خلق أجسادهم ( وسيلة التعامل مع الدنيا) من مارج من نار ، وأسباب العداء التاريخي بين كفار الجن وابن آدم وذريته ، وكذا الميثاق التاريخي باقتران كل إنسان بقرين كافر من الجن منذ ولادته وحتى موته يحيا ويتعايش معه ويعرف عنه ما لا يعرفه عنه مخلوق آخر ومهمته هي غواية هذا الإنسان بالوسوسة له ليل نهار بكل ما هو شر وخطيئة مستغلا شهوات ورغبات الإنسان خاصة شهوات المتع والكبر والأنانية والتسلط والامتلاك المختلفة ، وقلنا أن أكبر نجاحات الشياطين تمثلت في إقناعه لمعظم البشر بعدم وجودهم وبالتالي انعدام وسوسة القرين من الشياطين للإنسان ، حتى أن البعض يعتبر ذلك اتهاما لا يليق بقدره وعلمه وسلطانه ، وقلنا أن أساسيات تركيب الجن والإنس واحدة وهي (النفس) مع اختلاف طبيعة الجسد ومادة خلقه من نار لطين وهو ما يعطي للجن القدرة على المرور والنفاذ عبر جسد الإنسان خاصة من يتنازل عن حمايته .
وتعلمنا من القرآن أن الجن والإنس ما هم إلا نفوس ، والنفس لا تموت ولكنها تذوق الموت عندما تفقد الجسد الذي تتعامل بواسطته مع الحياة ، ويحدث هذا باسترداد الله لسر الإحياء المطلق وهو الروح ، فتغادر الروح الجسد فيتلف الجسد ويتحلل لمواده الأولية (ترابا أو رمادا) ، وتشهد النفس هذا الحدث الجلل ، بل وتذوق آلام خروج الروح من الجسد ، ثم يتوفى الله النفس إليه وينشئها في عالم آخر لم يشأ الله أن نعلم عنه شيئا سوى أن طبيعته سوف تكون جزاء (ثواب أو عقاب) مباشر لنتاج تعاملنا مع معطيات واختبارات الحياة قبل الموت ، والتي يشرحها لنا الخالق العظيم بقوله {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }العنكبوت57 ، وقوله تعالى .. {نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ ، وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذكَّرُونَ} 60 : 62 الواقعة ،
ولا شك .. أن الإنسان الذي يعد عمره بعشرات السنوات فقط كحد أقصى ، وهو يختلف في عمر جسده عن عمر جسد الجن ، وبالتالي فأعمار الجن في الحياة قد تصل لآلاف الأضعاف من أعمار الإنس ، ولذلك عندما يموت الإنسان يفقد القرين الجني الإنسان الذي عاصره وعايشه منذ ولادته ، فيحزن عليه وربما يقيم فترة من الزمن بالقرب من مدفنه أو بيته أو أهله ، وقد يتدخل ويعلن عن وجوده بصور مختلفة لو كان هناك ما يدفعه لذلك ، كأن يكون موت الإنسان قد حدث قتلا واغتيالا أو بخيانة ، فيسعى ليقتص من الجاني وربما لا يهدأ حتى يكشفه ويتم القصاص منه ، ولا شك أن الدجالين يستخدمون ذلك كثيرا وعلى نطاق واسع مستغلين جهل العامة بحقائق الأمور ، فيقنعون البعض بتحضير روح فلان الذي مات ، وهم في الحقيقة يتعاملون مع قرينه من الجن بإقناع البسطاء والحمقى بأنه الشخص المزعوم باستغلال صدق المعلومات التي يرويها الجني عن قرينه والتي لا يعرفها سواه .
ولا شك .. أن الاتصال بالجن والتعامل معهم محرم في كل الأديان السماوية لأن فيه عصيان صريح لأمر الله وقضاءه بين خلقه والذي شاء أن يكون ابن آدم مكرما على جميع خلقه ، بل والجن كانوا وما يزالوا من المأمورين بالسجود لابن آدم تعظيما وإجلالا لمهمته التي خلقه الله من أجلها وهي (إعمار الأرض كخليفة لله عليها) ، ولذلك جعل الله في اتصال الإنسان بالجن إهلاك لجسده بما يطلق عليه القرآن بـ (الرهق) في قوله تعالى .. {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً }الجن6 ، تماما مثلما جعل الله في كل محرم عقابا ماديا خاضع لناموس الكون وحقائقه العلمية الثابتة ، فالاتصال المباشر بين الإنسان والجني يدمر جسد الإنسان ويصيبه بالشيخوخة المبكرة ، فضلا عما قد يسببونه من فوضى وأضرار للمحيطين بالمتصل لاختلاف طبيعة وناموس حياتهم عن الإنسان ، ولكن ابن آدم مارس الاتصال بالجن منذ القدم حيث كانوا يستخدمون الجن لاستراق السمع على أبواب السماء ليعلموا الأقدار التي قضاها الله في لوحه المحفوظ وتنزل بها الملائكة تبلغها حية صوتا وصورة حتى تحدث على الأرض بعد صدورها في اللوح المحفظ بخمسمائة سنة ، ثم تحمل الملائكة تمام حدوثها حيا بالصوت والصورة (عارجة) في السماء لتصل إلى اللوح المحفوظ بعد خمسمائة سنة أخرى ليكون مجموع ما يستغرقه الأمر في الدنيا من لحظة تقديره وكتابته حتى وصول تمام حدوثه كبلاغ هو (ألف سنة مما تعدون) وهو ما أشار إليه سبحانه في مطلع سورة النحل بقوله (آتى أمر الله فلا تستعجلوه) ، ثم فصلها تفصيلا في سورة السجدة بقوله تعالى .. {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ .. ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ .. فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }السجدة5 ، وأخبرنا باستراق الجن للسمع في قوله تعالى على لسان الجن .. {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً ، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَّصَداً ، وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} 8 : 10 الجن ، ولذلك كان للكهنة والمتعاملين مع الجن قبل الإسلام شأن عظيم ، وهو ما خسروه تماما بعد إغلاق السماء ومنع الجن من استراق السمع للمقدر والمكتوب وإبلاغه للكهنة والسحرة ، وقد أغلقت السماء تاريخيا كما نجده في كتب اليهود ليلة مولد رسول الله (محمد) والتي كانوا ينتظرونها ويعلمون حقيقتها ويبشرون الناس بها ظنا منهم أن خاتم المرسلين سيكون منهم ، فلما ولد من العرب فجعهم تحول ناموس الرسالة عنهم مقرونا بخسارتهم بقطع خبر السماء (كما يقولون في كتبهم) فعادوا الإسلام وكفروا به ، وعملوا على إفساد مفاهيمه وتفريق أتباعه منذ اليوم الأول بإعلان بعضهم الإسلام ليتمكن من تضليل المسلمين وفتنتهم وتفريقهم حتى أنزل الله قرآنا في المسجد الذي أسسوه ليمكروا بالمسلمين فيه ، {وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِّمَنْ حَارَبَ اللّهَ وَرَسُولَهُ مِن قَبْلُ وَلَيَحْلِفَنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ{107} التوبة ، ولذلك نجد أشد الناس عداوة للمسلمين هم اليهود وكهنة الماسونية وأتباعهم من عبدة الشيطان والجماعات والفرق المتعددة الأسماء والجنسيات والمتغلغلة في كل الأديان وما أكثرها في المسيحية والإسلام .
واستغلالا من إبليس لأكبر نجاحاته بقناعة البشر بعدم وجوده أو تأثيره بالوسوسة حقق إبليس وشياطينه أعظم نجاحاتهم على الإطلاق ببث روح نشره الفرقة بين البشر بإثارة وإثراء شهوات النفس البشرية من التسلط والسيطرة والتملك والتميز مستخدما في ذلك الاختلافات العرقية أو الدينية ونجح ببراعة في إقناع كل فئة وملة ومذهب ودين بأنه الحق وغيره كافر ولن يدخل الجنة ولا يستحق الحياة ولابد من عدائه وتصفيته ، مستغلا في ذلك غباء البشر وحماقتهم ونسيانهم أن كل البشر هم خلق الله وعياله وأن لكل بشر معطياته التي ولد بها ولم يختارها ، وأنه سوف يكون محاسبا عليها فقط ، فضلا عن حسابه عن تألهه على الله ومنحه لنفسه حقوقا ليست إلا لله بعداء البشر وتقسيمهم لكفار ومشركين وملاعين ، رغم أن كل إنسان منا هو مأمور فقط بحساب نفسه وحسن التعامل بالسلام والمودة والتعاون مع غيره من البشر لإعمار الأرض وترك محاسبتهم على مللهم ودينهم لخالقهم وحده ، ولكن ابن آدم ينسى ويتغافل بل ويتحامق ويطيع إبليس وشياطينه ويستجيب لوساوسهم ، فيفسد في الأرض ويسفك الدماء ليصدق عليهم ظن إبليس بعدم قدرتهم على خلافة الله على أرضه {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ }سبأ20 .
والعجيب أن البشر لا يراجعون أنفسهم مدفوعين بخوفهم من خسارة ما اكتسبوه بإثراء شهواتهم على حساب غيرهم كنتيجة منطقية لطاعتهم للشياطين بل وعبادتهم لإبليس وهو ما نراه واضحا ومعلنا في الماسونية العالمية التي تحاول منذ فجر التاريخ حكم العالم والبشر حتى توغلت في كل دين وملة ومذهب ، وبلغت قوى الماسونية (عبدة إبليس) أنها تتحكم في كل الفرق في الأديان السماوية والبشرية حتى سيطرت على كل الدول والقوى الكبرى في العالم وتسعى بشراسة لإخضاع كل دول العالم وتخوض اليوم حربا شرسة لا رحمة فيها ولا شرف ولا أمانة فيها ضد كل من يشذ ويخرج عن سيطرتهم ، ولذلك فالحرب ضروس على مصر ومن كل الجبهات وبمختلف الطرق والوسائل والأساليب الحقيرة والوضيعة مستغلين أعظم إنجازاتهم من الفرق الماسونية في الإسلام مثل الإخوان والسلفية والصوفية والشيعية والتي تتيح لهم المناورة وخداع العامة والشعوب والتسلل لأعماق الدول والكيانات ، ويبقى في النهاية الإنسان قادرا بكل ما منحه الله من حماية على أن يلفظ عنه ويحمي نفسه من شياطين الإنس والجن بمراعاة قواعد بسيطة أولها التنبه لوسوسة الشياطين في نفسه فهي صاحبة كل ما هو شر وفاحش يخشى الإنسان أن يعرفه الناس عنه ، وثانيها الحرص على ذكر اسم الله دوما والاستعاذة من الشياطين ، وثالثها الالتزام بفروض الله التي أمر الله بها للحفاظ على حماية واستقامة الإنسان ، ورابعها تجنب التورط في اللغو والانحرافات ومحاسبة النفس ومتابعتها لتجنب الأمراض النفسية والجسدية التي يصيب بها الشياطين كثيرا من البشر وهو ما سوف نستعرضه لاحقا .
















