

د. الأمير صحصاح
دور الصحافة المصرية في نشأة القصة العربية القصيرة
بقلم : د. الأمير صحصاح
إذا كانت القصة الأدبية في شكلها الروائي ولدت علي يد محمد حسين هيكل في قصته "زينب" فإن القصة القصيرة ولدت علي يد محمد تيمور في قصته الأولي " في القطار" 1917, ويري الدكتور الطاهر أحمد مكي أن هذه القصة جاءت ثمرة ناضجة لاتصال محمد تيمور القوي والمباشر والمبكر بالثقافة الأوروبية .
وقد نشر محمد تيمور قصة "في القطار" في صحيفة " السفور" في عددها رقم 107 الصادر في 7 يونيه 1917 ونشر في نفس الصحيفة وفي نفس العام قصصه "عطفه المنزل رقم 22" وحفلة طرب , وصافرة اليد , ربي لمن خلقت هذا النعيم " ثم ضمن هذه القصص بعد ذلك مجموعته القصصية "ما تراه العيون".
وقد كان محمد تيمور يعي وعياً كاملاً أن مجتمعه يتغير ويريد هو له هذا التغيير إلي الأفضل والأحسن , وتصور ذلك قصة "في القطار " التي تقدم عدداً من الأنماط تصلح "عينات" علي بعض طبقات المجتمع , إن صح هذا التعبير , وهي مرسومة رسماً بارعاً وساخراً في آن معاً , نجد بينها الرجعي مثل التركي والعمدة , مثلما نجد المثقف الذي رفض القديم وثار عليه , غير مبال لا بعرف ولا بخلق , ونلتقي بالتلميذ والشيخ المعمم , والمؤلف يسخر من الرجعيين بوجه خاص , ويري الدكتور عبد الحميد القط أن "محمد تيمور" يستخدم الكاريكاتير في رسم الشخصيات أحياناً , ولكن المرء يحس أن أوصاف تلك الشخصيات مقصود لذاته .
وقد تأثر محمد تيمور إلي درجة كبيرة "بموباسان" القصصي الفرنسي الشهير, كما كان محمد تيمور كذلك علي صلة بالمحاولات التي سبقت محاولته في الأدب المصري الحديث, ويري الدكتور أحمد هيكل أنه كان متأثراً أيضاً بما كتبه المنفلوطي.
ولم تلبث القصة القصيرة في مصر أن حققت تقدماً , وقد ساعد علي ذلك اتساع حركة الترجمة وتقدمها , وظهور جيل من المتمرسين بالثقافة الغربية والعربية , وكثرت الصحف والمجلات التي وجهت عنايتها إلي هذا اللون من الأدب مثل السفور والفجر والسياسة الأسبوعية والبلاغ الأسبوعي وغيرها , إلي جانب تبلور الطبقة المتوسطة في مصر طبقة مميزة ذات كيان مستقر.
وتأتي الصحافة عاملاً من أهم عوامل نمو الحياة الثقافية في مصر , ففي تلك الفترة كان رفع الرقابة عن الصحف ابتداء من 15 مايو 1921 , بداية انطلاقة جديدة لصحافة جديدة تمثل الحياة الفكرية , وتعكس تفكير الأمة في تلك المرحلة .
مرحلة النضوج:
يري بعض النقاد أن مرحلة نضوج القصة جاءت من تلك الحركة التي ولدت علي أيدي جماعة من الجيل الثاني من الأدباء بعد سنة 1924 كانت تجمعهم أولاً مجلة "السفور" وتضم هذه المجموعة أحمد خيري سعيد , ومحمود طاهر لاشين , وحسين فوزي , وإبراهيم المصري , وزكي طليمات , وحسن محمود , ويحيي حقي , ومحمود عزمي , ومحمود تيمور , وشحاتة عبيد , وعيسي عبيد , وأمين حسونة , وسعيد العريان , وسعيد عبده , ومحمود كامل المحامي .
إن جميع هؤلاء الكتاب الذين سلفت أسماؤهم – يعتبرون الرواد أو الجيل الأول في هذا الفن- قد كانوا من ذوي الثقافة الأدبية الأوروبية , كما كان أوائلهم بخاصة علي صلة قوية بالأدب القصصي الفرنسي , ومن هنا كان أول استلهام أو تأثر متجهاً إلي أدب القصاصين الفرنسيين , مثل "موباسان", كما كانت الواقعية التي اشتهر بها القصاصون الفرنسيون أمثال "بلزاك" و "زولا" هي أول الاتجاهات التي سار نحوها هؤلاء الرواد الأوائل .
وقد استقر القصص كجنس أدبي , ولم يعد متردداً بين استلهام التراث وتأسي القصص الغربي , فقد اتجه تماماً إلي الطريق الذي سلكه القصاصون الغربيون , وتأسي القوالب الفنية في القصة القصيرة والرواية , مستدبراً تلك المحاولات التي قصدت إلي استلهام التراث , كما فعل المويلحي في "حديث عيسي بن هشام" ثم متجاوزاً مرحلة التمهيد التي كانت تمزج القصة ببعض العناصر الغريبة عن فنها الصحيح, كما فعل المنفلوطي في "العبرات" وظهر جيل من الكتاب المتمكنين , الذين تفرغوا فنياً لهذا الجنس الأدبي .
ويقول الدكتور محمد زغلول سلام أن هذا الجيل يستمر في الإنتاج وكتابة القصة , حتى يخرج منه ويلازمه الطور الأخير أو الجيل الأخير , ذلك الجيل الذي بدأ يمارس نشاطه القصصي في أعقاب الحرب العالمية الثانية أي منذ سنة 1944 , ويضم علي أحمد باكثير , ويوسف السباعي , ونجيب محفوظ , ومحمد عبد الحليم عبد الله , ويوسف جوهر , وصلاح ذهني , وعبد الحميد جودة السحار , وعادل كامل , وسهير القلماوي , وبنت الشاطئ , وأمين يوسف غراب , وسعد مكاوي , ومحمود البدوي , وإحسان عبد القدوس , ويوسف إدريس , وعبد الرحمن الشرقاوي , وبدأت في هذا الجيل الأخير اتجاهات ناضجة مكنت لفن القصة في الأدبي العربي الحديث.
المصادر
الطاهر أحمد مكي , القصة القصيرة – دراسة ومختارات ,
سيد حامد النساج, دليل القصة المصرية القصيرة.
عبد الحميد القط , آراء في الأدب والنقد , ط1.
أحمد هيكل , تطور الأدب الحديث في مصر .
السعيد الورقي , اتجاهات القصة القصيرة في الأدب المعاصر في مصر .
محمود الحسيني المرسي،الاتجاهات الواقعية في القصة المصرية القصيرة .
محمد زغلول سلام ، دراسات في القصة العربة الحديثة
أحمد هيكل , الأدب القصصي والمسرحي في مصر ,