عاجل
الإثنين 1 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
عودة الروح للمصريين

عودة الروح للمصريين

بقلم : د. شريف درويش اللبان

أثبتت بطولة كأس الأمم الأفريقية المنقضية أن روحًا جديدة دبت في نفوسِ المصريين بعد سِت سنواتٍ كاملة في المتاهة الجهنمية التي كادت أن تبتلعَ كلَ شئ، ولولا لُطْف الله بهذا الوطن وحفظه له، ولولا بعض أبنائها المخلصين لأصبح حالنا أسوأ مما نحن عليه بكثير؛ فَمِصْرُ لا زالت واحة الاستقرار والأمان وسط عالم مضطرب تضربه قوى الإرهاب والعصابات المسلحة والقادة الشعبويون الذين وصلوا وسيصلون لحكمِ دولٍ مختلفة من عالمنا، بما يُؤْذِنُ بمزيدٍ من الارتباك والاضطراب غير المسبوق في المشهد الدولي.



مِصْرُ عادت لها عقيدتها القتالية في تحقيق النصر في المواقع كافة؛ وكرةُ القدم نموذجٌ واحدٌ في هذا المضمار، لقد حقق المنتخب الوطني لكرة القدم إعجازًا غيرَ مَسبوق بكلِ المقاييسِ الكُروية في تاريخ كرة القدم المعاصر، ففريقٌ لم يصل إلى نهائيات كـأس الأمم الأفريقية طِوَالَ البطولات الثلاث السابقة منذ سِت سنوات كاملة، يصل للبطولة المُنقضية لا ليقول جئتُ من أجل التمثيل المشرف، أو تخطي الدور الأول على أكثر تقدير، بل وصلتُ لهذه البطولة لكي أُنافسَ عليها، وهذا هو قَدَرُ مِصْرَ والمصريين أينما يتواجدون على أية بُقعة من خَارطةِ العالم في كل المجالات.

وليس هذا فحسب، بل إن هذا الفريق حطم عُقدةَ المغرب التي لازمتنا طِوال 31 سنة منذ هدف طاهر أبو زيد الشهير في مرمى بادو الزاكي الحارس العملاق، وإذا بمصر تحقق في هذه البطولة ما لم تحققه طوال ما يزيد عن ثلاثة عُقود كاملة على فريق المغرب، وبمهارةٍ وحِرفيةٍ منقطعةِ النَظير أدهشت الأفارقة والعرب والعالم والفيفا نفسها، وهى الدهشة التي عبر عنها تلقائيًا مدربُ المنتخب المغربي عندما قال غيرَ مُصدقٍ لما حاق بفريقه من هزيمةٍ غير متوقعة: "إن مِصْرَ عادت من جديد".

إن تفوقَ البلاد في الرياضاتِ المختلفة – ومنها كرة القدم – هو مقياسٌ حقيقي لمدى تقدم الدول في المجالات الأخرى، لأن الرياضة ليست أرقامًا معلقة في الفراغ؛ فتحقيقُ الانتصارات يدعمه مدربٌ فني وطاقمُ تدريب ولاعبون متميزون وحارسُ مرمى عملاق، ومنظومةٌ رياضيةٌ متكاملة واستراتيجيةٌ ناجحة ترسمُ خَارطةَ مستقبل الألعاب الرياضية المختلفة، ودولةٌ تَدْعَمُ كلَ هذه الجهود الجبارة المبذولة في فترة زمنية قصيرة لكي تعكسَ مدى التقدم الذي أحرزته مصر في العاميْن الأخيريْن.

إن عودةَ الرُوح للمِصريين – كما كتبتُ على الفيس بوك عقب المبارة النهائية مباشرة – أهم 90 مليون مرة من الفوز بمباراة، حتى إذا خسرنا البطولة جَرَاءَ ذلك، فإذا خسرنا بطولة.. فهناك بطولات، وإذا خسرنا مباراة فيكفي أننا كسبنا رُوحًا جديدةً وثابة لكل انتصار تَدُبُ في نفوس المصريين أحفادِ الفراعيين العِظام الذين نشروا العلم والحضارة والنور في كلِ بِقَاعِ الدُنيا. ألم تشاهدوا ملايين الأعلام ترفرف فوق رؤوس المصريين في كل ميادين وشوارع وحارات مصر، في كل المدن والقرى والنجوع من مرسى مطروح إلى الإسكندرية إلى محافظات الدلتا إلى صعيد مصر إلى سيناء. إن هذا لا يقول إلا شيئًا واحدًا وهو أن المصريين في رِباطٍ إلى يوم القيامة، ولا تستطيع أيةُ قوة أن تنالَ منهم، ولا يستطيع الإرهابُ أن يَفُتُ في عَضُدِهم، وأن جهودهم في كل مجالات الرياضة والاقتصاد والتنمية لن تضيع سُدَىً، وكما يقول المولى عز وجل: "وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ".

لقد كانت مِصْرُ كُلُهَا ليلةَ أمس تستعد للانتصار والاحتفال، ولكن الأمور لم تمضِ كما هو مُخطط لها، لأنه من الوارد في كرة القدم وفي أية منافسات رياضية الفوز والخسارة، وهذا ليس عيْبًا، بل إن الرُوح الرياضية تُحتم أن نقبلَ الخسارة ونهنئ الفائز، ويجب علينا أن نتحلى بهذه الروح، وأشد ما آلمني ليلةَ أمس مشهدان لا يمكن أن أنساهما طِيلة حياتي: أولُهما مشهدُ الشباب المحبط مطأطئ الرأس بعد انتهاء المباراة بفوز الكاميرون، وهؤلاء أقول لهم: "ارفع راسك فوق إنت مصري"، وأنتم أيها الشباب بهذه الروح الجديدة التي تلمسناها فيكم ستحققون لهذا الوطن عديدًا من الانتصاراتِ في قَادِمِ الأيام، فأنتم مستقبلُ هذا الوطن ودعامته وطاقته للانطلاق نحو التنمية والتقدم.

أما المشهدُ الثاني الذي آلمني كثيرًا هو مشهدُ تلك السيارة التي مرت مُسرعة وقائدُها يضرب "كلاكسات" الفرح بهزيمة المنتخب المصري؛ إن هذا الرجل من أهل الشر الذين لا يريدون خيرًا لمصر، ويستكثرون على المصريين أن يفرحوا بالانتصار في مباراة أو الفوز ببطولة في كرة القدم. إن هؤلاء ليسوا مصريين، وسوف يَلْعَنُهُم ماءُ النيل العظيم الذين ارتووا منه طِيلة حياتهم، وسوف تَلْفُظُهُم الأرضُ الطيبة، وستسقط عليهم السماء كِسَفًا بأيدي جنودِ اللهِ وأيدي المؤمنين.

مصر عادت من جديد.. بروحٍ جديدة.. بإرادة وثابة نحو الفوز والانتصار ليس في كرة القدم فقط ولكن في كل المجالات.. انتظروا الانتصارات والإنجازات التي تدق بابَ مصر في المستقبل القريب.. قولوا كما كنتم تقولون في ضربات الجزاء.. قولوا ياااااااااااارب.

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز