

أ.د. عادل القليعي
فما ظنكم برب العالمين؟! "3-2"
تحدثنا في المقال السابق عن التعريف اللغوي والاصطلاحي لكلمة الظن، وكذلك تناولنا ما قد يصيب الإنسان من ضيق وضجر إذا ما تأخرت مراداته، وقلنا في مسألة الرزق إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، وأن رزقنا سيأتينا مهما تأخر لأن الله هو الرزاق، وهذا ما أكد عليه الإمام الغزالي، رحمه الله، عندما قال إن رزق الإنسان موجود بالقوة في عالم الذر، أو عالم الغيب، وما أن يأتي الإنسان إلى الدنيا، فيتحول الرزق من وجود بالقوة إلى وجود بالفعل، فيتغذى الجنين في بطن أمه بقدرة الله، ثم ما أن يولد، وقبل أن تتفتح عيناه يدله الرزاق على مصدر رزقه النجدين، وهما الثديان، فيتغذى لبنا سائغا باردا رطبا في الصيف، ودافئا دونما حرارة في الشتاء.
وكما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى، علمت أن رزقي لن يأخذه غيري فاطمأن قلبي.
لكن متى يكون ذلك، إذا ما أحسنا الظن بالله تعالى مصداقا لقول الله في حديثه القدسي، يا عبدي لا تخشى فوات الرزق فأنا الرزاق المتين.
لكن ضرورة السعي قي طلب الرزق والأخذ بالأسباب ثم التوكل على رب الأسباب.
وسأسوق أدلة ترتاح عند سماعها القلوب وتهدأ الأفئدة وتطمئن بها القلوب.
ألم يحسن النبي ﷺ الظن بالله تعالى في كل حياته، والنتيجة نصر من الله عزيزا مؤزرا، ماذا حدث للنبي في رحلته للطائف، ضرب حتى تورمت قدماه، لكن هل يئس وقنط من رحمة الله، هل سلم لملك الجبال عندما أتاه قائلا إن الله أمرني أن أطبق عليهم الأخشبين إن أردت ، لكن النبي قال، اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون، ودعا ربه دعاء الواثق بالله حسن الظن به ولم يظن بالله الظنونا، متيقنا قوله تعالى، "ما ودعك ربك وما قلى"، وأتاه الفرج فرجات.
والصديق رضى الله عنه، عندما كان مع رسول الله ﷺ وهما في الغار، ماذا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لو نظر أحدهما تحت قدميه لرآنا، انظروا إلى قول حسن الظن بالله، قول الرسول الكريم، ما بالك باثنين الله ثالثهما.
إنه حسن الظن بالله تعالى، وفي غزوة بدر الكبرى، إذا زاغت أبصار الصحابة وبلغت قلوبهم الحناجر وظنوا بالله الظنون، أن الله سيتخلى عنهم وسيتركهم لأعدائه يمعنون فيهم القتل والسبي، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالا كبيرا.
فتأتي العناية الإلهية ويقف النبي واثقا في نصر الله تعالى قائلا يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تقوم للدين قائمة، فيأتي الفرج ويرسل الله النعاس على الصحابة فيرتاحوا ثم يحتلموا ليثري عنهم ثم ينزل الغيث ليغتسلوا ويجعل الأرض زبدا تحت أقدام أعدائهم ويرسل جنودا من السماء تقاتل معهم ويتحقق النصر المبين، لماذا، لأنهم أحسنوا الظن بالله تعالى.
وهذا ما حدث مع قواتنا المسلحة الباسلة فبعدما دب اليأس في القلوب بعد الذي حدث في عام 1967م، وبعد أن تلا الزعيم ناصر خطاب التنحي محملا نفسه ما حدث معلنا مسؤوليته الكاملة عن النكسة، وفقد الشعب وقتها توازنه، لكن هب رجال الدين في المساجد، في الكنائس يبثون روح التفاؤل في الناس، معلنين صراحة ثقتهم في نصر الله تعالى، وراحت الشؤون المعنوية تؤدي دورها لإزالة الآثار النفسية عند الجنود، وأن النصر سيتحقق لكن بعدما نعالج الأخطاء التي وقعنا فيها، وبالفعل أعادت قواتنا المسلحة توازنها وراحت تنظم صفوفها وأوجعت العدو في حرب الاستنزاف، تمهيدا للملحمة الكبرى التي تحقق فيها النصر المبين، معركة السادس من أكتوبر عام 1973م، المعركة الكبرى التي استعدنا فيها سيناء الحبيبة.
كل ذلك لماذا، لماذا حدث هذا النصر المبين، لأننا أحسنا الظن بالله وأعدنا ثقتنا في أنفسنا وأخذنا بالأسباب وتوكلنا على رب الأسباب.
ونحن الآن محسنون الظن بالله تعالى أنه ستتحقق التنمية الشاملة المستدامة وستنهض بلادنا رغم أنف الحاقدين والحاسدين والكارهين لأنفسهم أعداء النجاح، أعداء الإنسانية الذين ليس لهم هم إلا بث روح اليأس فى النفوس، لكن نحن لهم بالمرصاد، وسنقول لهم موتوا بغيظكم ستقوم بلدنا وستنهض بفضل الله تعالى وبحسن ظننا به ومن خلال اصطفافنا خلف قادتنا.
وللحديث بقية مع الحديث القدسي، الذي رواه النبي ﷺ عن رب العزة جل وعلا.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: يَقُولُ اللهُ تعالى: "أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي، إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ، ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ، ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ، وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا، تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا، تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً".
أستاذ الفلسفة بآداب حلوان