عاجل
الأربعاء 27 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
لماذا لا يبارك الرب أمريكا؟!

لماذا لا يبارك الرب أمريكا؟!

بقلم : د. شريف درويش اللبان

كان الدين حاضرًا بقوة في مراسم تنصيب الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين دونالد ترامب؛ فقد شهدنا صلواتٍ دينية إسلامية ومسيحية ويهودية في كاتدرائية واشنطن حضرها الرئيس الجديد ونائبه مايكل بنس اللذيْن استمعا إلى بضعِ آياتٍ من القرآن الكريم مع ترجمةٍ باللغة الإنجليزية لهذه الآيات. ولم يكن الدينُ حاضرًا فقط في كاتدرائية واشنطن قبيل مراسم التنصيب، بل إن الصوات والدعوات من القساوسة للرئيس الجديد كانت على منصة التتويج، كما كان الخطاب الديني حاضرًا أيضًا في خطاب التتويج للرئيس الجديد الذي استشهد بالإنجيل في خطابه، والذي أنهاه بقوله أكثر من مرة بارك الله فيكم.. وبارك الله في أمريكا.



ولكن يبدو أن الرب لا يبارك أمريكا التي تكتب على عملتها أنها تثق به، ولكن من الواضح أنه لا يثق فيها ولا في قادتها، وأنه قد حان وقتُ العقاب، ولعل أكبر عقاب للأمريكان على ما اقترفته أيديهم في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا وفيتنام وشتى بقاع الأرض هو صعود دونالد ترامب إلى الحكم لكي يذوق الأمريكان وبال أمرهم.

إن وصول ترامب إلى سُدة الحكم معناه موت الديمقراطية التمثيلية التي أوصلت من خسر الانتخابات على المستوى الجماهيري إلى الحكم حيث تفوقت منافسته الديمقراطية عليه في عدد الأصوات بثلاثة ملايين صوت، ولكنه فاز بعدد المندوبين وفقًا للنظام الانتخابي الأمريكي، الذي من الواضح أنه لم يعد يستجيب للمتغيرات الجديدة في أن الديمقراطية بهكذا قواعد لا تمثل الشعب الأمريكي بشكلٍ صحيح.

ومن المعتقد أن هذا الذي حدث في الولايات المتحدة يعني بلا جدال موت الديمقراطية في عرينها الأكثر تحصينًا؛ فلأول مرة يخرج مئات الآلاف من المتظاهرين ضد الرئيس الجديد لدى تنصيبه وفي الأيام الأولى لبداية حكمه من بينهم شخصيات لها وزن في المجتمع الأمريكي من مثقفين وفنانين وسيدات مجتمع وسياسيين كان على رأسهم جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي ترك منصبه للتو، وقيام هيلاري كلينتون بالتغريد على تويتر لدعم المتظاهرين.

إن الولايات المتحدة تواجهها أيامٌ صعبة؛ فالخطاب الشعبوي لترامب سوف يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية، فالمهاجرون ضده، وكذلك النساء، وجماعات الإسلام السياسي، والميديا الأمريكية، والدولة العميقة التي لن تتركه يتصرف كيفما يريد. وعلى المستوى الخارجي، من الواضح أن علاقة الولايات المتحدة مع حلفائها في حلف الأطلنطي ستتأذى كثيرًا، وثمة توتر سوف ينشأ ما بين الولايات المتحدة والمملكة السعودية في قادم الأيام، كما أن مسألة نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس سوف يعيد القضية الفلسطينية إلى المربع الأول، وهو ما جعل الفلسطينيين يستبقون تنصيب ترامب بمظاهرات ضد هذا القرار الذي من الواضح أنه بدأ يشق طريقه على أرض الواقع.

ومن المتوقع أن تتراجع الولايات المتحدة إلى داخل حدودها مع إحكام إغلاق هذه الحدود أمام المهاجرين؛ فالأمريكان غير مستعدين للعب دور شرطي العالم مرةً أخرى، وليسوا على استعداد لإرسال جنودهم ليحاربوا من أجل أحد أيًا كان إلا بدفع فواتير باهظة الكُلفة، كما أنها لن تتحمل الجزء الأكبر من نفقات حلف الأطلنطي، مما قد يسبب تصدعًا أو على الأقل تراجعًا غير مسبوق لهذا الحلف الذي وصفه ترامب قبيل توليه بأبشع الأوصاف التي أخجل من ذكرها في هذا المقال.

إن عصر ترامب سيشهد أُفول الإمبراطورية الأمريكية، وتراجع اهتمامها بالشأن العالمي، وقلة تدخلها في الصراعات الإقليمية، واستغراقها في مشاكلها الاقتصادية المتفاقمة والتي تتمثل في تفاقم الدين الداخلي بمعدلات غير مسبوقة حذر منها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذي وصفه في نهاية فترة أوباما بأنه قد يتسبب في انهيار الاقتصاد العالمي.

إن ترامب مُطالب أمام الأمريكيين بتوفير الوظائف، وإعادة الشركات الأمريكية العاملة في دول أخرى إلى داخل الحدود الأمريكية لتوفير الوظائف للأمريكيين العاطلين، وإغلاق الباب أمام المهاجرين الجدد الذين يمثلون العِمالة الرخيصة، والاعتماد على العِمالة الأمريكية مرتفعة الثمن، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع كُلفة المنتجات الأمريكية وتراجعها في سوق المنافسة العالمية، كما أن ترامب مُطالب بإصلاح نظام الرعاية الصحية المعروف باسم "أوباما كير"، وبتقاسم الثروة والسلطة مع الشعب الأمريكي كما وعد في خطاباته الشعبوية التي تنذر بالخطر أكثر مما توحي بالتفاؤل.

إن الأيام القادمة ستكون صعبة على العالم وأكثر صعوبة على الولايات المتحدة.. واضح أن الرب لا يبارك أمريكا على ما اقترفت يداها، وواضح أيضًا أن العالم سيدفع الثمن.

                  

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز