عاجل
الثلاثاء 26 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
وزير الخارجية يكتب: مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق

وزير الخارجية يكتب: مصر وغزة.. حين يُستهدف من يقف مع الحق

في خضم عدوان غير مسبوق يشن على قطاع غزة منذ أكتوبر 2023، وبينما تتصاعد آلة القتل ضد المدنيين العزّل، فوجئ الرأي العام الدولي بسلسلة اعتداءات طالت بعض السفارات المصرية في الخارج، بزعم أن مصر تحاصر القطاع وتمنع دخول المساعدات الإنسانية. تلك الادعاءات، التي تفتقر إلى أي أساس واقعي، لا تصمد أمام الحقائق، وتكشف عن دوافع سياسية مشبوهة ومريبة تخدم الاحتلال وتُضلل الرأي العام العربي والدولي.



 

إن استهداف البعثات الدبلوماسية المصرية لا يُعد تعبيرًا عن احتجاج، بل هو اعتداء على السيادة، وضرب للذات الوطنية، وتشجيع على الانقسام الداخلي، وانحراف عن مسار النضال الحقيقي، بما يخدم أجندات لا تمت للوطن بصلة. فهل من الطبيعي أن يهاجم مواطن مصري سفارة بلاده في الخارج؟ أليست هذه البعثات تمثل الدولة المصرية، ويعمل بها مواطنون مصريون؟ إن الاعتداء عليها يصب في مصلحة من يسعى إلى تقويض دور مصر الإقليمي والإنساني، كما أنه يعد انتهاكاً لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية، التي تلزم الدولة المضيفة بمسؤولية حماية البعثات المتواجدة بها، وبالتالي تمثل الاعتداءات إخلالاً بأمن السفارات المصرية.

 

الغضب من حصار غزة مشروع، بل واجب أخلاقي وإنساني. غير أن توجيه هذا الغضب نحو مصر يُعد قلباً للحقائق وتزييفا للوعى. فإسرائيل هي الطرف الذي يشن حربا غير إنسانية على غزة، قتلت خلالها أكثر من 62 ألف فلسطينى، وجرحت أكثر من 100 ألف، بينهم أكثر من 12 ألف طفل. استخدمت أدوات القتل والتجويع ومنع توفير الدواء والخدمات الطبية، واستهدفت المستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنية التحتية.

 

في المقابل، أبقت مصر معبر رفح مفتوحًا منذ اندلاع الحرب، لتسهيل عبور المساعدات الإنسانية، والفلسطينيين قاصدى العلاج في مصر. أما الجانب الفلسطينى من المعبر، فقد خضع لاحتلال وسيطرة إسرائيلية، وتعرض للقصف عدة مرات، مما حال دون دخول الكثير من الشاحنات رغم جاهزية مصر.

 

ولم تكتفِ مصر بفتح المعبر، بل تجاوزت ذلك بتقديم دعم إنساني غير مسبوق، إذ دفعت بآلاف الشاحنات المحمّلة بالمساعدات إلى قطاع غزة، مساهمةً بأكثر من ٧٠٪ من إجمالي المساعدات الإنسانية التي وصلت إليه، كما نفّذت عمليات إسقاط جوى للمساعدات، وخاضت مفاوضات شاقة مع الجانب الإسرائيلى لضمان مرور المساعدات الانسانية للقطاع. وفي السياق ذاته، وفى خطوة تعكس التزامها العميق بالقضية الفلسطينية، استضافت القاهرة فى ديسمبر 2024 المؤتمر الوزاري لتعزيز الاستجابة الإنسانية فى غزة، بمشاركة أكثر من 100 وفد دولي، في تأكيد واضح على ريادتها الإنسانية والدبلوماسية لصالح الشعب الفلسطيني، كما تعتزم مصر استضافة مؤتمر دولي من أجل التعافي المبكر وإعادة الإعمار في قطاع غزة لتنفيذ الخطة العربية - الإسلامية لإعادة إعمار قطاع غزة فور التوصل لوقف إطلاق النار في القطاع.

 

موقف مصر من القضية الفلسطينية واضح وحازم؛ لا لتهجير الفلسطينيين، لا لتصفية القضية، لا للمساس بحقوق الشعب الفلسطيني.

 

وفي المقابل، تسعى إسرائيل إلى تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغربية، في انتهاك صارخ لكل المواثيق الدولية. كما أن التهجير يفتح الباب أمام موجات نزوح وهجرة غير شرعية غير مسبوقة، سوف تهدد أوروبا والعالم بأسره.

 

وعلى الصعيد السياسي، تضطلع مصر بدور محورى في جهود الوساطة الدولية، بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة الأمريكية، في مفاوضات صعبة ودقيقة بين إسرائيل وحركة حماس تهدف إلى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، وتأمين دخول المساعدات الإنسانية، وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، وبحث ترتيبات ما بعد الحرب، بما يضمن إعادة إعمار القطاع دون تهجير أهله. هذه الوساطة ليست مجرد تحرك دبلوماسي، بل تعبير عن مسؤولية تاريخية تتحملها مصر تجاه القضية الفلسطينية، وذلك في وقت يبدو فيه وجود حرص من جانب الائتلاف الحكومى الاسرائيلى على مواصلة الحرب.

 

ويبقى السؤال؛ من له مصلحة في تشويه صورة مصر؟ من يستفيد من تحويل الغضب الشعبى عن إسرائيل إلى مصر؟ إن استهداف السفارات المصرية يكشف دوافع سياسية داخلية، لا إنسانية، ويصب في مصلحة الاحتلال عبر تشتيت الضغط الدولي عنه، وتحميل مصر مسؤولية جرائم لا ترتكبها.

 

الخلاصة.. أن استهداف السفارات المصرية بزعم حصار غزة هو قلبٌ للحقائق، وتزييفٌ للدور المصري الذي كان ولا يزال صمام أمان للقضية الفلسطينية. من يغلق بوابات سفارات مصر، تاركاً المعتدى، لا يدافع عن غزة، بل يهاجم من يقف معها، ويخدم أجندات تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. إن الضغوط التي تتعرض لها مصر، على إثر موقفها الداعم للقضية الفلسطينية ورفضها لتهجير الفلسطينيين، هو أمر متوقع، والتصدى لذلك يتحقق بقوة مؤسسات وأجهزة الدولة، وقبل ذلك بوحدة الشعب المصري ووعيه، وإدراكه لحجم التحديات، وصلابة جبهته الداخلية.

 

نقلًا عن صحيفة الأهرام

في عددها الصادر الاثنين 25 أغسطس 2025

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز