عاجل
الإثنين 1 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
البنك الاهلي
البطاريق في مجتمع المخاطر..!

البطاريق في مجتمع المخاطر..!

بقلم : د. شريف درويش اللبان

حالة من الجدل أثارها الإعلان عن وجود طائر البطريق في مول شهير تم افتتاحه مؤخرًا، ولكنها ليست المرة الأولى التي يحتك فيها المصريون مع البطريق، والذي تعرضوا له في كثير من المواقف، مما يوضح عشقهم لذلك الكائن الذي يعيش في القطب الجنوبي. وبمجرد الإعلان عن وجود طائر البطريق في المول ، انتشرت موجة من السخرية من سعر التصوير معه والذي وصل إلى 850 جنيه، وطالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بالعمل في المول كبطريق، مؤكدين أن وظيفته أكثر ربحًا من العمل كإنسان..!.



ولعل حالة الجدل التي شهدها المجتمع والإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وحالة الكوميديا السوداء التي صاحبت قدوم البطاريق من القطب الجنوبي إلى صحراء 6 أكتوبر يجعلنا نسلط الضوء على ظاهرة "البطاريق" في "مجتمع المخاطر".

و"مجتمع المخاطر" Risk Society هو الطريقة التي على أساسها يدير المجتمع أموره استجابةً للأخطار المحدقة به، وقد ارتبط هذا المصطلح بعديدٍ من الكُتَاب الذين كتبوا عن الحداثة Modernity، وعلى رأسهم أولريك بيك Ulrich Beck وأنطوني جدنز Anthony Giddens، وقد سُك هذا المصطلح في عقد الثمانينيات، وشاع بشكلٍ أكبر خلال التسعينيات، وذلك نتيجةً لارتباطه باتجاهات التفكير في مشكلات الحداثة. وارتبط "مجتمع المخاطر" بشكلٍ كبير بأمريْن مهميْن أولهما زيادة الفجوة بين الطبقات وثانيهما انتشار البطالة بين الشباب.

وبدلاً من أن يبحث المجتمع المصري عن حلٍ ناجع ومؤثر لهاتيْن المعضلتيْن نجد أن هذا المجتمع كان عقله ووسطه بل والرموز الانتخابية في ديمقراطيته المعاصرة يفكرون في البطاريق حتى قبل أن تفكر هذه البطاريق في نزول مصر؛ فمن أبرز المواقف التي جمعت المصريين بالبطاريق كانت رقصة "البينجوين" أو البطريق الشهيرة، والتي انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية، وشهدت الأفراح حالة من الهوس بتشغيل الموسيقى الخاصة بها، وحرص الجميع على الرقص عليها خلال زفافهم. وظهرت رقصة البطريق في البداية عام 1963 في فنلندا، تحت اسم "ليتكاجينكا"، ومن وقتها وأصبحت منتشرة إلى حد كبير في أوروبا، إلى أن تطورت موسيقاها مع دخول التكنولوجيا مجال صناعة الآلات، ولاقت رواجًا بين جميع دول العالم.

كما أنه خلال الانتخابات البرلمانية الماضية في 2015، ثار الجدل حول وضع طائر البطريق ضمن قائمة رموز المرشحين بمختلف الدوائر، مما أثار حالة من السخط بين المرشحين، والذين اعتبروا اختيار ذلك الرمز يقلل من قدرهم أمام أهالي دائرتهم، والتأكيد على تأثيره بالسلب على شعبيتهم، وكان التصريح الأبرز لأحد مرشحي الدائرة الأولى بندر أسيوط حول الرمز، "مين هينتخب بطريق".

لم يكن يتوقع من كتبوا عن الحداثة و"مجتمع المخاطر" ولا مفكرنا الكبير السيد يسين – شفاه الله - الذي لم يسأم من الحديث عن المجتمع المصري كمجتمع مخاطر بامتياز، ولم يكن يتوقع الذين كانوا يرقصون رقصة البطريق في الأفراح ولا حتى محمد هنيدي الذي ارتدى زي البطريق في أحد ألطف أفلامه "يوم مالوش لازمة"، ولم يتوقع المرشحون الذين قاوموا رمز "البطريق" في الانتخابات البرلمانية الماضية أن البطاريق ستهاجر من القطب الجنوبي إلى صحراء 6 أكتوبر في مول اتخذ من "مصر" اسمًا له..!.

أصبح من حق المصريين أخيرًا أن يتزلجوا على الجليد وسط الصحراء، وأصبح بمقدورهم أن يعقدوا لقاءات خاصة جدًا مع البطاريق، وأن يلتقطوا معها الصور التذكارية، ولكن السؤال المهم الذي يثور هنا هو ما كُلفة هذا في مجتمع المخاطر الذي يعاني من البطالة والتفاوت الطبقي بين طبقة عليا وأخرى دنيا بعد تآكل الطبقة المتوسطة بفعل القرارات الاقتصادية المؤلمة التي هوت بالمستوى المعيشي الكريم لهذه الطبقة.

لو افترضنا أن أسرةً مكونة من خمسة أفراد .. أب وأم وثلاثة أولاد ذهبوا إلى صحراء "6 بطاريق" أقصد "6 أكتوبر" لقضاء يوم للنزهة في "مول البطاريق" وفكروا في التزلج على الجليد ولقاء البطاريق.. فكم يتكلف هذا اليوم؟، ببساطة ستكون التكلفة كالتالي 2000 جنيه للتزلج على الجليد بواقع 400 جنيه للفرد، 4250 جنيه لعقد لقاءات خاصة مع البطاريق والتقاط الصور التذكارية بواقع 850 جنيه للفرد، وقد تتناول الأسرة طعام الغداء في المول بحوالي 1500 جنيه على الأقل في أحد المطاعم الشهيرة في ساحة الطعام Food Court، علاوة على التسوق من الماركات العالمية الشهيرة بحوالي 10 آلاف جنيه بمتوسط ألفين جنيه فقط لكل فرد من أفراد العائلة، وهو مبلغ هزيل على فكرة إذا نظرنا إلى ارتفاع أسعار الماركات العالمية في الملابس والأحذية والنظارات ولن نتكلم عن الروائح والماكياج والإكسسوارات أو المجوهرات..!. وبحسبة بسيطة لو جمعنا كل الأرقام التي ذكرناها سلفًا سنجد أنها 17ألف و750 جنيهًا بالتمام والكمال.

والمحصلة النهائية أن المبلغ الذي يمكن أن تصرفه أسرة واحدة في "مجتمع البطاريق" في يوم واحد يمكن أن يكون مرتبًا لأكثر من 17 عاملاً في شهرٍ كامل، أو مرتبًا لخمسةٍ من المتعلمين وخريجي الجامعات المحترمة من الطبقة الوسطى التي شيعناها إلى مثواها الأخير، وهو أمرٌ مستفز لا يجعله فقط غير مستساغ في "مجتمع المخاطر"، ولكنه يؤدى إلى تأليب الصراع بين الطبقات، أو بشكلٍ أدق بين الطبقتيْن اللتيْن يتألف منهما المجتمع في الوقت الراهن، وهو ما لن تهضمه بقايا الطبقة الوسطي العليا، فما بالنا بالطبقات الفقيرة؟!.

إن الأسعار تُلهب ظهور الناس، والسيدات يصرخن جراء عدم الحصول على خبز "مصيلحي".. والفقراء يأكلون الطعام "الكسر".. كسر الجبنة الرومي وبقايا طعام أولاد الذوات في الفنادق ذات النجوم الخمسة، والمعدمون قد لا يجدون ثمن هياكل الفراخ وأرجلها التي ارتفع سعرها مؤخرًا.

ورغم كل هذه المخاطر التي يواجهها المجتمع المصري، نجد سفاهةَ إنفاقِ الطبقة العليا التي لا نعلم مصادر دخلها الأسطوري الذي تنفق منه دون حساب ودون مراعاة لظروف البلاد الاقتصادية المؤلمة للجيوب وللأمعاء والبطون الخاوية.

يا ترى إيه رأي السيد البطريق الذي أصبح مننا وعلينا..؟!.

 

 

 

تابع بوابة روزا اليوسف علي
جوجل نيوز