

محمد نجم
شيوخنا الأجــــلاء
بقلم : محمد نجم
علامَ الخلاف؟
مرة أخرى .. اكتب عـن الخلاف - غير المبرر- بين شيوخنا الأفاضل فى الأزهر والأوقاف، وهو الخلاف الذى لم يعد خافيا على أحد، وإن لم ينته.. فسوف يترك أثرا سلبيا على المؤسستين الدينيتين والعاملين فيهما.. وعلى المجتمع كله.
وكنت أعتقد أن التلميح الذكى من القيادة السياسية فى إحدى المناسبات الدينية «بأن الله سوف يحاسبنا على أفعالنا..» كافٍ.. بل معبر عن استياء المجتمع من هذا الخلاف.. ودافع إلى «كلمة سواء» بين الطرفين.
ولكن لا تأتى الرياح دائما بما تشتهى السفن!
ويبدو أن «الطبع» الغلاب و«الطموح» المتعجل قد ساهم كثيرًا فى استمرار هذا الخلاف الذى يحاول الطرفان كتمانه والمواربة فيه.. إلى أن جاءت خطبة الجمعة «المكتوبة» فكشفت عن النار التى تحت الرماد!
وما يدعو للدهشة أن طرفى الخلاف.. أحدهما هو العالم الجليل.. فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر.. رئيس جامعة الأزهر السابق.. ومفتى الديار المصرية الأسبق.. الدارس والمحاضر للعقيدة والفلسفة والعميد الأسبق لكليتى أصول الدين والدراسات الإسلامية.
والثانى.. هو وزير الأوقاف.. رجل فاضل وعميد سابق لكلية الدراسات الإسلامية، ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية، والدارس والمحاضر للغة العربية وآدابها، فضلا عن أنه كان عضوا سابقا بالمكتب الفنى لشيخ الأزهر لشئون الدعوة والإعلام الدينى.
وقد يدعى البعض أن الأزهر مستقل عن الحكومة ومن حق كل منهما أن يكون له «وجهة نظر» فى أسلوب الدعوة وممارسة اختصاصاته.
ولاشك أن هذا رأى خاطئ وجدل يصل إلى درجة اللدد.. لا محل له، لأن كل العاملين فى الأزهر والأوقاف خريجو مؤسسة واحدة.. هى جامعة الأزهر، وأن هدفهما واحد ومشترك.. وهو الدعوة إلى الإسلام الصحيح بالموعظة الحسنة، وقد تكون وزارة الأوقاف مسئولة عن إقامة الشعائر الدينية بسبب تبعية المساجد لها، ولكن الأزهر أيضا لديه أكثر من أربعة آلاف واعظ وداعية ولهم الحق فى زيارة المساجد ومحاضرة المصلين فيها بالاتفاق مع إمام المسجد.
وليس سرا أن جميع العاملين فى حقل الدعوة الإسلامية تتلمذوا على أيدى بعضهم البعض بما فيهم وزير الأوقاف الذى يصغر عن شيخ الأزهر بعشرين عاما، بل إن الشيخ هو الذى اختاره لعضوية مكتبه الفنى ثم رشحه للوزارة فيما بعد.
والمعنى أن الجميع فى خندق واحد، وهدفهم واحد.. ولديهم رغبة مشتركة فى تجديد الفكر الدينى والانتصار فى معركة مواجهة التطرف والإرهاب.. فعلام الخلاف إذن؟!
هذا الخلاف- غير المبرر- الذى أوقف أو ألغى القوافل الدعوية المشتركة.. والتى كانت تجوب المساجد وتلتقى بالمواطنين فى تجمعاتهم من شرق البلاد إلى غربها ومن جنوبها إلى شمالها.
وأعتقد أن هذا الخلاف أيضا.. كان سببا فى ألا ترى قناة الأزهر- المزمع إنشاؤها- النور والتى كان مقدرا لها أن تعبر عن الوسطية الإسلامية عقيدة الأزهر الشريف، بعد أن سيطرت السلفية المتطرفة على القنوات الدينية الخاصة.
إنه أمر يدعو للعجب.. حيث يدعوننا شيوخنا الأفاضل إلى وحدة الصف.. وأن نعتصم بحبل الله جميعا بينما هم مختلفون! بل وصل الخلاف إلى مراحل الكيد والاعتراض؟
أعتقد أنه ليس من المواءمة السياسية ولا الدينية أن يختلف «الدعاة» فى كل من الأزهر والأوقاف، فالأولى أن يتكاتفوا ويتعاونوا ويتفقوا على مفاهيم وأسس مشتركة لخطاب دينى جديد ينتظره المجتمع منهم جميعا.
خطاب دينى جديد يخاطب العقل ومنافذه والقلب ومشاعره، متجرد من الأوهام والخرافات، يشرح ويوضح للكافة فى الخارج والداخل مقاصد الشريعة الإسلامية السمحاء.. ويكشف ويبسط للعباد ما غم عليهم من أحكام العبادات والمعاملات، وأن يفرز دعاة مستنيرين مجددين قادرين على اجتذاب عقول ومشاعر مستمعيهم وإقناعهم بما يقولون.
وبصراحة شديدة.. وكمواطن مسلم له بعض الدراسات فى هذا المجال، لا أعتقد أن خطبة الجمعة «المكتوبة» والتى تعد مركزيا فى وزارة الأوقاف.. يمكن أن تفرز الدعاة الذين نرغب فى الاستماع إليهم.
والكل يعلم أن خطبة الجمعة هى «عمود الخيمة» فى مجال الدعوة الدينية، حيث يجتمع أكبر عدد من المصلين.. والمجبرين على سماعها حيث إنها جزء أساسى من صلاة الجمعة والتى يحرص أغلبنا على أدائها حتى لو كان غير منتظم فى أداء الصلوات الخمس.
فهل القراءة من ورقة تتيح الإبداع والاجتهاد المنضبط.. أم تدفع المصلين للملل.. وأداء صلاة الجمعة كفريضة.. دون إشباع روحى يسعون إليه؟.
لقد منعت وزارة الأوقاف من قبل إقامة صلاة الجمعة إلا فى المساجد الكبرى والتى تتوافر فيها مساحات معينة تتسع لعدد كبير من المصلين، كما أنها سعت فى فترة سابقة لضم أغلب المساجد القائمة والتى أنشاءها بعض فاعلى الخير من المواطنين إلى تبعيتها وعينت لها موظفين ومقيمى شعائروخطباء، ولديها إدارة تفتيش تراقب عمل المساجد ومدى جدية القائمين عليها، فلماذا إذن تفرض على الأئمة خريجى جامعة الأزهر بكلياتها المختلفة خطبة مكتوبة موحدة.. وكأنهم فى «حصة إملاء»؟..
يا شيوخنا الأفاضل نحن نحترمكم ونقدركم وأنتم «قدوة» لنا.. فتعالوا إلى كلمة سواء.. وخيركم من يبدأ بالسلام.
حفظ الله مصر.. ووقاها من شر الفتنة النائمة.