محمد جمال الدين
رسائل يعقوب وصلاح
لم يسعدني الحظ أن أشاهد هذا الحوار الممتع، الذي دار بين طبيب القلوب العالمي مجدي يعقوب ونجمنا فخر مصر والعرب محمد صلاح وقت إذاعته، لأنه لم يكن مجرد حوار بين رمزين من أهم رموز مصر، وصلا إلى أعلى المراتب (كلٌّ فى تخصصه ) ،بل لكونه يعد درسًا إعلاميًا ملهمًا لأغلب من يطل علينا عبر الشاشات، لعله يجدى نفعًا معهم، بعد أن فاض بنا الكيل من حوارات اللت والعجن وعن أحاديث فلان طلق زوجته وعلانة تتزوج للمرة السابعة، وهذا تضخمت ثرواته وذاك يستجدى الاشتراك في أي عمل.
أهم ما ميز هذا الحوار الكاشف الثقة بالنفس والإيمان بالحلم الذي سعيا لتحقيقه رغم الصعاب التي واجهتهما في بداية المشوار، لم يدع أحدهما أنه ولد وفى فمه ملعقة من ذهب، بل أكدا قيمة الاجتهاد المستمر التي نتمنى أن يأخذ بها شبابنا الذي يعاني من ضغوط الواقع وأمل النجاح الذي يراودهم في أحلامهم دون العمل الجاد من أجل تحقيقه. وتلك تحديدا هي النتيجة التي تحمل في جوهرها رسائل ثقافية وأخلاقية وتنموية الموجهة إلى شبابنا. فملك القلوب جسد قيمة العلم والإنسانية والعمل بعيدا عن عالم الشهرة والأضواء. ونجم الكرة بفضل اجتهاده وانضباطه أصبح من مشاهير المستطيل الأخضر، تلك هي النماذج التي تلهم الأجيال الجديدة، وتعيد إلى الحياة مفهوم القدوة الذي غاب مع الزمن بفعل ثورة العالم الافتراضى الذي تمكن من شباب العالم وليس شبابنا فقط.
الحوار تجاوز بكثير حدود عالم الطب والرياضة رغم أنه اعتمد على شخصيتين ينتميان إلى عالمين متباعدين ظاهريًا، إلا أنه جمع بينهما في الوصول الى أعلى درجات سلم النجاح، بفضل العمل الجاد والإيمان بالذات والتواضع، دون إهمال للحس الإنساني وفعل الخير، وأثبت أن الإنجاز العلمي لا يقل بأى حال من الأحوال عن التفوق الرياضي، فملك القلوب الذي اختار بملء إرادته العمل في هذا التخصص بعد وفاة عمته بالقلب يعالج المحتاج مجانًا، بخلاف كونه مرجعًا طبيًا عالميًا لكل ما له علاقة بالقلب، ونجم الكرة الذي كان ينام تحت مدرجات استاد الجبل الأخضر، توفيرا للجهد والوقت ونفقات السفر من بلدته إلى القاهرة، يقدم الدعم المالي والخير للعديد من أبناء بلده، ومؤسسته الاجتماعية تشهد بذلك.
ولذا يمثل حوار محمد صلاح مع الدكتور مجدى يعقوب حالة استثنائية لشخصيتين مصريتين لديهما تأثير عالمي، إلا أنهما يحتفظان بقيمهما وجذورهما المصرية الأصيلة، وهو ما يعود بالنفع على شبابنا، ويمنحهم الشعور بأنهم يستطيعون أن يصلوا لمراتب أعلى حال توافر الإرادة والرؤية والمسار الصحيح. ويؤكد الاعتبار لدور العلم والاجتهاد وأن النجاح له ثمن، خصوصا في المجتمعات التي تعاني من الفوضى والاستسهال (وتعمل وفق نظرية متعرفش أنا ابن مين).
من أجل هذا وغيره الكثير أعتقد جازما أن الحوار الذي جمع بين خبرة يعقوب وشباب صلاح ما هو إلا درس ملهم لشباب مصر، في زمن باتت فيه صور النجاح محصورة في كيفية تحقيق الثراء السريع وركوب (التريند) لتحقيق شهرة فارغة، ليس لها من سند أو حقيقة. وما كان انبهار صلاح وتواضعه حين كان يستمع للدكتور يعقوب سوى اعتراف بقيمة العلم في الحياة، وكذلك جاء اهتمام عالم الطب بحديث صلاح احترامًا لإنجاز الشباب وحماسه. كلاهما تحدث عن المعوقات التي واجهته، وبالصبر والاجتهاد والعمل تحقق النجاح، لذلك أطالب بالمزيد من هذه الحوارات التي تمنح الثقة وتصحح المفاهيم وتساعد في خلق لغة مشتركة بين الأجيال تسهم في تبنى وعي جديد، بعيدا عن السطحية التي يمتلئ بها عالمنا الحالي، الذي يعتمد وللأسف على لقاءات وحوارات سطحية وعبارات سابقة التجهيز، لهذا نريد حوارات تؤكد أن النجاح ليس حكرًا على أحد، حوارات تشحن النفوس وتعيد الثقة وتثبت أن «لكل مجتهد نصيب».
نقلاً عن مجلة روزاليوسف
















