

د. طه جزاع
سعادة الدنيا والآخرة !
بقلم : د. طه جزاع
باتت اخبار انتحار الشباب والشابات في مجتمعاتنا العربية تتردد على مسامعنا كثيراً ، على الرغم من موقف الدين الاسلامي الحنيف والديانات السماوية الكبرى من هذه الظاهرة التي تمثل جريمة يرتكبها المرء بحق نفسه والتي هي ملك الخالق العظيم منحها للانسان لكي يعيش الحياة بحلاوتها ومرارتها ويقبضها الله حين تشاء ارادته .
ومن الحقائق المؤسفة انه لاتوجد جهة رسمية معتمدة تمتلك إحصائيات دقيقة ومعلومات موثوقة عن عدد ودوافع حالات الانتحار في عموم البلاد العربية ، ولو وجدت مثل هذه الاحصائيات لأمكن للباحثين والدارسين المختصين أن يخرجوا بنتائج وتوصيات علمية وعملية يمكن أن تضع حدا لهذه الحوادث المؤسفة الخطيرة والمدمرة أو أن تحد منها في اقل تقدير ، غير إن المنتحرين يأخذون معهم أسرارهم وأسبابهم إلى القبر، ويبقى الباحثون والمختصون الجنائيون يتكهنون بشأن الأسباب التي دفعت هؤلاء للوصول إلى هذا الحد من اليأس والقنوط والإحباط ليضعوا حدا لحياتهم من دون تردد , أو إنهم ترددوا فقط في اختيار الطريقة المثالية التي تناسبهم للانتحار شنقاً أو رمياً بالرصاص أو قطعاً للشرايين أو حرقاً أو تسمماً أو غرقاً، أو قفزاً حراً من الأماكن المرتفعة !
يقينا إن تدهور العامل الاقتصادي وما يترتب عليه من بطالة وفقر وحرمان هي من مسببات الانتحار المهمة لكنها ليست الأسباب كلها , بدليل وجود حالات انتحار بنسب عالية في مجتمعات متقدمة تشهد رخاء اقتصاديا تختفي معه معالم الفقر والحاجة والعوز عند اغلب الناس ، ومع ذلك يلجأ فيه اليائسون القانطون من رحمة ربهم إلى الانتحار ، وهناك أيضا شكل من الانتحار يحدث لرد الاعتبار والكرامة الشخصية مثلما نجده في المجتمع الياباني على سبيل المثال حين يتهم احد الموظفين أو المسؤولين بتهمة الفساد أو السرقة أو الكذب أو خيانة المسؤولية ، أو تعبيراً عن الألم والحزن الوطني والقومي مثلما فعل الكاتب الياباني الشهير يوكيو ميشيما الذي انتحر على طريقة الساموراي " الهاراكيري " احتجاجاً على اذلال بلاده ،كما حدث قبل سنوات قليلة ان انتحر مدير احد المصارف اليابانية أمام كاميرات محطات التلفاز بسبب اتهامه بالفساد في إدارة مؤسسته الاقتصادية مما فاجأ الجميع لسرعة سحبه للمسدس الذي كان يخفيه في كيس صغير ليطلق النار على نفسه أمام أنظار العالم اجمع، ونحمد الله لعدم وجود مثل هذا التقليد الياباني عند المسؤولين في بلداننا العربية ، لأن تهماً مثل الفساد المالي والإداري والسرقة وتهريب الأموال والثروات وتلقي الرشاوى، أصبحت تهماً تافهة وعادية لا تستدعي القلق والانزعاج وتعكير المزاج ، وقد لا تستدعي حتى مجرد الرد والإيضاح أو انها عند بعضهم تمثل مدعاة للتفاخر والتباهي على شاشات الاعلام ، وعلى مسامع وأنظار ملايين المشاهدين، من المواطنين اليائسين الكرام !
لقد كان واضحاً ، ان أغلب المنتحرين كانوا من المراهقين والشباب ومن كلا الجنسين ، والغريب انه لاتوجد حالة واحدة من انتحار المفسدين من اللصوص وسراق المال العام ، فيما ينتحر المراهقون والشباب لأسباب قد تبدو تافهة جداً في أنظار المفسدين السعداء في حياتهم ، والذين يتقربون الى الله زلفى ظناً منهم انهم سيضمنون السعادة في دنياهم وآخرتهم!