

جورج أنسي
البنك المركزى (الحصرى)!!
بقلم : جورج أنسي
كنت قد قررت أن أكتب هذه السطور مهاجمًا بضراوة قرار البنك المركزى الاخير والذى أثار لغطًا وغضبًا بين جمهور لابأس به من الشعب المصرى، والمتعلق بوقف التعامل خارج مصر على كروت الفيزا بأنواعها- سواء سحب من ماكينات ATM أو شراء سلع- والصادرة على حسابات بالعملة المحلية من البنوك العاملة داخل الوطن وقصر التعامل بها داخل حدود المحروسة !
إلا أننى وبعد مكالمة طويلة مع صديقة وأخت عزيزة وزميلة دراسة بكلية الإعلام - والتى تشغل منصب المدير الاقليمى لأحد البنوك الخاصة - فهمت خلالها أن هناك جانبًا آخر لبيان (المركزى) المثير ، فرغم اتفاقها معى فى ان لهذا القرار آثارًا سلبية على أعداد كبيرة من العملاء الملتزمين - والذين يشكلون شريحة كبيرة - الا أنه ظهر أخيرًا عصابات كاملة تقوم بالتعامل على عدد كبير جدًا من كروت الفيزا بإجمالي مبالغ رهيبة من العملات الأجنبية وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على ما تملكه البنوك العاملة فى السوق المصرى من النقد الأجنبى وهذا هو السبب الرئيس فى البيان الذى اصدره ( المركزى ) مطالبًا البنوك بتوخى الحذر وليس المنع الكامل للتعامل بالكروت خارج مصر .
ومع اقتناعى بما قالته زميلتي العزيزة ، الا أن الالية التى اتبعها ( المركزى ) فى إصدار بيانه لم تكن موفقة ، كما أن التعميم فى القرار ومساواة العاطل بالباطل أدى الى دخول العملاء الملتزمين طرفًا فى النقمة والغضب على قرار المركزى لان ذلك يعنى ببساطة تسليمهم للسوق السوداء للتحكم بهم حتى فى المبالغ الصغيرة التى يحتاجونها خارج مصر.
لا أنكر أننى تفاءلت خيرًا بتولى طارق حسن عامر ، منصب محافظ البنك المركزى المصرى ، حيث قام الرجل بشجاعة بوقف القرارات العجيبة التى اتخذها سلفه هشام رامز والتى اثارت دهشة المتخصصين قبل عوام الناس وكان ابرزها قرار الحد الأقصى للإيداع بالدولار بالبنوك - يوميا وشهريًا- بعد ان كان محددًا من جانب رامز ب ٥٠ الف دولار شهريا و١٠ آلاف دولار يوميًا فى الوقت الذى تئن الدولة والبنوك من نقص الدولار وعودة المضاربات عليه لتنتعش السوق السوداء من جديد.!!
ورغم استمرار ارتفاع الدولار ، الا اننى لم افقد ثقتى فى المحافظ المحنك وازداد اعجابى به بعد قراره معاودة طبع الجنيه الورقى والعمل به ، وهى خطوة لها ابعاد عديدة لا يتسع المجال لسردها ، مع إصدار شهادات دولارية بفوائد جيدة جدا تلبى احتياجات المصريين بالداخل والخارج مع تخصيص شهادات ذات عائد يصل الى ١٥.٥٪ على الجنيه فى حالة التنازل عما يملكه العميل من عملات أجنبية للبنك ...وهكذا مضى عامر فى طريقه رغم الظروف الاقتصادية الصعبة ، ليذكرنا بالمايسترو فاروق العقدة - المحافظ الأسبق للمركزى - الذى تمكن من إيقاف ارتفاع الدولار لفترة طويلة .
واليوم بإمكان محافظنا الهمام ان يصدر تعليماته بمحاصرة هذة العصابات وهؤلاء العابثين باقتصاد الوطن بنفس الطريقة والاسلوب المتبع مع أولئك الذين صدرت بهم (قوائم سوداء) نتيجة عدم تسديدهم لقيمة كروت الائتمان التى استخرجوها من جميع البنوك العاملة بمصر ، مع ترك الحرية لكل بنك فى تحديد قيمة ما يتم سحبه بهذة الكروت -سواء يوميًا أوشهريًا- وحتى باستخدامها فى شراء السلع خارج مصر ، بدلًا من إصدار بيانات تثير الحنق والغضب بل والذعر بين مواطنين لاعلاقة لهم بفكرة المضاربات على العملات الأجنبية ولا يدخلون أساسًا فى هذة اللعبة الحقيرة .
اننا جميعًا مع الاستقرار وتعافى عملتنا الوطنية ، ولكننا فى نفس الوقت نؤكد دائمًا على المصارحة والمكاشفة وتوضيح الامور للرأى العام مع تجنب فكرة اصدار تصريحات وبيانات لقياس اتجاهات الرأى العام ففى ذلك مخاطرة كبرى ، مع عدم مساواة العميل الملتزم بالنصاب وصاحب الأغراض الدنيئة وتلك هى المعادلة الصعبة التى نحلم بمعالجتها فى جميع قطاعات الدولة .